محمد بن سلمان في واشنطن: سعي لحلف دفاعي على غرار قطر يثير جدلاً استراتيجياً

يتّجه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة في زيارة رسمية يُنتظر أن تبحث ملفات أمنية ودفاعية حساسة، في مقدمتها السعي لإبرام اتفاقية دفاعية تشبه تلك الممنوحة لقطر أخيراً.

وتأتي زيارة ولي العهد التي ستجمعه بالرئيس الأميركي دونالد ترمب، في لحظة تحوّلات إقليمية متسارعة أعادت ملفات الأمن والتحالفات إلى قمة الأولويات الخليجية والأميركية على حدّ سواء.

وتطمح الرياض إلى ترسيخ شراكة أمنية أعمق مع واشنطن تتجاوز التعاون التقليدي، وتبلور التزاماً أميركياً واضحاً بالدفاع عن المملكة في حال تعرضها لتهديد خارجي.

ويرتبط الطلب السعودي أيضاً بسعي لفتح نافذة للتعاون الاستخباري والميداني المكثف في ظل اضطرابات إقليمية مستمرة خلال العامين الأخيرين، وهي عوامل دفعت دول الخليج لإعادة حسابات أمنها القومي.

وخلفية هذه المساعي مرتبطة بتحولات لاحظتها الإدارة الأميركية نفسها في علاقاتها مع الخليج. فالاتجاه إلى تكثيف الشراكات مع دول إقليمية حليفة ينسجم مع رغبة البيت الأبيض في تأمين مصالح استراتيجية واقتصادية، لا سيما في سياق الاعتماد المتبادل على إنفاق عسكري واستثمارات ضخمة.

كما أن علاقات شخصية راسخة بين ترمب وملوك الخليج عامل مهم؛ فقد كانت أولى زيارات ترمب الرئاسية في ولايتيه إلى السعودية، وما تزال روابط المصالح بين الطرفين قوية.

لكن الطموح السعودي لا يخلو من عقبات وجدل. فالاتفاق الدفاعي الذي منحت واشنطن بموجبه قطر التزاماً أمنياً واسع النطاق أثار تساؤلات لدى بعض العواصم الإقليمية وحذر لدى شركاء أميركيين تقليديين، لأن منح مثل هذا الضمان قد يغيّر ديناميكيات الردع في المنطقة.

وبالنسبة لإسرائيل وشركاء آخرين، قد يحمل أي تزايد في الحضور العسكري الأميركي في قواعد إقليمية انعكاسات على موازين القوى والتفويضات العملياتية.

وتُضاف إلى ذلك حساسية حقوقية وسياسية ترتبط بصورة ولي العهد دولياً، لا سيما إثر ملف مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018 الذي أدانته أوساط واسعة وألقى بظلاله على العلاقات السعودية الغربية لسنوات.

وزيارة 2018 كانت علامة فاصلة؛ إذ حظي الأمير حينها باستقبال حافل وزيارات لعدد من الولايات الأميركية ولقاءات مع شخصيات في السياسة والاقتصاد. لكن حادثة خاشقجي أعادت تسليط الضوء على ملف حقوق الإنسان وأثارت انتقادات ترافق أي تطبيع دبلوماسي عميق مع الرياض.

وترتبط أبعاد أخرى للزيارة بسياق السلام الإقليمي وإمكانية توسيع اتفاقات التطبيع المعروفة باتفاقيات إبراهيم. على الرغم من أن جهوداً جرت في الكواليس لإشراك المملكة في مسارات تطبيع مع إسرائيل، فإن الأحداث الدامية في غزة عام 2023 وما أعقبها من تداعيات قضت على زخم محتمل، ما يجعل أي خطوة سعودية تجاه تطبيع واسع أمراً معقداً سياسياً وإقليمياً.

لذلك يبدو أن ملف الأمن والدفاع قد يحظى بأولوية نسبية في المحادثات الأميركية-السعودية مقابل تأجيل بعض الملفات الحساسة الأخرى.

من الناحية الاقتصادية، يحمل اللقاء فرصاً لصفقات ضخمة واستثمارات متبادلة مرتبطة بقطاع الطاقة والتكنولوجيا والدفاع، وهو ما يعدّ عنصراً مغرياً لواشنطن. كما أن شبكة علاقات سياسية وتجارية تربط دوائر أميركية معينة بالسعودية قد تساهم في تسريع اتفاقيات عملية مع طرف أميركي راغب.

في المحصلة، زيارة ولي العهد إلى البيت الأبيض تمثّل امتحاناً جديداً لقدرة واشنطن والرياض على إعادة هندسة تحالف استراتيجي يتناسب مع واقع الشرق الأوسط الراهن.

ونجاح أي اتفاق دفاعي مشابه لقطر سيتطلب توازناً دقيقاً: تلبية مطالب الأمن السعودي مع الحفاظ على استقرار تحالفات أميركا التقليدية، ومعالجة مخاوف حقوقية وسياسية قد تُعرقل المصادقة البرلمانية أو التأييد الدولي. وستتابع العواصم الإقليمية والدولية هذه الزيارة عن كثب، إذ قد تحدد ملامح تحالفات المنطقة للسنوات المقبلة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.