وليد عبد الحي – خليج 24 | بعد قراءة متأنية للغاية لكتاب مستشار الامن القومي الامريكي السابق جون بولتون ، رأيت ان عرض الكتاب طبقا لتتابع فصولة الخمسة عشر ( بما فيها فصل الخاتمة، وصفحات متنه ال 445 الى جانب 20 صفحة من الصور للمؤلف ولغيره من المسؤولين الامريكيين والاجانب، تليها 38 صفحة من الهوامش والمراجع، ثم 59 صفحة تضم ال(index)) لا يساعد على فهم آليات وتفاعلات صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة في زمن دونالد ترامب، فالوقائع أكثر من أن تحصى، ومساحة الفعل السياسي الامريكي الاستراتيجي والتكتيكي تشمل العالم كله، كما أن ادوات القوة الكامنة والمتحققة من الهول الى حد الرعب.
لذلك، رأيت ان اقسم الكتاب- المذكرات- طبقا لرؤيتي الخاصة لموضوعاته مع الالتزام الصارم بما ورد في نصوص الكتاب، واضعا في اعتباري ما يهم القارئ العربي اولا وأخيرا .
اولا: شخصية ترامب من خلال الكتاب :
لقد احصيت 73 وصفا ” مجازيا او حرفيا” لشخصية ترامب في سلوكه العام ومستوى تفكيره ومستوى معرفته ومنظومة القيم الحاكمة لشخصيته ، ثم قارنت بينها وبين ما ورد في التقرير الذي نشره 35 عالم نفس امريكي لحظة فوزه بالرئاسة، وأؤكد ان درجة التطابق بين شخصية ترامب في كتاب جون بولتون وشخصية ترامب في تقرير علماء النفس تصل الى حوالي 95%.
ولكي لا اثقل على القارئ بتكرار ما ورد في تقرير علماء النفس، يكفي العودة للتقرير الذي عرضته في دراسة لمركز الزيتونة_ ومنشور على صفحتي في الفيسبوك”.
لقد ورد في كتاب بولتون على لسانه او لسان مسؤولين امريكيين في البيت الابيض او البنتاغون او السي آي ايه او الخارجية او البعثة الامريكية في الامم المتحدة او على لسان مسؤولين أجانب” وغالبا غربيين” الاوصاف التالية المتطابقة مع تقرير علماء النفس الذي وصف ترامب بانه يعاني من ” نرجسية مرضية” فقد ورد في كتاب بولتون ما يلي من اوصاف::
وهم معرفة كل شيء، لا اهمية لهيئات صنع القرار بل الاهمية للعلاقات الشخصية، الولاء الشخصي للرئيس هو الاهم ،ترامب سخيف ومعتوه”، ترامب يسأل دائما كيف غطى الاعلام زياراته او مؤتمراته الصحفية، ترامب يقيم نفسه تقييما عاليا، ترامب: يستخدم التلفون بشكل مفرط مع رسميين وغير رسميين ويقارنه مع عمل بوش المنظم ، ترامب يستمع لتقارير امنية مرتين في الاسبوع لكنه يتحدث اكثر ممن يستدعيهم وفي موضوعات لا علاقة لها بموضوع حديث المسؤول….لا يتورع عن اتهام أي موظف، الكذب والتناقض وتغيير المواقف امر وارد جدا في سلوك ترامب، فمع الصين او كوريا الشمالية او فنزويلا او ايران كان يهدد ويتوعد يرفض التفاوض المباشر ثم يعود للتواصل مع هذه الاطراف، ويقدم الكتاب امثلة على ذلك في محاولاته التواصل مع ايران لولا الرفض القاطع من المرشد الايراني، وفعل نفس الشيء مع الزعيم الكوري ، بل وحاول التواصل مع مادورو في فنزويلا …الخ. كل هذا الى جانب بعض الجهل مثل تساؤله عن صلة فنلندا بروسيا كجزء ام تابع او تدور في فلك روسيا، او استفهامه حول ما اذا كانت بريطانية نووية…الخ.
ثانيا: الفارق بين رؤية ترامب (الرئيس) ورؤية بولتون( مستشار الامن القومي):
ينتمي كل من ترامب وبولتون الى النظرية الواقعية ( بشقيها القديم والجديد)، حيث تبقى القوة هي الاداة المركزية لادارة العلاقات الدولية وبأن الصراع هو الاساس الى جانب ان المصالح القومية غير متطابقة بطبيعتها، لكن الفارق بين ترامب وخصمه بولتون ان ترامب يعتبر الأداة الاقتصادية بمضمون ميركنتيلي هي الاداة الأنسب لادارة العلاقات الدولية ، وان الجمارك والكوتا والضرائب …الخ هي ادوات اكثر فاعلية من القوة العسكرية، بينما ينتمي بولتون لمدرسة مورغانثو بان القوة الخشنة هي الاداة الانسب، فتراه في الكتاب يتصادم مع ترامب في الموقف من الصين او ايران او فنزويلا او سوريا او روسيا او كوربا الشمالية بل ومن الحلفاء الاوروبيين، وقد ادى هذا التباين الى ظهور السياسة الامريكية في عهد ترامب بأنها سياسة مرتبكة كما ورد على لسان عدد من المسؤولين الامريكيين.
ثالثا: يكشف الكتاب عن ان ترامب لا يرى في حلفائه العرب الا دفترا للشيكات، فعند طرح احتمال انسحاب القوات الامريكية من سوريا والعراق وابقاء بعض القوات الامريكية يقول ترامب في كل مرة حرفيا: على العرب ان يدفعوا نفقات قواتنا بالاضافة الى زيادة مقدارها 25% من هذه التكلفة، ثم يعود ليقول زيادة مقدارها 50%..ثم يقول ترامب بانه في حالة ضرب ايران ” على حلفائنا من العرب ان يدفعوا من اجل ضرب ايران”.
ويؤكد الكتاب ان ترامب اتصل بهذا الخصوص مع كل من ولي عهد السعودية محمد بن سلمان وولي العهد الاماراتي الى جانب الرئيس المصري ، وأبدى الزعماء الثلاثة اهتماما جديا بالفكرة، ثم ينسب بولتون لترامب القول في موقع اخر يجب ان نأخذ نفط العراق، وفي مكان آخر يجب ان نأخذ نفط سوريا.
وعند الحديث عن اعادة بناء دول عربية تدمرت بسبب الحروب قال ترامب” انا معني ببناء بلدي لا بلدان الآخرين، خطة ترامب في سوريا هي سحب الجزء الاكبر من قواته واحلال قوات عربية بدلا منها وان تمول الدول العربية نفقات القوات الأمريكية المتبقية.
وفي موضع آخر يقول ترامب ” اذا لم نبع اسلحة للعرب سيشترون السلاح من روسيا والصين…وينسب لبوتين القول انه سيبيع سلاح للسعوديين ان لم تبيعوهم” وكان اهتمام ترامب هو فيما توفره مبيعات الاسلحة من وظائف للامرييكين اكثر من اهتمامه بالاعتبارات الجيواستراتيجية
ويكشف الكتاب كيف ان العرب بسبب رغبتهم في استمرار المواجهة الايرانية الامريكية امتعضوا من محاولة تدخل رئيس الوزراء الياباني بين الطرفين ومحاولته تسوية المشكلة بين واشنطن وطهران.
رابعا: ان موضوع القيم الليبرالية لا أهمية لها في رؤية ترامب للتحالفات مع الآخرين، فهو غير معني بحقوق الانسان ولا العدالة التجارية او القانون الدولي، لذلك يسرد الكتاب مواقف ترامب ضد اتفاقية المناخ، وانسحابه من الاتفاق النووي مع ايران، واصراره على رفع معدل انفاق حلفائه في ميزانية حلف الناتو الى 2%، ويغمز من الموقف الالماني والفرنسي، ثم انسحابه من منظمة الصحة العالمية ثم وقف مساعداته لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين ورغبته في التخلي عن لجنة حقوق الانسان.
بل يرى ان كوريا الجنوبية واليابان يجب ان يزيدا من شراء الانتاج الزراعي الامريكي، وهو ما طرحه على الرئيس الصيني ليعزز من فرص نجاحه في الانتخابات( علما ان المنتجين الزراعيين يشكلون نسبة هامة من قاعدته الانتخابية الى جانب الانجليكانيين). بل إن ترامب يبدي تساؤلا عن دوافع وزير الخارجية ريكس تيلارسون لتقديم 500 مليون دولار مساعدة لافريقيا…الخ من مؤشرات على عدم اهتمامه بالابعاد الانسانية او القيمية خارج نطاق الفلسفة الميركنتيلية.
خامسا: مواقف بولتون:
يسرد بولتون صلاته مع ترامب بشكل غير منظم، لكنه كشف عن توقعه في البداية بانه سينال منصبا في وزارة الخارجية او مجلس الامن القومي ، لكنه بدا غير متحمس لمناصب اخرى، وفي الوقت الذي يميل فيه بولتون- طبقا لما ورد في كتابه- الى العمل المنظم في اتخاذ القرار لاسيما في اطار مجلس الامن القومي مثل عرض البدائل المختلفة للقرار، ثم مزايا ومخاطر كل بديل ثم ترك الرئيس يختار البديل الذي يراه الانسب.
اما ترامب فلا يتعامل مع الامور بهذه المنهجية والتنظيم ، ويحاول بولتون ان يكرس فكرة الدور الكبير لكل من كوشنير وايفانكا في القرار الامريكي بخاصة في الشرق الاوسط.
وينقل بولتون قول مسؤول امريكي ساخرا ” كيف يوكل لكوشنير تسوية الصراع الشرق اوسطي الذي فشل حتى كيسنجر في حله. ويرى بولتون ان كوشنير هو الذي اقترح طرد مدير الف بي آي جيمس كومي.
ويقسم بولتون الموظفين حول ترامب الى قسمين :الاول من اسماهم بولتون ” الصبية” ((Adults ثم في المرحلة الثانية بدا يميل الى من اسماهم بولتون ب ” الموالين”(yes men) وفي التعامل مع الشريحتين هناك مشكلة.
من جانب آخر ، يبدي بولتون في كتابه كراهية مطلقة وعدم ثقة باي شكل من الاشكال في ايران ، ويرى ان القوة هي الحل الانسب معها، فهو من انصار تغيير النظام الايراني بينما يميل ترامب لفكرة تغيير سلوك النظام، ولديه شعور ان البرنامج النووي الايراني يسير باتجاه تحويل ايران لدولة نووية وهو ما سيدفع دول مثل تركيا ومصر والسعودية في هذا الاتجاه.
ويتبنى بولتون في كتابه فكرة تستحق التنبه لها وهي اعتقاده ان العلاقة بين كوريا الشمالية وايران هي علاقة عميقة لا سيما في الاطار النووي، ويشير الى تعاون مجموعة خان الباكستانية مع كل من ايران وكوريا الشمالية في مجال الاسلحة النووية بخاصة تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم والتي كان الباكستاني قد ” سرقها ” من اوروبا بينما حصلت باكستان على تكنولوجيا تصميم القنابل الذرية من الصين، كما ان المفاعل النووي السوري الذي دمرته اسرائيل عام 2007 مصدره كوريا الشمالية ( يسميها أمازون النووي” )ويشير الى ان الحرب مع كوريا الشمالية مرهونة بالموقف الصيني وردة فعلها. ويتهم بولتون كوريا ببيع سوريا اسلحة كيماوية بتمويل من ايران..وفي رأيه ان من يبيع اسلحة كيماوية قد يبيع لاحقا اسلحة نووية.
سادسا: طبيعة التفاعلات بين موظفي ادارة ترامب:
ان الوصف الذي يقدمه بولتون للوشايات المتبادلة ، والالفاظ البذيئة لوصف الموظفين لبعضهم البعض(تيلارسون يقول لهالي(المندوبة في الامم المتحدة” انت لست الا مهبل”.وهو تعبير امريكي للمرأة عن سذاجتها) ، وسياسة الوجهين في التعامل مع ترامب باحترامه عند حضوره ووصفه عند ذهابة بالغبي او التعيس ، بل يشير الى دور الضغوط الداخلية للوصول لمنصب معين.
ويشير بولتون الى الدعم الذي تلقاه هو من اللوبي اليهودي بينما علم ان هناك ضغوطا ضده ، كما يشير الى ان المرتبطين بشركات النفط مثل تيليرسون اصطدموا مع ترامب لكن بولتون يلمح الى صلات بين هؤلاء(مثل تيليرسون) وبين الرئيس الروسي بوتين الذي يبدو ان بولتون معجب في القدرات القيادية لبوتين الى حد انه ينقل قولا عندما يلتقي بوتين وترامب في غرفة ” لا تترك ترامب وحده مع بوتين”.
سابعا: العلاقة مع الصين:
ثمة اتجاهان في ادارة ترامب تجاه الصين(حسب كتاب بولتون):
– الاتجاه الاول يرى بان الغرق الصيني في اقتصاد السوق والصعود السلمي سيغير من توجهاتها….والاعتقاد ان ارتفاع مستوى الثروة والدخل سيقود الى مزيد من الديمقراطية.
لكن الصين حسب راي بولتون ذهبت خلافا لهذه التوقعات ونحت منحى ميركانتيلي ولم تتجه ديمقراطيا وتزيد من انفاقها العسكري وتطوير قواتها وكل ذلك يضر بالمصالح الامريكية.
كما انها من وجهة نظر ترامب تعمل على التاثير على انتخابات ا لكونجرس كما جرى عام 2018 لصالح الديمقراطيين وللعمل على هزيمة ترامب في 2020(صفحة 266)، ويرى هذا التيار أن سياسات ترامب فيها قدر كبير من ” الاندفاع والنزوة” تجاه الصين كما جرى مع اعادة السماح للشركة الصينية (ZTE).
– التيار الثاني يرى ان الصين تريد التوسع والعسكرة التدريجية لاسيما في منطقة حوض الهادئ، وهو امر يهدد المصالح الامريكية ويجب كبحه.
الخلاصة:
اعتقد ان كتاب بولتون تعبير عن مرحلة من مراحل التراجع الامريكي الذي تحدث عنه عشرات الخبراء في الدراسات المستقبلية من غالتنغ او بول كينيدي او غيرهم ..ربما.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=2810
التعليقات مغلقة.