عندما عرضت الحكومة السعودية على نجم كرة القدم ليونيل ميسي عقدا قيل إن قيمته تزيد عن نصف مليار دولار لمدة عامين، بدا المبلغ مذهلا، رغم أنه لم يكن ينبغي أن يكون مفاجئا.
وقالت مؤسسة راند للأبحاث إن هذه الاستراتيجية المتمثلة في دفع ثمن باهظ للحصول على النفوذ من خلال توظيف أفضل المواهب في العالم، هي إحدى الاستراتيجيات التي طبقتها السعودية ودول الخليج الأخرى باستمرار في الرياضة والمجالات الأخرى.
والآن، يضع السعوديون نصب أعينهم أن يصبحوا قادة في طليعة التطور التكنولوجي في كل المجالات بدءًا من التكنولوجيا الحيوية وحتى أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، ويبدو أنهم على استعداد لدفع مبالغ كبيرة للقيام بذلك.
عندما تم طرد سام ألتمان من شركة اوبن أيه اي، انتشرت شائعات على الفور بأنه كان يجري محادثات مع مستثمرين في الشرق الأوسط، بما في ذلك صندوق الثروة السيادية السعودي، بشأن مشروع جديد لرقائق الذكاء الاصطناعي بالإضافة إلى شركة أجهزة ذكاء اصطناعي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، وعلى الرغم من أن ميسي رفض في النهاية العرض السخي للعب لفريق كرة قدم سعودي، إلا أن خطط ألتمان لشركة الرقائق غير واضحة.
إن صعود السعودية كمركز تكنولوجي محتمل يؤدي إلى تعقيد استراتيجية التكنولوجيا الحيوية للولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بأشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي.
تحتاج الولايات المتحدة إلى استراتيجية تدمج مراكز التكنولوجيا الناشئة في الشرق الأوسط في نظامها التكنولوجي الشامل، خشية أن تعتمد هذه البلدان على الصين لتحقيق طموحاتها في مجال التكنولوجيا الفائقة، ومن أجل ان تحافظ واشنطن على ميزتها التنافسية وضمان تطوير الذكاء الاصطناعي المسؤول.
لقد أوضحت المملكة خططها للريادة في مجال الذكاء الاصطناعي والتقنيات الأخرى من خلال رؤيتها لعام 2016، وهي الخطة الإستراتيجية للحكومة لتحديث البلاد، وكجزء من رؤية 2030، تم إنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي في عام 2019 مع طموح معلن “لجعل المملكة مركزًا عالميًا حيث تصبح أفضل البيانات والذكاء الاصطناعي حقيقة واقعة” وتحويل القوى العاملة لديها “من خلال تقديم الضخ الثابت للبيانات والمواهب المدعومة بالذكاء الاصطناعي.”
كما أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مؤخراً عن إنشاء صندوق بقيمة 200 مليون دولار للاستثمار في الشركات المحلية والعالمية المتخصصة في التكنولوجيا المتقدمة، ويتمثل جزء واضح من هذا النهج في تعزيز الشراكات مع رواد التكنولوجيا في جميع أنحاء العالم.
وفي الوقت نفسه، بدأت السعودية في تطوير قدراتها التكنولوجية المحلية، بما في ذلك نماذج الأساس الجديدة التي تركز على اللغتين العربية والإنجليزية، مثل سلسلة نماذج فالكون، والتي تخطط الآن لجعلها مفتوحة المصدر.
إذا اتبعت المملكة النموذج الذي كانت رائدة فيه في مجال الرياضة، فإن خطوتها التالية ستكون توظيف قادة رفيعي المستوى في مجال الذكاء الاصطناعي من الغرب لتعزيز خبرتها ومكانتها.
حتى الآن، انضم عدد قليل من قادة الذكاء الاصطناعي الغربيين البارزين الى السعودية بدوام كامل، ومع ذلك، وقعت السعودية عددًا من الشراكات مع عمالقة التكنولوجيا الغربيين، مثل Microsoft وOracle، الذين يضعون بعض أعمالهم في المنطقة ويساعدون في بناء قدرات الأعمال المحلية.
وبينما تواصل المملكة سعيها نحو زيادة التكامل العالمي، يجب على الولايات المتحدة أن تفكر في كيفية الرد.
تم تحديد الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات وغيرها من القطاعات الحيوية التي تهم السعوديين على أنها حاسمة للتنمية الاقتصادية الأمريكية المستقبلية وللحفاظ على الريادة في المنافسة على الصين، وتحتوي العديد من هذه التقنيات أيضًا على تطبيقات ذات استخدام مزدوج مثيرة للقلق، وقد يكون تطوير مثل هذه القدرات خارج سيطرة الولايات المتحدة محفوفًا بالمخاطر بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة إذا لم تتم إدارتها بشكل صحيح.
ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة لديها فرصة للتأثير على تطوير مراكز التكنولوجيا الخليجية الجديدة نحو الأفضل.
من الواضح أن السعودية لديها المال والإرادة لإنفاقه لجذب أفضل المواهب من الولايات المتحدة وأماكن أخرى، وبالرغم من ان الولايات المتحدة تملك بعض الأدوات للتحكم في البلدان التي يعمل مواطنوها فيها، فإن نظام العمل الحر الخاص بها كان متساهلاً بشكل عام في السماح لهم بالعمل في بلدان أجنبية ولدى شركات أجنبية، وسيكون من الأسهل إذن الاستفادة من السيطرة على التكنولوجيا والاستثمار للتأثير على هذه البلدان دون وضع قيود غير ضرورية على المواطنين الأميركيين.
والعديد من التكنولوجيات التي ترغب هذه الدول في تطويرها، مثل تصنيع أشباه الموصلات المتقدمة، يتم تنظيمها من خلال لوائح مراقبة الصادرات.
يمكن للولايات المتحدة الاستفادة من الحاجة إلى الشراكة والتكنولوجيا الغربية لدفع دول الشرق الأوسط لدعم أولويات الولايات المتحدة مثل سلامة وأمن الذكاء الاصطناعي، ويمكن استخدام هذا النفوذ أيضًا لربط الشراكة مع الشركات الغربية بتجنب الاعتماد على التكنولوجيا الحيوية أو تسربها إلى المنافسين الجيوسياسيين للولايات المتحدة مثل الصين.
يُعَد تنشيط فريق كرة القدم السعودي من خلال الاستحواذ على لاعبين بارزين مثل كريستيانو رونالدو، وكريم بنزيمة، ونيمار مثالاً مثاليًا لكيفية استخدام السعوديين لرؤوس أموالهم لتطوير قدراتهم في الماضي، والآن، يمكن لاستراتيجية مماثلة أن تقدم القدرات اللازمة لهم لبناء نفوذهم بسرعة في مجال أكثر أهمية بكثير.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=66384