القصة الكاملة لإطلاق عريضة وهمية لتأييد سجل الإمارات الحقوقي

استخدمت دولة الإمارات منظمة إسرائيلية لإطلاق عريضة تحت اسماء منظمات بعضها وهمية بهدف إظهار تأييد علني نادر لسجل أبوظبي الحقوقي بحسب ما كشفت أوساط حقوقية.

وقال المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط ومقره بروكسل، إن الإمارات كلفت منظمة إسرائيلية يقع مقرها الرئيسي في مدينة رمات جان في إسرائيل لقيادة وتنسيق جهود تبييض صورتها حقوقيا في أوروبا.

وذكر المجهر الأوروبي أنه حصل على وثائق سرية تظهر أن المنظمة التي تدعى (إمباك) “الحركة الدولية للسلام والتعايش” لها مقرا أخرا في لندن، وتلعب منظمة أخرى دوراً رئيسيا فيها اسمها “منتدى القانوني الدولي” ويرأسها الإسرائيلي المتطرف ارسون اوستروفسكي.

وبحسب المجهر الأوروبي أطلقت منظمة إمباك التي تقود لوبي دولة الإمارات حالياً في الأوساط الدولية، عريضة تحت اسم تحالف من 53 منظمة اتضح عند التدقيق بها أن بعضها يحمل أسماء وهمية والبعض الأخر منظمات شبه حكومية ممولة من كل من أبوظبي والبحرين، ومنظمات تدعم الاستيطان الإسرائيلي.

وكان التحالف المذكور دشن نشاطاته بشن حملة تحريض على منظمة فلسطينية تدافع عن حقوق المعتقلين الفلسطينيين في سجون إسرائيل اسمها “صامدون” والتي أدرجتها لاحقا إسرائيل على قوائم “الإرهاب”.

ومن بين المشاركين في التحالف، الإمام الفرنسي من أصول تونسية حسن الشلغومي، المعروف بزياراته المتكررة لإسرائيل ودعمه للتطبيع معها، ودعمه كذلك لليمين المتطرف الفرنسي والتحريض على الجاليات المسلمة في أوروبا بإيعاز من أبوظبي.

وجاء إطلاق العريضة في محاولة لتلميع سجل أبوظبي الحقوقي وذلك عشية المراجعة الدورية لملف الإمارات في مجلس حقوق الإنسان الدولي المقررة في الثامن من الشهر الجاري.

وتضمنت في العريضة الإشادة بأن الإمارات “حققت تقدمًا كبيرًا في تعزيز وحماية حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة، وأن هذه التطورات لها آثار كبيرة على منطقة الشرق الأوسط الأوسع”.

وتم توزيع خبر إطلاق العريضة على وسائل الإعلام مقابل رسوم مالية عبر شركات توزيع للأخبار.

وكان لوبي الإمارات عقدا مؤتمرا في نادي الصحافة في جنيف بشكل مدفوع في آذار/مارس الماضي بالتوازي مع الدورة 52 لمجلس حقوق الإنسان بدعوى بحث التحديات الحالية والمستقبلية لحقوق الإنسان في الإمارات.

ومثل منظمة “إمباك” في نادي جنيف منال مسالمي وهي تونسية تحمل الجنسية البلجيكية، وتعمل بجانب دعم اللوبي الإسرائيلي، ضمن لوبي إماراتي في بروكسل لتنسيق لقاءات مع البرلمان الأوروبي مقابل مبالغ مالية من أبوظبي.

وتم الترويج للمؤتمر بمشاركة ثمانية خبراء في مجال حقوق الإنسان، لكن اتضح أن من بينهم طالبين في مرحلة البكالوريوس في جامعة جنيف حضروا مقابل مبالغ مالية.

وفي حينه روج الإعلام الرسمي الإماراتي لمجموعة مرتزقة بوصفهم خبراء تستخدمهم أبوظبي لأغراض الدعاية لتبييض سجلها الحقوقي والإنساني بفعل ما تدفعه لهم من رشاوي مالية لشراء المواقف.

إذ نشرت وكالة الإمارات الرسمية للأنباء (وام) خبرا عنوانه: “خبراء: الإمارات رائدة وشريكة في صنع القرار بملف حقوق الإنسان عالميا”.

وعرفت الوكالة هؤلاء الخبراء الدوليين في مجال حقوق الإنسان بأنهم ينتمون إلى مؤسسات حقوقية غير حكومية، وهي المنظمات التي تعرف اختصاراً باسم (NGO).

لكن عند تفحص الأسماء التي أشارت إليها الوكالة الإماراتية سنكتشف بسهولة أن بعض الأسماء المذكورة لا تعمل في مجال حقوق الإنسان، بل لدى منظمات تمولها الحكومة الإماراتية، وهو ما يجعل هذه المنظمات (GONGO) وليس (NGO).

ومصطلح (GONGO)، يعبر عن المنظمات غير الحكومية التي تقوم الحكومات بتأسيسها أو تمويلها من أجل تنفيذ أجندة اجتماعية أو سياسية معينة، أو الترويج لمصالحها السياسية من خلال استخدام منظمات مستقلة صورياً.

من بين هذه الأسماء الذين أشارت إليها الوكالة الإماراتية بصفتهم خبراء حقوقيين، أريك غوزلان وهو مدير مشارك في المجلس الدولي للدبلوماسية والحوار، وكما يمكن أن نلاحظ بسهولة فإن غوزلان لا يعمل أصلاً في منظمة حقوقية بل في منظمة سياسية.

وعند قراءة سيرة غوزلان، سنكتشف أنه درس الاقتصاد، وأنه دبلوماسي لا علاقة له بحقوق الإنسان حتى يكون خبيراً حقوقياً.

والمفارقات لا تتوقف هنا بالطبع، فالسيرة الذاتية لغوزلان والتي نشرها موقع المجلس الدولي للدبلوماسية والحوار تقول إنه يعمل كمستشار حكومي في الشرق الأوسط.

وعند البحث بشكل أعمق قليلاً، نكتشف أن غوزلان يعمل مستشاراً لدى حكومة الإمارات، وبشكل أخص فهو يعمل مع السفارة الإماراتية في بروكسل، وهو ما يعني أنه موظف لدى الحكومة الإماراتية وليس خبيراً مستقلاً كما تدعي وسائل الإعلام الإماراتية.

أما الشخصية الثانية المثيرة للجدل، فهي منال مسالمي، والتي تقدمها (وام) على أنها رئيسة الرابطة الأوروبية للدفاع عن الأقليات، والغريب أن هذه الرابطة لا تمتلك موقعاً على “الإنترنت”، ولا يوجد لها أثر على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يجعل الشكوك تثور بأن هذه المنظمة وهمية أصلاً.

ولعل ما يؤكد هذه الشكوك، أن وسائل الإعلام الإماراتية أشارت إليها بتسميات مختلفة مثل مسمى رئيسة الجمعية الأوروبية، كما أنها كانت تقدم نفسها قبل أشهر قليلة بأنها مستشارة في البرلمان الأوروبي.

كذلك تشير الوكالة الإماراتية إلى شخصية مجهولة تدعى كوسي أتسو، وتصفها بأنها خبيرة دولية في مجال حقوق الإنسان، لكن عند البحث عنها في “جوجل” بمختلف اللغات، لا تجد أي معلومات حول هذه الشخصية، ولا يظهر اسمها سوى في خبر وكالة الأنباء الإماراتية التي لم تحدد ما هي وظيفة أتسو بالتحديد.

الوكالة أشارت أيضاً إلى أيمن نصري رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان، وهي منظمة حاملة للصفة الاستشارية بالأمم المتحدة، ورغم ذلك فإن هذه المنظمة لا تملك موقعاً على “الإنترنت” أو صفحات التواصل الاجتماعي.

كما أن رئيسها نصري، شخصية غير معروفة ظهرت على وسائل الإعلام المصرية منذ عام 2019، ومعظم تصريحاته لا تتعلق بحقوق الإنسان، بل بانتقاد خصوم الإمارات، ولا إنجازات حقوقية له في مجال حقوق الإنسان.

أما الشخصيات الأخرى الواردة في التقرير، فهي غير مستقلة أصلاً، وهما البحرينيان: عبدالجبار الطيب رئيس جمعية الحقوقيين البحرينية، و عيسى العربي رئيس الاتحاد العربي لحقوق الإنسان وكلتا المنظمتين تابعتين لحكومة البحرين بشكل رسمي، وقد اعتادا على مدح الدول الخليجية ومهاجمة المنظمات الحقوقية مثل “العفو الدولية” و”هيومان رايتس ووتش” من أجل الحصول على تمويل.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.