الحكم الذاتي السني يعود إلى الواجهة في المشهد العراقي

عادت الدعوات إلى إنشاء إقليم سني يتمتع بالحكم الذاتي إلى الظهور في الآونة الأخيرة في العراق ما أدى إلى عودة المظالم القديمة بين الجهات السياسية الفاعلة الرئيسة إلى الساحة العراقية.

ويقود هذه المبادرة السياسي العربي السني الشيخ ثائر البياتي، الأمين العام لمجلس العشائر العربية ومؤسس جبهة الإنقاذ العراقية بحسب موقع (أمواج.ميديا) الالكتروني.

وقد اقترح البياتي هذه الخطة في البداية في عام 2018، بحجة أن حل القضايا الاقتصادية والسياسية في المحافظات السنية يستلزم إنشاء منطقة فدرالية شبيهة بإقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي.

وستشمل المنطقة السنية المتصورة محافظات شمال وغرب بغداد، بما في ذلك الأنبار وديالى ونينوى وصلاح الدين، بالإضافة إلى مناطق “حزام بغداد” جنوب العاصمة.

ويؤكد البياتي أن اقتراحه يعكس رغبة واسعة النطاق بين السنة في العراق في الاستقلال عن بغداد. ويتضمن هذا الهدف طرد الجماعات المسلحة المرتبطة بقوات الحشد الشعبي من المناطق ذات الأغلبية السنية.

وفي حين يفتقر البياتي إلى دعم شعبي كبير، فإن دعوته لإقامة منطقة سنية تلقى صدى لدى الكثيرين.

والصورة الأكبر هي أن فكرة إقامة إقليم سني يتم استخدامها في كثير من الأحيان كأداة سياسية من قبل السياسيين السنة خاصة خلال فترات الصراع، وهو ما شهده العراق في الفترة الأخيرة في أعقاب إنهاء عضوية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي (2018-2023).

كفاح الحلبوسي للحفاظ على مكانته

لطالما لوح الحلبوسي بما يشير إليه المراقبون بـ “بطاقة الانفصال”. فقبل أن يتم إنهاء عضويته كرئيس لمجلس النواب، دخل السياسي السني في نزاع مع الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم، وهو كوكبة من الأحزاب المدعومة من إيران والتي ساعدت في السابق على وصوله إلى السلطة.

وفي أبريل/نيسان 2023، التقى الحلبوسي مع شيوخ ووجهاء محافظة الأنبار، مسقط رأسه، لمناقشة إنشاء إقليم يتمتع بحكم شبه ذاتي.

ومن أبرز الشخصيات التي حضرت اللقاء، زعيم عشيرة البوفراج أحمد تركي المصلح، وزعيم عشيرة البو جليب أحمد عبود، وزعيم عشيرة الملاحمة أحمد الساجر وآخرين.

وعاد الحلبوسي إلى استخدام البطاقة نفسها بعد قيام المحكمة الاتحادية العليا بإنهاء رئاسته للبرلمان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وفي كلمة ألقاها بعد فترة وجيزة في محافظة الأنبار، علق الحلبوسي على إبعاده بالقول: “هناك قانون ودستور، وإذا لم تلتزم بهما [الأحزاب الشيعية]، فسوف نحرر أنفسنا منها”.

تم تفسير تصريحات رئيس البرلمان السابق على أنها تحذير لخصومه السياسيين، واقتراح اللجوء إلى المادتين 117 و119 من الدستور العراقي اللتين تعترفان بالحكم الذاتي لإقليم كردستان، وتنصان على إنشاء مناطق حكم ذاتي أخرى من خلال الاستفتاء.

وقال مصدر سياسي رفيع في مجلس محافظة الأنبار، طلب عدم الكشف عن هويته لموقع أمواج.ميديا إن “الحلبوسي يلوح بهذه الورقة لمنع إضعاف نفوذه السياسي، خاصة بعد أن بدأت الحكومة بفتح ملفات فساد تطال المقربين منه”.

وأضاف المصدر أن “قدرة الحلبوسي على القيام بذلك تعززت بعد فوزه في [نوفمبر/تشرين الثاني الماضي 2023] في انتخابات المحافظات، ما يدل على قاعدته الشعبية القوية وقدرته على استخدام ذلك كوسيلة ضغط لمحاربة الأعداء”.

ووفقًا للمصدر السياسي نفسه، فإن الناس في الأنبار أكثر توقًا من سكان المحافظات الأخرى ذات الأغلبية السنية على تأمين الحكم الذاتي عن بغداد، حيث يشير السكان المحليون إلى مجلس المحافظة باسم “مجلس المنطقة [السنية]”.

ومن الجدير بالذكر أن الدعوات إلى زيادة التأثير على الشؤون المحلية شوهدت على نطاق واسع في الاحتجاجات التي عمت المحافظات السنية في عامي 2013 و2014.

ففي أعقاب تلك المظاهرات، ووسط معارضة سنية واسعة النطاق، تمكن تنظيم الدولة الإسلامية من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي في المحافظات ذات الأغلبية السنية في عام 2014.

وتشمل المظالم الحالية شعورًا عامًا بأن بغداد تعطل التحقيقات في الإخفاء القسري لأفراد من المكون السني خلال حرب القوات الحكومية مع داعش، فضلًا عن قانون العفو العام عن المتهمين خطأً بارتكاب جرائم إرهابية.

وتمثل عودة مئات الآلاف من الأشخاص الذين نزحوا من المناطق السنية خلال القتال السابق قضية رئيسة أخرى.

وفي هذا السياق، لقيت دعوات الحلبوسي للحكم الذاتي الإقليمي ترحيبًا واسعًا بين الدوائر السنية خاصة بعد انتهاء رئاسته، وهو ما يعده الكثيرون هجومًا أوسع على السلطة السياسية السنية.

أوراق تلعبها أربيل بشكل خاص

وفي خضم خلافاتها مع بغداد بشأن المستحقات المالية المتأخرة، دخلت حكومة إقليم كردستان أيضًا في النزاع بشأن مسألة الحكم الذاتي السني.

ووفقًا لمصدر مقرب من رئاسة الوزراء العراقية، “تدعم أربيل مسألة الانفصال السني لتعزيز قبضتها على محافظة كركوك المتنازع عليها، حيث فازت الأحزاب الكردية بأغلبية الأصوات في انتخابات المحافظات [الأخيرة]”.

كما زعم المصدر لأمواج.ميديا أن حكومة إقليم كردستان سبق أن حذرت رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من أنها “ستسلط الضوء على القضايا الخلافية بين بغداد والعرب السنة” ما لم تقم الحكومة الفدرالية بتسليم مخصصات الميزانية المستحقة للإدارة الإقليمية الكردية.

ونتيجة لذلك، سلطت وسائل الإعلام القريبة من الأحزاب الكردية الحاكمة، مثل قناة رووداو، الضوء على اقتراح البياتي بشكل بارز، وقدمت تقارير إيجابية بشكل عام عن الخطاب المؤيد للحكم الذاتي السني.

ومن الجدير بالذكر أن أربيل تحتفظ بعلاقات وثيقة مع الحلبوسي وغيره من المدافعين عن القضية السنية الذين لجأ الكثير منهم إلى كردستان العراق، بما في ذلك البياتي.

وبالفعل، تكثفت دعوات الأمين العام لمجلس العشائر العربية للحكم الذاتي وسط المفاوضات الجارية بين بغداد وأربيل حول المستحقات المالية لإقليم كردستان.

وردًا على ذلك، سعت بغداد إلى استغلال الخلاف الأوسع بين الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتخذ من أربيل مقرًا له، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني المنافس في السليمانية، لتقويض دعم الديمقراطي الكردستاني للحكم الذاتي السني.

وأشار أستاذ العلوم السياسية العراقي محمد العزي إلى أن بغداد “قادرة على تعبئة حليفها في السليمانية، [زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني] بافل طالباني، للضغط على أربيل لسحب دعمها للبياتي وأي مقترحات مماثلة”.

في الحقيقة، ثمة تاريخ خلف هذه الديناميات. ففي أواخر عام 2022، هدد طالباني بالانفصال عن حكومة إقليم كردستان والعودة إلى الحكومة الفيدرالية في بغداد.

وجاءت هذه الخطوة في أعقاب ما أكده زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني بأنه تمييز مطول ومستمر ضد محافظة السليمانية من قبل إدارة الإقليم الكردي ومقرها أربيل.

ومن الجدير بالذكر أن علاقات طالباني مع بغداد والإطار التنسيقي أقوى بكثير من علاقات نظرائه في الحزب الديمقراطي الكردستاني المنافس.

مشاركة إقليمية ودولية متنوعة

لقد تباينت استجابات الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية للدعوات المطالبة بإنشاء إقليم سني. وقال اثنان من الشخصيات السياسية المقربة من الحلبوسي إن الإمارات العربية المتحدة عقدت عام 2020 اجتماعًا في أبوظبي لبحث إنشاء مثل ذلك الإقليم.

ويُزعم أن الجلسة جمعت رجال أعمال وشخصيات سياسية سنية من العراق. وقال المصدران أيضًا إن الحلبوسي قام بعدة زيارات غير معلنة إلى الإمارات للقاء المسؤولين الإماراتيين، الذين قيل إنهم أعربوا عن دعمهم لمقترحاته.

وأشار المحلل السياسي العراقي سعد الربيعي إلى أن الدعم الذي تقدمه الإمارات ودول الخليج العربية الأخرى يرتبط جزئيا باستثماراتها في مشاريع النفط والغاز في محافظة الأنبار.

وتشمل هذه المشاريع حقل غاز عكاس، بالإضافة إلى مشاريع أخرى في المناطق ذات الأغلبية السنية.

وأوضح الربيعي أن مواقف الجهات الفاعلة الخارجية الرئيسة الأخرى تعدّ مؤقتة. وتابع: “بينما تؤيد دول الخليج الحكم الذاتي السني، فإن مواقف إيران وروسيا ستعتمد على مدى استجابة السياسيين السنة لمصالحهم”، مضيفًا أن “هذا يشمل فرص الاستثمار التي سيتم تقديمها لهم في المنطقة المقترحة”.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.