أعلن مطار صنعاء الدولي استئناف عملياته اعتبارًا من يوم الأربعاء، بعد أن تسببت غارة جوية إسرائيلية الأسبوع الماضي في تعطيله بشكل مؤقت، في تصعيد غير مسبوق للصراع الإقليمي بين جماعة الحوثيين المدعومة من إيران وإسرائيل.
وقال مدير عام مطار صنعاء، خالد الشايف، في تصريح صحفي، إن أعمال تأهيل مدرج المطار قد اكتملت وأصبح جاهزًا لاستقبال الرحلات بدءًا من 15 مايو، رغم الأضرار الجسيمة التي خلفتها الضربة الجوية الإسرائيلية في السادس من الشهر الجاري.
وأوضح الشايف أن القصف الإسرائيلي ألحق أضرارًا مادية قُدّرت بنحو 500 مليون دولار، شملت تدمير مباني المسافرين ومنشآت حيوية، بالإضافة إلى خسارة ثلاث طائرات تابعة للخطوط الجوية اليمنية، لترتفع حصيلة الطائرات المدمرة إلى ست طائرات.
ورغم ذلك، أكد أن المطار سيتمكن من استئناف نشاطه تدريجيًا، مع التركيز في المرحلة الأولى على الرحلات الإنسانية والعلاجية.
وكان مطار صنعاء قد أعيد فتحه للرحلات الدولية في عام 2022 بعد توقف دام ست سنوات بسبب الحرب الأهلية والحصار الجوي. ومنذ ذلك الحين، اقتصر نشاط المطار على عدد محدود من الرحلات إلى العاصمة الأردنية عمّان، لخدمة الحالات الطبية والإنسانية.
التصعيد الحوثي ضد إسرائيل
جاءت الضربة الإسرائيلية ردًا على إطلاق جماعة الحوثي صاروخًا بعيد المدى باتجاه مطار بن غوريون قرب تل أبيب في 6 مايو الجاري.
ورغم أن الصاروخ لم يصب هدفه بدقة، إلا أن التصعيد مثّل أول استهداف حوثي مباشر للأراضي الإسرائيلية منذ بدء الحرب في غزة في أكتوبر 2024.
واعتبرت تل أبيب أن مهاجمة مطارها الدولي يُعد “تجاوزًا للخطوط الحمراء”، في ظل استمرار التوترات بين إسرائيل والمحور الإيراني، الذي يشمل الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان وفصائل أخرى في العراق وسوريا.
استمرار الهجمات واعتراض صاروخ جديد
في تطور لاحق، أعلن الجيش الإسرائيلي مساء الثلاثاء اعتراض صاروخ جديد أطلقه الحوثيون من اليمن باتجاه الأراضي الإسرائيلية. وأفاد بيان للجيش بأن “منظومة الدفاع الجوي تمكنت من تدمير الصاروخ قبل وصوله إلى هدفه”، وذلك بعد تفعيل صفارات الإنذار في مناطق متفرقة من البلاد.
وأعلنت جماعة الحوثي مسؤوليتها عن الهجوم، مؤكدة في بيان لها أن العملية تأتي ضمن “ردها المستمر على العدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة”.
ويؤكد الحوثيون مرارًا أن عملياتهم ضد إسرائيل ستستمر “مهما كانت التفاهمات مع أطراف إقليمية ودولية”، في إشارة إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة عمانية بشأن الملاحة في البحر الأحمر.
تهديدات إسرائيلية وتلويح برد أقوى
في المقابل، توعّد وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، بالرد على أي هجمات حوثية تستهدف بلاده، مشيرًا إلى أن تل أبيب “لن تسمح بفتح جبهة جديدة من اليمن”. وقال كاتس: “نعتبر أي إطلاق صاروخي من اليمن بمثابة عمل حربي تتحمل الجماعة وداعموها في طهران تبعاته”.
وفي خطوة لافتة، أصدر الجيش الإسرائيلي تعليمات بإخلاء الموانئ اليمنية الثلاثة الرئيسية الواقعة تحت سيطرة الحوثيين: رأس عيسى، الحديدة، والصليف. وبرر الجيش هذه الخطوة بأنها “إجراء احترازي لحماية المدنيين اليمنيين من تداعيات أي رد عسكري قادم”.
اتفاق الهدنة لا يشمل إسرائيل
يأتي هذا التصعيد في وقت أعلنت فيه الولايات المتحدة عن إنهاء حملتها الجوية ضد الحوثيين، والتي تصاعدت منذ منتصف مارس الماضي كرد على استهداف الحوثيين للسفن في البحر الأحمر. وأثمرت جهود الوساطة العمانية عن التوصل إلى اتفاق هش لوقف إطلاق النار يضمن حرية الملاحة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر.
غير أن هذا الاتفاق لم يتطرق إلى العمليات ضد إسرائيل، حيث أعلن الحوثيون بوضوح أن “موقفهم العدائي تجاه الاحتلال الإسرائيلي” سيبقى خارج إطار أي تفاهمات مع الأطراف الأخرى، وهو ما يفتح الباب أمام استمرار التوتر بين الطرفين.
ورغم إعلان الحوثيين عن تعرض مناطقهم الساحلية لغارات إسرائيلية جديدة، شملت تحذيرات من الاقتراب من منشآت في رأس عيسى والحديدة والصليف، لم يصدر عن الحكومة الإسرائيلية أي تعليق رسمي بهذا الشأن حتى مساء الثلاثاء.
واكتفى الجيش الإسرائيلي بالتأكيد على “حق إسرائيل في الدفاع عن مواطنيها ضد التهديدات الصاروخية”، دون الاعتراف صراحة بتنفيذ ضربات جديدة داخل الأراضي اليمنية.
أبعاد إقليمية للصراع
يرى محللون أن التصعيد الأخير بين الحوثيين وإسرائيل يعكس تصاعد التوتر في المنطقة على خلفية الحرب في غزة، ومحاولة أطراف محور المقاومة استنزاف إسرائيل من جبهات متعددة.
في المقابل، تحاول تل أبيب تقويض قدرة الحوثيين على تهديد عمقها الاستراتيجي عبر ضربات مركزة للبنى التحتية العسكرية، لكنها تصطدم بتعقيدات الواقع اليمني وتداخل الأجندات الإقليمية.
واستهداف مطار صنعاء لم يكن حدثًا عسكريًا فحسب، بل حمل رسائل سياسية واضحة، إذ يمثل المطار أحد رموز سيطرة الحوثيين على شمال اليمن، ومتنفسًا وحيدًا للسكان المدنيين في ظل الحصار. وبينما تسعى الجماعة إلى تصوير الهجوم كاعتداء مباشر على السيادة اليمنية، تروج إسرائيل له كضربة دفاعية ضد التهديدات الصاروخية المتنامية.
واستئناف مطار صنعاء لعملياته بعد أقل من عشرة أيام على القصف الإسرائيلي يعكس حجم التحديات التي تواجه اليمنيين في ظل النزاعات الإقليمية المتشابكة. وبينما تسعى الوساطات الدولية إلى ضبط إيقاع التصعيد في البحر الأحمر، يبقى الصراع بين الحوثيين وإسرائيل مرشحًا لمزيد من التعقيد، في ظل استمرار الالتباس حول حدود الردع وأولويات الأطراف المتحاربة.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=71587