برنامج المقرات الإقليمية السعودي: مخاطر مالية وقلق خليجي

يقترب الموعد النهائي لتنفيذ برنامج المقرات الإقليمية في المملكة العربية السعودية بوتيرة متسارعة.
ويشترط البرنامج على أغلبية الشركات متعددة الجنسيات أن تقوم بإنشاء مقار إقليمية لها في البلاد بحلول عام 2024 لتأمين العقود الحكومية.
وذكر معهد دول الخليج العربية في واشنطن أنه على الرغم من المزاج الإقليمي المتوتر الناجم عن الصراع بين إسرائيل وحركة حماس، وحالة الغموض الدولية المرتبطة بالحرب الروسية-الأوكرانية، إلا أن المسؤولين السعوديين تحدثوا بثقة عن برنامج المقرات الإقليمية في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار لعام 2023 في الرياض.
قال محمد الجدعان، وزير المالية السعودي، “إن الموعد النهائي ليس جديدًا، ونعم سيتم تنفيذه”، وأوضح وزير الاقتصاد والتخطيط، فيصل الإبراهيم، بأن برنامج المقرات الإقليمية “ليس مجرد تعزيز سلبي، فهناك الكثير من التعزيز الإيجابي أيضًا”.
في وقت سابق من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، قال خالد الفالح، وزير الاستثمار السعودي ”لقد استوفينا كل الشروط”، كوجهة لتدفقات الاستثمار.
تشعر دول مجلس التعاون الخليجي المجاورة – لا سيما الإمارات العربية المتحدة – بالقلق من أن سياسة برنامج المقرات الإقليمية تدفع بالمنافسة الاقتصادية في المنطقة بعيدًا عن الحدود المقبولة.
وتفكر الشركات متعددة الجنسيات التي لها مصالح تجارية حالية أو محتملة في الشرق الأوسط في التداعيات المترتبة على عملياتها الإقليمية واستراتيجيتها الاستثمارية. والسؤال البارز هو إلى أي مدى سيلتزم المسؤولون السعوديون بتنفيذ هذه السياسات.
وإن المخاطر التجارية عالية، فمن المتوقع أن يبلغ الإنفاق الحكومي السعودي 333 مليار دولار في عام 2024– مع التركيز على تطوير المشاريع العملاقة ومبادرات التنمية الكبرى الأخرى والاقتصاد غير النفطي.
وتعبر العديد من الجهات السعودية الفاعلة من الحكومة ورجال الأعمال عن الثقة في الآفاق الاقتصادية لبلادهم. فهناك زخم لا يمكن إنكاره في الرياض، حيث تعمل التطورات الجديدة وتدفق الزوار والمتخصصين على دعم الزخم الاقتصادي للعاصمة.
وإن التدفق المستمر للمبادرات والمشاريع في أماكن أخرى من البلاد – كما هو الحال في مدينة نيوم، التي أعلنت مؤخرًا عن تطوير مشاريع سياحية فائقة الفخامة ، مثل إبيكون وسيرانا – يوفر مجموعة واسعة من الفرص التجارية للشركات والمستثمرين.
وستتطلب استضافة أحداث عالمية رفيعة المستوى على مدى السنوات القليلة المقبلة إنفاق مليارات الدولارات الإضافية على التنمية، بالإضافة إلى تسليط الضوء على البلاد على المستوى الدولي.
وقد فازت السعودية باستضافة معرض إكسبو العالمي في عام 2030، ومن المقرر أن تستضيف كأس العالم لكرة القدم في عام 2034، وتستعد لتقديم عرض لاستضافة الألعاب الأولمبية.
وتوجد بعض الدلائل على أن هذا الزخم الاقتصادي ساعد في دعم برنامج المقرات الإقليمية، وبحسب خالد الفالح، فقد تم إصدار نحو 180 رخصة للشركات لإنشاء مقرات إقليمية خلال عام 2023، وهو ما يتجاوز العدد السنوي المستهدف للوصول إليه والبالغ 160 شركة.
وأدى استخدام منهجية جديدة لحساب قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى ارتفاع كبير في أرقام عام 2022 من 8 مليارات دولار إلى 33 مليار دولار.
ومع أن التصويب الشامل يثير الدهشة، إلا أن الرسالة المقصودة من مراجعة البيانات هي أن المؤشرات الاقتصادية الرئيسية تسير في اتجاه إيجابي.
إن حجم السوق السعودي وأجندة التنمية المتسارعة بشكل غير مسبوق يمثّل دوافع مهمة للاهتمام التجاري الدولي في البلاد، ولكن هناك عوامل أخرى مهمة أيضًا.
كما أن جذب المزيد من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وضمان قيام الشركات متعددة الجنسيات من الدرجة الأولى بتأسيس حضور طويل الأمد في السعودية يمكن تحقيقهما بشكل أفضل في نهاية الأمر من خلال الحوار البناء بدلاً من التمسك الشديد بسياسة جديدة نسبيًا.
والمطلوب من سياسة العصا والجزرة التجارية هو العمل على تشجيع الشركات الأجنبية على خلق قيمة جديدة في الاقتصاد المحلي، وخاصة من خلال خلق فرص العمل ونقل المهارات، كما هو متوقع من خطة الحكومة الأوسع للتنمية الاقتصادية.
ومن ثم، فمن المرجح أن ينطوي تنفيذ برنامج المقرات الإقليمية على درجة معينة من الغموض – ليس بسبب عدم القدرة على التنفيذ، بل لإتاحة مرونة أكبر في السياسات من أجل تحقيق تقدم للأمام.
في الوقت ذاته، فإن شعورًا بعدم الارتياح يخيم على المنطقة. إن الصراع بين إسرائيل وحركة حماس، والمخاوف من أن يؤدي إلى إثارة حالة من عدم الاستقرار الإقليمي على نطاق أوسع، يمثلان القضية الملحة في الوقت الراهن.
وثبت أن تدفقات الاستثمارات الأجنبية في الأسهم السعودية غير مستقرة، خاصة في سياق عودة هذه التدفقات بعد خروجها في أكتوبر/تشرين الأول. ووفقاً لمؤشر التداول إس أند بي جلوبال (S&P Global)، فإن اقتصادات السعودية ومعظم دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى ستظل قادرة على الصمود، حتى في ظل انتشار الصراع.
ويتزامن ذلك مع تباطؤ النمو الاقتصادي. وفقًا لصندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يسجل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في السعودية 0.8% لعام 2023، ويشكل هذا انخفاضًا عن 8.7% في عام 2022.
ويتوقع البنك الدولي حدوث انكماش في قطاع النفط في السعودية بنسبة تصل إلى 8.4% في عام 2023، إلى جانب نمو القطاع غير النفطي بنسبة تصل إلى 4.3%. لكن من المتوقع أن ينتعش النمو الإجمالي إلى 4.1% في عام 2024. وظل معدل النمو غير النفطي قويًا، ويشير هذا إلى أمورًا إيجابية بشأن جهود التنويع الاقتصادي المستمرة.
ومع ذلك، لا يزال الاستثمار الأجنبي المباشر أدنى من التوقعات – بصرف النظر عن الكيفية التي تقرر بها الحكومة قياس تدفقات الاستثمار.
وعندما يتم اقتطاع 12.4 مليار دولار من صفقة خط أنابيب النفط في عام 2021 و15.5 مليار دولار من صفقة خط أنابيب الغاز الطبيعي في عام 2022 من المبلغ الإجمالي، فإن قصة الاستثمار الأجنبي تبدو أقل إثارة للإعجاب.
وتهدف استراتيجية الاستثمار الوطنية إلى تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر السنوي إلى أكثر من 103 مليار دولار بحلول عام 2030 ــ ويشكل هذا طموحًا عاليًا بالنظر إلى التدفقات التاريخية.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.