عُمان.. قناة اتصال خلفية مهمة لتهدئة التوترات في الشرق الأوسط

أبرزت أوساط إعلامية أمريكية دور سلطنة عُمان كقناة اتصال خلفية مهمة بين الولايات المتحدة وإيران، لتهدئة التوترات في الشرق الأوسط.

وقال موقع “ذ كونفرسيشن” إن إيران أبلغت واشنطن، عن طريق عُمان، مؤخرا بأن ردها على ضربة سابقة على مجمع سفارتها في سوريا سيسعى إلى تجنب تصعيد كبير قبل قيامها بإطلاق وابل من الطائرات بدون طيار والصواريخ على إسرائيل في الثالث عشر من أبريل 2024.

وبحسب الموقع تعد الأزمة الحالية في الشرق الأوسط الأزمة التي أمضى المسؤولون في عُمان سنوات في محاولة تجنبها.

تقع عُمان عبر مضيق هرمز من إيران، وتتمتع بعلاقات دفاعية وأمنية وثيقة مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وتدرك مسقط أن الهجمات الانتقامية تزيد من خطر نشوب حرب أوسع من شأنها أن تجتاح الدول والجماعات المسلحة غير الحكومية في جميع أنحاء العالم.

هناك إمكانية أن تندلع حرب شاملة من خلال المزيد من الإجراءات التصعيدية من جانب طهران أو القدس، ولكن قد تحدث هذه الحرب ايضاً من خلال سوء التقدير أو سوء الفهم، خاصة في ظل الافتقار إلى قنوات ثنائية رسمية للحوار ووقف التصعيد بين الطرفين، وهذا هو المكان الذي تتدخل فيه عُمان.

قامت مسقط بهدوء وعلى مدى سنوات ببناء سجل حافل في تخفيف التوترات الإقليمية من خلال الدبلوماسية، وقد استمرت في لعب هذا الدور منذ هجوم السابع من أكتوبر الذي شنته حماس على إسرائيل.

وعقدت عُمان حوارات رفيعة المستوى مع إيران، واستضافت وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون لإجراء محادثات بشأن الأمن في البحر الأحمر، ودعت إلى وقف إطلاق النار في غزة، في الأشهر التي تلت ذلك الهجوم ورد فعل إسرائيل عليه الذي أشعل المنطقة.

ويمكن لمسقط الآن أن تلعب دورًا حاسمًا في الحفاظ على قناة اتصال مفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران، حيث تسعى الأطراف إلى تهدئة التوترات.

دور دبلوماسي حاسم

لعبت عُمان دورا حاسما في دبلوماسية القنوات الخلفية جنبا إلى جنب مع قطر والكويت المجاورتين – وكذلك سويسرا، التي تمثل المصالح الأمريكية في إيران في غياب سفارة أمريكية.

لكن نهج عُمان يختلف عن نهج الدول الأخرى فبدلا من المشاركة في المحادثات المباشرة، فإنها تخلق مساحة للحوار، وتعمل كميسر وليست وسيطا.

وهناك أسباب متعددة تفسر القرار العماني بالعمل كميسر، فعُمان تفتقر إلى تاريخ من العلاقات المتوترة مع إيران على عكس العديد من دول الخليج الأخرى، مثل السعودية والإمارات.

ويتذكر العمانيون أن إيران في عهد الشاه قدمت الدعم لعُمان خلال السبعينيات عندما كان السلطان الجديد الشاب آنذاك، قابوس بن سعيد، يقاتل انتفاضة استمرت عقدا من الزمن في محافظة ظفار الجنوبية.

وحتى بعد الإطاحة بالشاه في الثورة الإيرانية عام 1979 واستبداله بنظام ديني برئاسة آية الله الخميني، تميزت عُمان عن غيرها في المنطقة ورفضت الانخراط في المنافسات الإقليمية والمنافسة على النفوذ الجيوسياسي الذي شوه علاقات إيران مع دول الخليج الأخرى.

وأنشأ المسؤولون العُمانيون، وباعتبارهم دولة صغيرة في منطقة مضطربة، مساحات دبلوماسية تسمح لهم بالتعامل مع القضايا الإقليمية بشروطهم الخاصة وبطرق تتناسب مع نقاط قوتهم.

وكما أشار السيد بدر البوسعيدي، وهو دبلوماسي محترف أصبح وزيراً للخارجية العمانية، في عام 2003، “إننا نحاول الاستفادة من موقعنا الوسيط بين القوى الكبرى لتقليل احتمالات الصراع في جوارنا المباشر”.

وتشارك عُمان بشكل أقل في الوساطة وأكثر في التيسير على عكس قطر، التي اجتذبت اهتمامًا عالميًا لدورها كوسيط في المفاوضات بين حماس وإسرائيل.

وهذا تمييز مهم وقد حافظ عليه العُمانيون فيما يتعلق بالتعامل مع المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين، بالإضافة إلى ممثلي السعودية والحوثيين خلال الحرب الأهلية اليمنية التي استمرت عقدًا من الزمن.

ويتخذ التيسير العُماني أشكالا متنوعة فيمكن أن يكون تمرير الرسائل والحفاظ على قنوات اتصال غير مباشرة بين الخصوم أو ترتيب قنوات خلفية واستضافة اجتماعات سرية.

وهناك القليل من الدعاية في عُمان بالمقارنة مع تلك التي شوهدت في مبادرات الوساطة القطرية، مثل المحادثات مع طالبان التي أسفرت عن اتفاق الدوحة لعام 2020 لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.

لكن النهج الذي تتبناه عُمان يمكن أن يؤدي رغم ذلك إلى نتائج.

قناة خلفية

قد قدم ويليام بيرنز وصفًا تفصيليًا للدور العُماني في تسهيل القناة الخلفية بين الولايات المتحدة وإيران في عام 2013 والتي تطورت إلى مفاوضات أنتجت الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، في مذكراته التي تحمل عنوان “القناة الخلفية”، والتي كتبها بعد تقاعده من وزارة الخارجية وقبل تعيينه مديرًا لوكالة المخابرات المركزية في عهد الرئيس جو بايدن.

بدأت هذه القناة الخلفية بعد أن مرر المسؤولون الإيرانيون رسالة عبر عمان إلى الولايات المتحدة في عام 2012 تقترح عقد اجتماع في مسقط، عاصمة الدولة الخليجية.

وأشار بيرنز إلى أن رئيس المخابرات العمانية “استقبل كلا الوفدين أثناء دخولنا إلى غرفة الاجتماعات” و”قدم بضع كلمات ترحيب مختصرة ثم غادر”.

وظلت القناة الخلفية سرية طوال ثماني جولات من الحوار البناء بشكل عام، والتي كانت بمثابة أطول وأطول مشاركة بين المسؤولين الإيرانيين والأمريكيين منذ عام 1979.

وبالرغم من أن ذوبان الجليد بين الولايات المتحدة وإيران لم يدم، فقد سلطت القناة الخلفية العمانية الضوء على عوامل أساسية عدة باتت مطلوبة لنجاح أي محاولة لتخفيف التوترات بين الخصوم الذين يبدو أنهم عنيدين.

كانت ثقة الجانبين في المسؤولين العمانيين حاسمة، وقد أدت النتائج الإيجابية للاجتماعات إلى بناء الثقة في استخدام كل جانب للقنوات العمانية، وقد اكتسب دور عمان كميسر للمشاركة غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران أهمية إضافية مع قرار الرئيس دونالد ترامب بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018 وفشل إدارة بايدن في العودة إلى الاتفاق.

ويبدو أن المرة الوحيدة التي لم تكن فيها عمان مستعدة للقيام بهذا الدور – عندما تصاعدت التوترات بعد مقتل الولايات المتحدة للجنرال الإيراني قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني 2020 – كانت بسبب إصابة السلطان قابوس بمرض خطير، وفي غياب عمان، قاد السويسريون القناة الخلفية.

قامت عُمان بتمرير رسائل بين المسؤولين الإيرانيين والأمريكيين خلال التوترات المتصاعدة منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول في إسرائيل.

وفي يناير/كانون الثاني 2024، استضاف المسؤولون العُمانيون وفودًا من كبار المفاوضين من كلا البلدين، وتنقلوا بين الممثلين في غرف منفصلة.

وكانت عُمان حاضرة لمحاولة تخفيف التوترات حتى في الوقت الذي كان يلوح فيه صراع إقليمي أوسع في الشرق الأوسط بعد أن قصفت إسرائيل مجمع السفارة الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان/أبريل.

وقام وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، بزيارة عُمان في السابع من أبريل – مما أتاح الفرصة للمسؤولين العمانيين لاطلاع الولايات المتحدة والمسؤولين الغربيين الآخرين على تفكير إيران بينما كانت طهران تخطط لردها على هجوم دمشق.

وبالرغم من أن الأزمة الحالية في الشرق الأوسط من الحجم الذي لا تستطيع عُمان وحدها معالجته، فإن قدرة الوسطاء الموثوقين مثل مسقط – إلى جانب قطر وسويسرا – على الحفاظ على قنوات الاتصال مفتوحة أمر بالغ الأهمية.

وذلك لتقليل احتمالية أي تصعيد عرضي على الجانب الإيراني، واستكمال الحوار الأمريكي والأوروبي مع القادة الإسرائيليين في السعي لإيجاد حل سلمي للأزمة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.