تجري الحكومة السعودية محادثات مع بنوك دولية للحصول على قرض سيادي نادر بحجم يقارب 10 مليارات دولار، في أحدث إشارة إلى تحوّل أوسع في استراتيجية التمويل بالمملكة نحو مزيجٍ أكثر اعتمادًا على الدَّين لتغطية فجوة الميزانية وتمويل التزامات “رؤية 2030” العابرة للقطاعات.
وبحسب وكالة بلومبرغ فإن القرض ما يزال قيد التفاوض، لكنه يأتي ضمن سلسلة تحرّكات متسارعة على جبهة الاقتراض السيادي وشبه السيادي.
وذكرت الوكالة أن هذا التوجّه يتقاطع مع اتساع متوقَّع للعجز هذا العام إلى نحو 245 مليار ريال (نحو 65.3 مليار دولار)، بعد مراجعة سلبية للتوقعات بسبب أسعار النفط الأضعف ووتيرة الإنفاق على المشاريع الكبرى؛ وهو ما أكدته وزارة المالية في بيان الميزانية المُحدَّث أواخر سبتمبر.
وبالتوازي، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو اقتصاد السعودية في 2025 إلى 3.5% مدفوعًا بالقطاعات غير النفطية، لكنه أشار إلى أن تمويل العجز سيعتمد على الاقتراض إلى حدٍّ معتبر.
على خطٍ موازٍ، سرَّع صندوق الاستثمارات العامة (PIF) وتيرة أدوات الدَّين، مُنجزًا أول إصدار مقوّم باليورو ضمن مسار توسعة قاعدة المستثمرين والعملات، بعد إصدارات بالدولار خلال سبتمبر.
وتقرأ الأسواق هذه الإصدارات باعتبارها تنويعًا لمصادر التمويل وتقليلًا للاعتماد على السوق المحلي وحده، مع محاولة تثبيت كلفة تمويل عبر شرائح وفئات مستثمرين أوسع.
لماذا القرض الآن؟
ثلاثة دوافع رئيسية تفسّر التوقيت:
سقف إنفاق مرتفع للحفاظ على زخم المشاريع الكبرى والبنية الأساسية، رغم دورات تراجع النفط. هذا يستلزم تمويلًا جسورًا (bridge) يُخفّض ضغط السحب من الاحتياطيات أو الحاجة لخفض وتيرة الإنفاق سريعًا.
بيئة سوق مضطربة جعلت التسعير في أسواق السندات أقل استقرارًا خلال فترات من 2025؛ اللجوء إلى قرض مصرفي كبير يمنح مرونةً أسرع في الإقفال والهيكلة، ريثما تتحسن نوافذ السندات أو يعود نشاط الاكتتابات.
تباطؤ شهية الاكتتابات المحلية وتأجيل بعض صفقات التخارج التي كان يعوّل عليها صندوق الاستثمارات العامة ضمن برنامج “تدوير رأس المال” (مثل شركات الخدمات اللوجستية والتبريد والقطاع الصحي والتقني)، ما قلّص موردًا مهمًا للسيولة.
الكلفة التمويلية… مقارنةً بالجوار
محلّلو الدخل الثابت يشيرون إلى أن هوامش عوائد السعودية اتّسعت هذا العام مقارنةً بنظرائها الخليجيين مثل أبوظبي وقطر، بل وتفوّقت أحيانًا على بعض الأسواق ذات التصنيف الأدنى (كإندونيسيا)؛ وهي إشارة إلى أن اعتمادًا أكبر على الدَّين في ظل أسعار نفط دون مستويات التعادل المالي يدفع المستثمرين للمطالبة بعلاوة مخاطرة أعلى.
كما أن أداء السوق السعودي كان متقلبًا في 2025 مع فترات ضعف لافتة—بلغ في مايو حدّ الأسوأ عالميًا خلال ذلك الشهر—ما ضغط على تقييمات الطروحات وهيكلة التخارجات. هذه العوامل مجتمعة ترفع الحساسية لأي زيادة إضافية في الاقتراض.
أسواق الأسهم والاكتتابات: حلقة مرتبطة بسلسلة التمويل
تجاوب المستثمرين الأفراد والمؤسسات مع الطروحات الجديدة يبقى متغيرًا حاسمًا. ضعف الأداء اللاحق للإدراجات يضغط على التسعير المسبق ويؤجل قرارات الإدراج، وهو ما دفع PIF إلى إبطاء وتيرة عمليات بيع حصص محلية ريثما تتحسن المعنويات—بعض الملفات مرشّحة للترحيل إلى 2026.
والنتيجة هي تحوّل نسبي نحو الديون لسد فجوة التمويل، مع ما يرافق ذلك من اتساعٍ محتمل في الفوارق السعرية (spreads) إذا استمر “إغلاق نافذة” الاكتتابات على نطاق واسع.
هل يغيّر القرض الصورة الائتمانية؟
بالرغم من ارتفاع الاحتياجات التمويلية، لا تزال مستويات الدَّين إلى الناتج في المملكة ضمن نطاقات مقبولة قياسيًا مقارنة بالأسواق الناشئة، كما أن قوة الكيانات السيادية وشبه السيادية (وزارة المالية، أرامكو، PIF) تمنح مرونة وصولٍ إلى أسواق متعددة العملات.
لكن التحدّي الحقيقي يكمن في وتيرة الإنفاق مقابل مسار النفط: إذا هبطت الأسعار أكثر أو طال ضعفها، قد يلزم إعادة ترتيب أولويات أعمق وتأجيل مشاريع إضافية لتخفيف ضغط الفجوة التمويلية.
وتحاول الرياض هندسة مزيج تمويلي متوازن عبر قرض مصرفي كبير وسندات بعملات مختلفة، مع إبقاء باب الاكتتابات مفتوحًا حين تسمح ظروف السوق. نجاح هذه الاستراتيجية سيتوقف على ثلاثة مفاتيح في الأشهر المقبلة:
انضباط مالي مرحلي (ترتيب أولويات وتأجيل غير الضروريات) يُطمئن حاملي الدَّين.
تحسين نافذة الطروحات عبر تسعير جذاب وقصص نمو واضحة، ما يُعيد تدوير رأس المال داخليًا ويخفّف الاعتماد على الديون.
إدارة نشطة للمخاطر عبر تنويع العملات والمُستثمرين وإطالة آجال الاستحقاق لتفادي ذروة إعادة التمويل.
حتى ذلك الحين، يظل القرض قيد الترتيب أداةً تكتيكية لسد فجوة راهنة، لا بديلاً عن توازنٍ هيكلي بين إيرادات النفط والإنفاق الرأسمالي الطموح الذي يتطلّب—بحكم حجمه—مسارًا تمويليًا محسوبًا بدقة.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72916