في أوائل يناير/كانون الثاني، ومع استمرار الهجمات الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر، وجدت إدارة الرئيس جوزيف بايدن نفسها أمام لائحة من خمسة خيارات فضفاضة وغير مستساغة إلى حد كبير في اليمن، تتراوح بين الوضع الراهن المتمثل في الدفاع فقط، وصولاً إلى الضربات العسكرية المباشرة ضد إيران.
وفي نهاية المطاف، استقرت إدارة بايدن على نهج “الردع وتقليص القدرات“، الذي لم يسفر، على الأقل، عن وقف هجمات الحوثيين حتى الآن بحسب تحليل نشره معهد دول الخليج العربية في واشنطن.
وقال المعهد إن هذا النهج الأمريكي لم يحظ بالنجاح حتى الآن، فمن المرجح أن يكون أقل الخيارات المتاحة سوءًا. ومن الممكن أن يثبت قابليته للتكيف، وإمكانية تعديله ليصبح استراتيجية رابحة.
خمس خيارات
يتمثل الخيار الأول في “الدفاع فقط”، وهو الخيار الذي كانت تسعى إليه الولايات المتحدة لعدة شهور. تستمر الولايات المتحدة، في هذا السيناريو، بالقيام بما كانت تفعله لأسابيع: تقوم السفن الحربية الأمريكية كجزء من عملية تحالف حارس الازدهار بتسيير دوريات في البحر الأحمر وخليج عدن لإسقاط أي صواريخ أو طائرات مسيرة يطلقها الحوثيون.
بطبيعة الحال، كانت المشكلة الرئيسية في نهج “الدفاع فقط” هي أنه ببساطة لم ينجح. فكانت الولايات المتحدة تقوم بإسقاط الصواريخ والطائرات المسيرة التي يطلقها الحوثيون، ولكن هجمات الحوثيين لم تتوقف، وأصبحت شركات الشحن تتجنب البحر الأحمر بشكل متزايد.
في الثالث من يناير/كانون الثاني، حاولت الولايات المتحدة، إلى جانب عدة دول أخرى، للمرة الأخيرة، إصدار ما وصفه مسؤولو الإدارة بـ “التحذير الأخير” للحوثيين بوقف هجماتهم.
وفي غضون ساعات رد الحوثيون بإطلاق قارب مُسيّر على القوات الأمريكية في البحر الأحمر. لقد كانت رسالة واضحة: إذا لم تفعل الولايات المتحدة شيئًا في البحر الأحمر سوى لعب دور المدافع، فإن هجمات الحوثيين سوف تستمر.
الخيار الثاني، وهو ما سعت الولايات المتحدة لاتباعه في نهاية المطاف، ويتمثل في الضربات العسكرية المحدودة، أو ما عرف بنهج “الردع وتقليص القدرات”.
وفقًا لهذا السيناريو، تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بتنفيذ ضربات ضد أهداف الحوثيين في اليمن، لكن هذه الضربات ستقتصر على البنية التحتية لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة ومستودعات الذخيرة لدى الحوثيين.
لن تقوم الولايات المتحدة بضرب جميع أهداف الحوثيين، ولن تستهدف قادة الحوثيين. وكانت الفكرة، وما تزال من نواحٍ عديدة، تتمثل في قيام الولايات المتحدة بتقليص قدرات الحوثيين كي لا يكون بوسعهم تهديد حركة الملاحة التجارية في البحر الأحمر.
وقد كانت الولايات المتحدة تراهن على أنها يمكن أن تلحق بالحوثيين ما يكفي من الأذى، بحيث تضطر الجماعة لوقف هجماتها.
وتكمن مشكلة هذا النهج في أن نجاحه أمر مستبعد، على الأقل في صيغته الحالية. لا يمكن ردع الحوثيين، وسيكون من الصعب للغاية تقليص قدراتهم لدرجة يفقدون فيها الإرادة أو القدرة على مهاجمة السفن في البحر الأحمر.
أما الخيار الثالث الذي نظرت فيه الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني فكان يتمثل في توجيه ضربات عسكرية موسعة، أو نهج “الردع وتقليص القدرات والتدمير”.
في هذا السيناريو، تقوم الولايات المتحدة بدك الحوثيين في اليمن، وملاحقة مجموعة واسعة من الأهداف العسكرية، بما في ذلك قيادة الحوثيين في اليمن.
ومع ذلك، فإن من شأن هذا النهج أن يحد من خيارات الولايات المتحدة المستقبلية والتزامها بصراع مفتوح مع الحوثيين. ومن خلال اختيار حزمة من الضربات أكثر محدودية، يمكن للولايات المتحدة، من باب الاحتياط، الإبقاء على هذا الخيار الأكثر اتساعًا في حالة إخفاق نهجها الأولي.
ومن شأن حزمة الضربات الأكثر اتساعًا أن تنطوي أيضًا على خطر إشعال نوع أوسع من الحرب الإقليمية بين الولايات المتحدة وإيران – بسبب احتمال وقوع ضحايا إيرانيين في اليمن – وهو ما أرادت إدارة بايدن أن تتحاشاه.
أما الخيار الرابع فهو ما يمكن أن نطلق عليه نهج “الهزيمة”. في هذا السيناريو، الذي أوصى به العديد من المحللين، تعترف الولايات المتحدة بأن الحوثيين يشكلون تهديدًا دائمًا لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
ونتيجة لذلك، لن تكتفي الولايات المتحدة بتوجيه الضربات العسكرية فقط للحوثيين، بل ستعمل بشكل فعال على هزيمة هذه الجماعة، وبالدرجة الأولى من خلال دعم التحالف المناهض للحوثيين في الحرب الأهلية في اليمن.
ومع ذلك، فإن هذا النهج لا يخلو من المشاكل: أولاً، التحالف المناهض للحوثيين لا يقتصر على فصيل واحد. فالفصائل المناهضة للحوثيين منقسمة على نفسها، وتاريخها حافل بقتال بعضها بعضًا.
ثانيًا، تقريبًا لا يوجد شخص في التحالف المناهض للحوثيين، والذي قد تتعاون معه الولايات المتحدة إلا ويداه ملطختان بالدماء خلال سنوات من القتال في اليمن، وسوف يثير مخاوف جدية بشأن حقوق الإنسان باعتباره شريكًا للولايات المتحدة.
ثالثًا، ولعلها العلة الكبرى، فإن هذا النهج من شأنه أن يلزم الولايات المتحدة بحرب عصابات دموية وطويلة الأمد في اليمن دون نجاح مضمون. وستصبح الولايات المتحدة طرفًا في الحرب الأهلية اليمنية.
وأما الخيار الخامس الذي كان لدى الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني فقد تمثل في ضرب إيران مباشرة.
وفي هذا السيناريو، تنتهي الولايات المتحدة أن إيران هي التي تدعم وتُمكّن الحوثيين، وأن التعامل مع مشكلة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر يتطلب التعامل مع مصدر المشكلة، وهي إيران.
والمشكلة في هذا النهج هي أن الولايات المتحدة لا تجازف فقط بحرب إقليمية أوسع نطاقًا مع إيران ووكلائها، وإنما ستشعل فتيل صراع من هذا النوع.
تعديل الخيار الثاني
لم يكن أي من هذه الخيارات مغريًا بشكل خاص، وكان معظمها يحمل مخاطر كبيرة للتصعيد. وفي نهاية المطاف اتخذت إدارة بايدن القرار بشأن الخيار الثاني المتمثل في الضربات العسكرية المحدودة.
ولم يكن هذا القرار ناجمًا عن الشعور بأنه سيحقق النتائج المرجوة – المتمثلة في وقف الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر – وإنما لأنه يتناسب مع ثلاثة معايير رئيسية.
أولها أنه يسمح للولايات المتحدة بالتصرف. والثاني أنه يوفر مجموعة من الخيارات للمستقبل. والثالث، وربما الأكثر أهمية، كان هذا الخيار هو الأقل سوءًا من بين جميع الخيارات المطروحة على الطاولة.
بعد ما يقارب الشهرين من الضربات العسكرية، أصبح واضحًا أن نهج الردع وتقليص القدرات لا يجدي نفعًا، على الأقل حتى الآن. وهذا يعني أن الولايات المتحدة بحاجة لتعديل نهجها لإجبار الحوثيين على وقف الهجمات في البحر الأحمر.
وسوف تتضمن عملية تعديل النهج ثلاثة أمور أساسية: مواصلة الأعمال العسكرية، ومنع وصول شحنات الأسلحة الإيرانية، ومحاسبة إيران على أفعالها.
أولاً، ستكون الولايات المتحدة بحاجة للاستمرار في الضربات العسكرية المحدودة، التي دأبت على تنفيذها منذ يناير/كانون الثاني، ضد الأهداف الحوثية في اليمن.
وليس من المرجح لهذه الضربات بمفردها أن توقف هجمات الحوثيين، ولكن بالتنسيق مع الإجراءات المذكورة أدناه، فإنها ستحظى بفرصة أفضل لتحقيق النتيجة المرجوة.
ثانيًا، سوف تحتاج الولايات المتحدة إلى منع وصول شحنات الأسلحة الإيرانية إلى اليمن. إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من القيام بذلك، فلا فائدة من تقليص قدرات الحوثيين، لأن الجماعة سوف تتمكن من التجديد واستعادة الإمدادات.
لكن القول ليس كالفعل، ووقف شحنات الأسلحة أصعب بكثير من الحديث عنها. تقوم إيران بشحن الأسلحة إلى اليمن منذ ما يقارب العقد من الزمن، يأتي بعضها إلى اليمن عن طريق البحر، ويصل البعض الآخر عبر الحدود البرية، ثم يتم تهريبه عبر الأراضي اليمنية إلى مناطق الحوثيين.
وستحتاج الولايات المتحدة إلى مساعدة القوات البحرية الحليفة، وخاصة الأوروبية، بالإضافة إلى دول المنطقة، مثل سلطنة عمان، للحد من تدفق الأسلحة بشكل كبير.
وأخيرًا، وفي المقام الأول من الأهمية، يجب أن تتوفر الإرادة لدى الولايات المتحدة للإبقاء على الأهداف الإيرانية تحت الخطر.
فعلى سبيل المثال، في أوائل فبراير/شباط، شنت الولايات المتحدة هجومًا سيبرانيًا على السفينة الإيرانية بهشاد، التي يعتقد على نطاق واسع أنها تساعد الحوثيين، وتوفر لهم معلومات استخباراتية حول الأهداف [المحتملة]. تراجعت بهشاد نحو جيبوتي بعد الهجوم السيبراني، ولبضعة أيام، شهد البحر الأحمر انخفاضًا في هجمات الحوثيين.
تعد إيران الدولة الوحيدة التي لديها نفوذ وتأثير كبيران على الحوثيين، والطريقة الوحيدة لوقف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر هي أن يتم الإثبات لإيران بأنها ستدفع ثمن مساعدتها ومساندتها للحوثيين.
وبالفعل، أدت تحركات الولايات المتحدة ضد وكلاء إيران في العراق وسوريا إلى كبح جماح الجماعات التابعة لإيران.
وينبغي على الولايات المتحدة أن تبتكر الوسائل، فينبغي ألا يقتصر ردها على الأعمال العسكرية، أو حتى الهجمات المباشرة على الأراضي الإيرانية، لكنها تحتاج إلى توسيع نطاق ردودها في الضغط على إيران التي تقوم بتمكين الحوثيين.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=66794