رأى تحليل لمركز دراسات خليجي أن التزام دول الخليج الحياد إزاء الصراع الإيراني الإسرائيلي يبدو غير مضمون، محذرا من أن الحسابات مدروسة لكن الحرب تأتي فجأة.
وقال مركز البيت الخليجي للدراسات والنشر إنه لم تكن ليلة السبت 13 أبريل/نيسان كسابق الليالي في تاريخ الصراع بين إسرائيل وإيران.
وأضاف المركز “لم تكن ثمة حاجة للوكلاء أو الحلفاء، إيران، ولأول مرة، هي من قامت بالمهمة أصالة عن نفسها في رد هجومي على إسرائيل وصف بالمركب من حيث تعدد أنواع الأسلحة المستعملة فيه وتعدد المهاجمين (إيران وحلفاءها) كذلك”.
فقد فرضت إيران معادلة ردع جديدة باستهداف تل أبيب لأول مرة ومباشرة، وذلك ردًا على قصف إسرائيلي طال القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، نتج عنه اغتيال سبعة أعضاء في الحرس الثوري الإيراني، في مقدمتهم قائد فيلق القدس التابع للحرس في سوريا محمد رضا زاهدي”.
وأظهرت طهران أنها لا تخشى الحرب المباشرة مع إسرائيل بالقدر الذي كان يُروَج له وحسمت سقوط آخر الخطوط الحمر بينها وبين تل أبيب، من خلال استهداف موقعين عسكريين في العمق الإسرائيلي.
كما بدأت إيران بتحذير تل أبيب من الرد على الرد، متوعدةً بحرب مفتوحة لإسرائيل لا رد محدود.
وأوصلت طهران رسالة مفادها أنها لن تتردد في تجاوز الخطوط الحُمر وأنها لن تكون خجولة في حال استهدفت أراضيها أو مصالحها في الداخل والخارج.
أكثر من ردع وأقل من حرب
يشير الرد الإيراني إلى أن طهران لا تريد حرب شاملة، لا مع إسرائيل ولا مع حليفتها الولايات المتحدة. فالرد الإيراني لم يهدف الى إلحاق أذىً أو أضرار جسيمة في الداخل الإسرائيلي بشكل يستدعي المزيد من الصدام.
كان لتل أبيب وواشنطن ما يكفي من الوقت لإسقاط معظم المسيرات والمجنحات والصواريخ الباليستية المستخدمة في الهجوم.
وهو ما يعني العودة إلى قواعد الاشتباك، فقد خرق القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية القواعد فجرى الرد عليه في استعراض قوة في سماء المنطقة أفضى إلى توتر وترقب.
في المقابل، تقول إسرائيل إنها كانت على علم بالهجوم الإيراني، كما أكدت إيران أنها أطلعت جيرانها قبل دخول الرد حيز التنفيذ بأيام.
وقد يكون سلوك طهران التزامًا بقواعد الاشتباك وليس بالضرورة “تخابرًا” مع إسرائيل أو جزءًا من المشاركة في “مسرحية” كما يعتقد خصوم طهران والمشككون فيها.
يمكن القول إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نجح في جعل طهران أقرب إلى حرب إقليمية أكثر من أي وقت مضى.
وبالتالي، نجح نتنياهو في إخضاع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الموشك على انتخابات، لتقديم المزيد من الدعم لنتنياهو لمنعهِ من فتح حرب إقليمية.
داخليًا، عزز الرد الإيراني من النشوة والروح القومية المتوثبة لدى الإيرانيين. يتمتع الإيرانيون، لاسيما الفرس منهم، بروح قومية ذات طابع امبراطوري، ساهمت هذه الروح في دعم شعبي واسع لقرار طهران بقصف موقعين إسرائيليين.
مُسيرات طهران وصواريخها المجنحة والباليستية كانت كفيلة بتوحيد الصفوف في الداخل الإيراني، وهو مكسب كبير في الداخل الإيراني.
خارطة القوة والتحالفات
عسكريًا، ووفق أنباء غير رسمية، أطلقت إيران ثلاثة أنواع مختلفة من الأسلحة، مسيرات وصواريخ كروز وصواريخ باليستية، عرف كل العالم بدء الهجوم قبل ساعات من وصول أول قذيفة لهدفها.
استنفرت إسرائيل جميع رادارات ومنظومات الدفاع الجوي، وأطلقت صواريخ الدفاع الجوي بأنواعها المختلفة لصد الهجوم.
وبقيت هذه المنظومات والطائرات والرادارات مستنفرة لمدة زادت عن 6 ساعات، وهي فترة كافية لتحديد الكثير من البيانات.
ورغم أن الصواريخ الإيرانية لم تحقق إصابات كبيرة (بغض النظر عن تأكيد إيران نجاح العملية وتأكيد إسرائيل نجاح الاعتراض)، إلا أن العملية قدمت للإيرانيين معلومات استخباراتية حول مرابض صواريخ الدفاع الجوي الإسرائيلية بأنواعها.
ومن جهة أخرى، حرك الإعلان عن العملية قبل تنفيذها بساعات، جميع القواعد الأمريكية والغربية التي كانت جاهزة لرد الهجوم، وسمحت العملية لإيران أن تعرف أكثر عن موقف المنطقة في حال نشوب حرب.
كما تأكد لإيران أن الأردن سيُستخدم كقاعدة متقدمة للولايات المتحدة وأن مناطق سيطرة الوحدات الكردية شرق سوريا والقواعد العاملة هناك ستكون في مواجهة إيران.
الموقف الخليجي التزم الحياد، ولم يسمح باستخدام القواعد الجوية الغربية في وقف الهجوم، ولم تخترق إيران المجال الجوي الخليجي.
وتمثلت أهداف طهران من الهجوم في الحفاظ على هيبتها وتعزيز صورتها كقوة إقليمية والتصعيد دون توسيع دائرة الحرب لفتح الطريق لتفاهمات سياسية لاحقة.
يؤكد الخبراء العسكريون إنها كانت ضربة “محدودة الأثر” من حيث الأضرار، وتقول إيران في تبريرها إنها رد على العدوان الإسرائيلي على قنصليتها في دمشق، وإنها تمارس حقها المشروع في الدفاع عن النفس.
بيد أن الهجوم العسكري الإيراني على إسرائيل ينظر إليه في إيران باعتباره خروجًا على ما وصف بقاعدة الصبر الاستراتيجي في المواجهة مع إسرائيل.
دول الخليج: حياد غير مضمون
أيًا ما ستؤول إليه مكنة الصراع بن طهران وتل أبيب، سواءً بانطفاء شرارتها أو بتدشينها فصلًا جديدًا أكثر اتساعًا في جغرافيته وأشد تدميرًا في أسلحته، ستبقى آثار المواجهة الإيرانية الإسرائيلية ومفاعيلها لوقت طويل، وستفرض على الجميع تعاطيًا جديدًا مع الملف الأمني في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما في مصر والأردن وسوريا، فضلاً عن منطقة الخليج.
مع دخول إيران وإسرائيل مواجهة مباشرة، يزداد الاهتمام بموقف السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، فيما يتعلق بالموقف من هذه الأزمة وكيف سيتصرفون إذا تصاعدت.
ولم تنجح طهران في بناء الثقة في مجلس التعاون الخليجي، ورغم الموقف الخليجي المندد بإسرائيل، لا يمكن لطهران أن تتوقع من غالبية دول المجلس التردد في سعيها نحو المزيد من الاندماج في تحالف دفاعي بقيادة الولايات المتحدة ضد إيران.
ويمكن ملاحظة أن زيادة مؤشرات الحرب في المنطقة جعلت طهران تعي خطورة القواعد الأمريكية في الخليج، كما أن تعويل إيران على العراق كحليف مضمون لم يكن يلتفت لحقيقة أن كون الأرض العراقية إيرانية، عبر الحلفاء الموالين لطهران، لا يمنحها أفضلية مطلقة إذ أن السماء العراقية تبقى حكرًا للولايات المتحدة.
لم تفتح دول الخليج أجواءها للطائرات الأمريكية لاعتراض الهجوم الإيراني، وتجنبت إيران إقحام دول الخليج في الأزمة وحافظت على اتفاقها مع السعودية في بكين.
لكن هذا لا يعني بالضرورة اصطفاف الخليج مع إيران ولا يعد كافيًا لطمأنة طهران من جانب دول الخليج، لاسيما الدول المطبعة مع إسرائيل؛ الإمارات والبحرين.
من المتوقع أن تحاول طهران احتواء دول الخليج أكثر من ذي قبل لتحافظ على “الحياد” الخليجي، ولا يبدو أنها ستضع المباني الدبلوماسية الإسرائيلية في أبوظبي والمنامة على قائمة أهدافها.
كشف الرد الإيراني على هشاشة المنطقة الأمنية وأن الاستقرار أشبه بزجاجة قابلة للكسر في أي لحظة. إن حدوث مواجهة شاملة مع إيران يقتضي توسع ساحة أرض المعركة لتشمل غالبية الدول في المنطقة. يحدث ذلك في ظل غياب لأي استراتيجية عربية مشتركة، دفاعية أو هجومية.
الحرب ليست خياراً محببًا لأحد الشعوب، لكن ذلك لا يمنع من أن دخولها قد يكون الخيار الوحيد في بعض الأحايين. للحروب ديناميكية تجر إليها جرًا.
بالنتيجة؛ فإن المواجهة الإيرانية الإسرائيلية التي وقعت، أو تلك التي ستقع، تحتم على الجميع النظر بجدية أكبر لما يحدث.
السيناريوهات المفتوحة
لم يعد الاشتباك الإيراني الإسرائيلي جيوبوليتيكيا، هو اليوم صراع مباشر تبدو مآلاته أكثر قابلية للاتساع. هل ستحترم إسرائيل “توصيات” الولايات المتحدة؟ هل سترد على الرد الإيراني على نحو يتخطى حدود “المقبول” لتستعيد زمام المبادرة؟ هل سترد إيران على الرد؟ يصعب الجزم بكل ذلك.
فبين اليمين المتطرف المُحيط بنتنياهو الراغب في توسيع نطاق الحرب، وبين نتنياهو نفسه الذي يرى أن هناك فرصة سانحة لإضعاف إيران وحزب الله، وبين ضغط واشنطن لكبح جماح إسرائيل، وبين طهران وحلفائها الملزمين بدعم حماس وتجنب الانحناء أمام العاصفة دون مجازفة، ثمة ما يمكن أن يخرج عن نطاق الحسابات والردود المدروسة. فجأة، يمكن أن تفقد واشنطن القدرة على ضبط جغرافيا التوتر وحدته وتداعياته.
ومن المستبعد أن تقبل إسرائيل بمعادلة ردع تضعها إيران ومن الواضح أن طهران تأخذ التوعد الإسرائيلي على محمل الجد.
من الوارد أن تخطط إسرائيل لرد بعيد المدى – في الداخل الإيراني أو خارجه – أو أن تعود لسياسة الاغتيالات في العمق الإيراني لشخصيات عسكرية وسياسية ونووية بارزة. أيًا تكن خيارات إسرائيل، فهي لن تكون خيارات خالية من التكاليف، والعكس صحيح.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=66968