قراءة في عودة خلاف الإمارات وإيران على الجزر الثلاث

منذ نيل الإمارات العربية المتحدة استقلالها عام 1971، استولت إيران بالقوة على الجزر الثلاث الواقعة في مياه الخليج بين الدولتين.

وأكبر هذه الجزر هي جزيرة أبو موسى، التي تبلغ مساحتها 20 كيلومترًا مربعًا، بينما كانت تتبع هذه الجزيرة لإمارة الشارقة قبل الاستيلاء عليها من قبل إيران.

ثم تليها في المساحة جزيرة طنب الكبرى، التي تبلغ مساحتها 9 كيلومترات مربعة. أما الجزيرة الثالثة فهي طنب الصغرى، التي تبلغ مساحتها كيلومترين مربعين فقط. مع الإشارة إلى أن جزيرتي طنب الكبرى والصغرى كانتا تتبعان لإمارة رأس الخيمة، قبل السيطرة عليهما من قبل إيران.

ومنذ ذلك الوقت، واظبت إيران على تشييد المشاريع السياحية والعسكرية لتغيير هوية الجزر الثلاث وإلحاقها بسيادتها، في حين استمرت الإمارات بالتحفظ على هذه المشاريع، باعتبارها جزرًا “محتلة”.

كما قامت إيران بإصدار سندات ملكية رسمية خاصة بالجزر، لإلحاقها إداريًا بسجل التنظيم العقاري الإيراني، وأنشأت مطارًا في جزيرة طنب الكبرى لتسهيل استثمارات الإيرانيين السياحية هناك.

وبهذا الشكل، وبعد كل أنشطة التوطين هذه، باتت إيران تعتبر أن ملكيتها للجزر الثلاث “غير خاضعة للنقاش أبدًا”، كما يردد المسؤولون الإيرانيون.

ولفهم سبب اهتمام الطرفين بهذه الجزر الصغيرة، تكفي الإشارة إلى أنها تشرف على مضيق هرمز، الذي يمر عبره 40% من إنتاج النفط العالمي.

وبحسب مؤسسة فنك الأوروبية تكشف هذه الجزر جميع ممرات الملاحة التجارية الأساسية داخل الخليج نفسه، ما يسمح للطرف الذي يتحكم بها السيطرة على حركة المرور المائية في الخليج.

وأخيرًا، تمتاز هذه الجزر بعمق المياه المحيطة بها، ما يسمح باستخدامها لاستقبال السفن العسكرية الكبيرة والغواصات.

وبعد أكثر من خمسة عقود من احتلالها من قبل إيران، تجدد النزاع بين الطرفين حول ملكية هذه الجزر في تموز/يوليو 2023.

فإثر انعقاد المؤتمر الوزاري السادس للحوار الاستراتيجي بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي، أصرت الإمارات العربية المتحدة على إدراج فقرة في البيان الختامي للمؤتمر، تنص فيه على دعم مساعي الإمارات “للتوصل إلى حل سلمي لقضية الجزر الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.

وذلك من خلال المفاوضات الثنائية أو محكمة العدل الدولية، وفقا لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لحل هذه القضية وفقًا للشرعية الدولية”.

أثارت الخطوة حفيظة إيران، خصوصًا أن الدول الخليجية تكاتفت لتنتزع هذا الموقف المؤيد للإمارات من روسيا، التي راهنت إيران سابقًا على دعمها في القضايا الإقليمية.

وسرعان ما ردت وزارة الخارجية ببيان حاد شدد على أن “هذه الجزر تابعة لإيران للأبد”، كما حذرت من ضرر هذا النوع من البيانات على “العلاقات الودية بين إيران وجيرانها”.

كما بدأت الخارجية الإيرانية بتوجيه الرسائل الأمنية لدول الخليج العربية، عبر الإشارة إلى أن توفير الأمن البحري في منطقة الخليج وبحر عمان يجب أن يكون في إطار “التعاون بين دول الجوار”، بالنظر إلى امتلاك الدول الإقليمية “القدرة على توفير الأمن والسلامة دون تدخل الدول الأجنبية”.

وفي إشارة لافتة لسطوة إيران في منطقة الخليج، ذكرت وزارة الخارجية بدور الحرس الثوري “التاريخي، والذي لا يمكن تجاهله”.

في النتيجة، شوشت السجالات المرتبطة بالجزر الثلاث وحقل الدرة للغاز على الأجواء الإيجابية، التي رافقت مصالحات إيران مع دول الخليج العربية.

وبات هناك أسئلة جدية حول مستقبل هذه المصالحات، إذا ما استمرت المناوشات قائمةً حول الخلافات التاريخية بين إيران من جهة، والدول الخليجية العربية من جهة أخرى.

لكن في المقابل، ثمة من يعتبر أن الدول الخليجية العربية تعمدت طرح المسائل الخلافية مع إيران خلال الأشهر الماضية، بهدف دفع إيران لتقديم تنازلات في هذه الملفات، مقابل استكمال المصالحات والتسويات الإقليمية معها.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.