يهدد الاتفاق الدفاعي بين الصومال وتركيا الذي تم التوقيع عليه في 8 شباط/فبراير الماضي، بنسف اتفاقيا سابقا وقعته مقديشو مع دولة الإمارات العربية المتحدة قبل عام.
وأورد موقع Middle East Eye البريطاني، أنه عندما وافق مجلس الوزراء الصومالي على اتفاق تعاون عسكري مع الإمارات في فبراير 2023، اندلعت ضجة في مقديشو، حيث يعتقد البرلمانيون أن الاتفاق يتعارض مع السيادة الصومالية.
وبحسب الموقع، فقد تسببت الاتفاقية مع أبوظبي إلى غضب البرلمانيين الصوماليين بعد أن “ذهب إلى أبعد من اللازم”، حيث أعطت الجيش الإماراتي حصانة كاملة.
وينص الاتفاق، على أن الإمارات “تقوم بتنفيذ عمليات عسكرية وأمنية، بما في ذلك العمليات البرية والبحرية والجوية، التي تراها مناسبة، للقضاء على العناصر الإرهابية”. كما يسمح لأبوظبي “باستخدام أراضي” الصومال.
كما “يحق لدولة الإمارات استخدام المنافذ البرية والموانئ البحرية والمطارات التابعة لأراضي جمهورية الصومال الفيدرالية” وإنشاء قواعد عسكرية وتدريبية لمواصلة عملياتها.
وتنص الاتفاقية أيضاً على أن “جميع الأشخاص الذين يعملون بموجب هذه الاتفاقية سيتم منحهم ضمانات وحصانة ضد أي مسؤولية دولية أو قانونية أو إدارية” في الصومال.
وتنص كذلك على أنه “لا يجوز إخضاع الأشخاص العاملين بموجب هذه الاتفاقية لأي إجراء أو مطالبة وطنية أو دولية أو تطبيق حكم صادر ضدهم” في الصومال أثناء تنفيذ الاتفاقية.
ونقل الموقع عن مصدرين مطلعين قولهما إن الحكومة الصومالية وافقت حينها على الاتفاقية -التي لم يوافق عليها مجلس النواب بعد- بعد أن كانت تضع في ذهنها الانتخابات الرئاسية التركية في مايو 2023، والتي أشارت كل استطلاعات الرأي إلى أن رجب طيب أردوغان من المرجح أن يخسرها.
وكانت الحكومة الصومالية بحاجة إلى مساعدات أمنية وتدريب قوي لأجهزتها الأمنية.
ومباشرة بعد موافقة مجلس الوزراء الصومالي، أعادت الإمارات نشر بعض القوات الصومالية التي دربتها في أوغندا إلى البلاد، ودفعت رواتبهم ونفقاتهم.
وبعد شهر، بدأ الجيش الإماراتي أيضاً في بناء قاعدة جديدة تملكها وتديرها الإمارات في منطقة جوبالاند الجنوبية.
اتفاقية منسوفة
وبعد مرور عام أكثر من عام على الاتفاقية، لم يصدق البرلمان الصومالي بعد على الاتفاق الخاص بإكمال الإجراءات الدستورية رسمياً.
وفي المقابل، وافق النواب بسرعة على صفقة دفاعية وتجارية مماثلة مع تركيا خلال بضعة أسابيع الشهر الماضي.
وتحت إشراف أردوغان، استثمرت أنقرة بكثافة في الصومال منذ عام 2011، حيث قدمت أكثر من مليار دولار من المساعدات الإنسانية، وأنشأت أكبر سفارة للبلاد في الخارج، وأنشأت قاعدة عسكرية في مقديشو لتدريب ثلث الجيش الصومالي.
وتعمل الطائرات بدون طيار التي توفرها تركيا حالياً ضد حركة الشباب، بينما تدير الشركات التركية مطار وميناء مقديشو.
مخاوف سقوط أردوغان
وكان من الممكن أن يؤدي رحيل أردوغان المحتمل إلى حرمان الصومال من داعم حاسم. وكانت المعارضة التركية واضحة تمامًا في أنها لم تشعر بالحاجة إلى الحفاظ على مثل هذه السياسة الخارجية الحازمة في أماكن مثل القرن الأفريقي، ولم يكن لديها أي استعداد لإنفاق أي أموال أو وقت على الدولة الواقعة في شرق إفريقيا.
لذلك، وفقاً للمصادر، تواصلت الصومال -حينها- مع أبوظبي لتأمين قتالها طويل الأمد ضد الجماعات المسلحة وملء الفراغ المحتمل الذي سيجلبه رحيل أردوغان.
لكن أردوغان تحدى التوقعات وفاز في الانتخابات، وخرج على رأس القائمة في الجولة الثانية.
وعلى الرغم من أن هذا كان بلا شك عاملاً في تغير استجابة الصومال للاتفاق الإماراتي، فإن ما غيّر حقًا تفكير مقديشو بشأن تركيا هو تطوير علاقات إثيوبيا مع دولة أرض الصومال الانفصالية في وقت سابق من هذا العام، الأمر الذي أثار قلق مقديشو بشدة.
وفي يناير، وقعت إثيوبيا اتفاقا يمنحها الوصول البحري والتجاري إلى الموانئ على طول ساحل أرض الصومال، مقابل الاعتراف باستقلال المنطقة. وأعلنت مقديشو أن الاتفاق غير قانوني.
ويفتقر الصومال إلى قوة جوية وبحرية. لذا فإن أي محاولة إثيوبية لفرض إرادتها في المياه الصومالية لن تلقى أي رد من القوات الصومالية.
لكن تركيا يمكن أن تقدم ثقلاً موازناً. ولديها بالفعل قاعدة عسكرية وسفن حربية تعمل قبالة سواحل الصومال كجزء من قوة الأمم المتحدة لمكافحة القرصنة.
مخاوف قطر
ثم جاءت صفقة الدفاع مع تركيا، التي لا تزال محتوياتها سرية من قبل الحكومتين المعنيتين. ويقال إنها تكلف أنقرة بحماية مياه البحر الصومالية من الانتهاكات على مدى السنوات العشر القادمة.
ويقول بعض المطلعين على بواطن الأمور في أنقرة إن الصفقة مدعومة أيضاً من قطر، منافس الإمارات في الخليج.
وكتب محمد أوزكان، الأستاذ في جامعة الدفاع الوطني في تركيا: “من المرجح أن تكون دولة الإمارات هي الدولة الأكثر انزعاجًا من اتفاقية الأمن والدفاع التركية الصومالية”.
لقد قامت دولة الإمارات بدبلوماسية جادة خلال العام الماضي للتوقيع على اتفاقية أمنية مشابهة جداً أو أكثر تقدماً مع الصومال.
ومع ذلك، فإن الاستجابة من الصومال كانت مترددة، ولهذا السبب هناك رد فعل وخيبة أمل من جانب دولة الإمارات بشأن هذا التطور.
ويقول المسؤولون الأتراك إن الصفقة لم تسبب أي تداعيات مع أبوظبي. وزار أردوغان الإمارات بشكل متكرر منذ عام 2021، عندما تصالح البلدان رسمياً ووقعا خطة استثمارية لأنقرة.
ومع ذلك، فإن رد أبوظبي السلبي العدواني وغير المباشر على الصفقة التركية الصومالية يشير إلى أن لديها بعض الخلافات بشأن الدور القطري المحتمل في الصفقة.
وقال مسؤولون إماراتيون لمقديشو في وقت سابق من هذا الشهر إنهم سينهون الدعم المالي البالغ 5 ملايين دولار لبعض القوات العسكرية الصومالية.
وذكرت صحيفة “صومالي دايجست” أن “الإماراتيين أوقفوا الدفع لخمسة ألوية متمركزة خارج مقديشو، وحافظوا على الدعم المالي فقط بلواءين يحرسان المدينة ولواء خاص مخصص لحماية المنشآت الحيوية”.
وعلى الرغم من أن القرار كان مرتبطاً أيضاً بحقيقة أن هجوم حركة الشباب في أوائل فبراير على قاعدة إماراتية في الصومال أدى إلى مقتل مسؤول إماراتي رفيع المستوى، هو العقيد محمد مبارك، إلا أنه يعتبر على نطاق واسع رداً على الاتفاق الصومالي التركي.
وأشار أحد المصادر إلى أن الشاغل الرئيسي لدولة الإمارات هو التعاون القطري المحتمل مع الصومال بدلاً من تركيا، التي يتمتع الإماراتيون بعلاقة أوثق معها.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=66787