بروكسل ــ حذر صندوق النقد الدولي من أن مسار التحسّن المالي للمملكة العربية السعودية مرهون بدرجةٍ كبيرة بتعافي أسعار النفط وزيادة الإنتاج، رغم التقدم المحرز في مشاريع التنويع الاقتصادي الضخمة التي تقودها الرياض ضمن “رؤية 2030”.
وفي مقابلة مع قناة بلومبرغ، قال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، إن “أي زيادة في سعر النفط أو تعافٍ في الإنتاج النفطي لها تأثير فوري”، مشدداً على حساسية الموازنة العامة والميزان الجاري لتقلبات سوق الخام.
وأضاف أزعور أن كل زيادة بمقدار مليون برميل يوميًا تُحسّن الميزان المالي للمملكة بنحو 3.2% من الناتج المحلي الإجمالي، والميزان الجاري بنحو 3.7%.
وتأتي تصريحات الصندوق فيما ترفع السعودية إنتاجها النفطي إلى نحو 10 ملايين برميل يوميًا في سبتمبر بالتنسيق مع أعضاء آخرين في تحالف “أوبك+”، بعد أن كان الإنتاج أقل بقليل من 9 ملايين برميل يوميًا.
ويُرجع صندوق النقد الدولي جزءًا من تحسّن توقعاته للنمو في الاقتصاد السعودي هذا العام إلى زيادة الإنتاج النفطي، إضافة إلى متانة القطاع غير النفطي المحلي، فرفع توقعاته لنمو السعودية في 2025 إلى 4% مقابل تقدير سابق عند 3%.
غير أن مزيداً من الإنتاج ساهم أيضاً في هبوط أسعار النفط: فقد انخفض خام برنت بنحو 18% هذا العام وجرى تداوله عند مستوى يقارب 61 دولارًا للبرميل — أي دون مستوى التعادل المالي الذي تحتاجه المملكة لمعادلة ميزانيتها.
وقدّرت تحليلات اقتصادية أن سعر التعادل المالي للمملكة يقارب 94 دولارًا للبرميل، فيما يرتفع إلى نحو 111 دولارًا عند احتساب الإنفاق المرتبط بصندوق الاستثمارات العامة والميغا بروجيكتس.
وبسبب تراجع الأسعار وزيادة الإنفاق الاستثماري العملاق على مشاريع التحول (ومن بينها مشروع “نيوم” وغيرها من الميغا بروجيكتس)، تتوقع السلطات السعودية عجزًا ماليًا أعمق هذا العام بنحو 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي.
وللتعامل مع الفجوة في التمويل، تعزز المملكة عمليات الاقتراض من أسواق السندات الدولية وتسعى لتأمين قرض مجمع بقيمة 10 مليارات دولار، كما أن الجهات الحكومية وسندات صندوق الاستثمارات العامة شهدت إصدارات دين متزايدة.
ورغم الضغوط، قال أزعور إن مستوى الدين العام في السعودية لا يزال “منخفضاً نسبياً” مقارنة بكثير من الاقتصادات الصاعدة، وأن لدى المملكة احتياطيات قوية يمكنها توفير هامش أمان.
وأضاف أن انخفاض أسعار النفط سيُضعِف تدريجيًا الفوائض المالية والخارجية، لكنه ربط أيضاً مرونة دول الخليج جزئياً بقدرتها على تعويض خسائر الأسعار بزيادة الإنتاج والصادرات.
ويطرح واقع الأسعار ومعدلات الإنتاج أسئلة مؤثرة على سياسات الإنفاق المستقبلي. فبينما تسعى الرياض لتمويل برامج تنويع كبيرة تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط، يبقى الإطار الزمني والتمويل المَرِنان رهينان بتقلبات السوق العالمية.
وقد أكدت الحكومة السعودية أنها ستتبع سياسات لترشيد الإنفاق العام في العام المقبل، وهو ما قد يشمل تأجيلات أو إعادة ترتيب أولويات بعض المشروعات الكبرى.
على المدى المتوسط، يرى صندوق النقد أن السيناريو الأفضل للسعودية يرتبط بتعافي أسعار النفط والالتزام بخطط ضبط مالي تدريجي وحكمة في إدارة برامج الاستثمار العام.
وفي حالة استمرار أسعار النفط عند مستويات منخفضة، سيزداد الاعتماد على الاقتراض وسيقفز الضغط على الموازنة، ما قد يفرض تسريع إجراءات تقشفية أو إيجاد مصادر بديلة للتمويل.
وعليه تشكل موازنة السعودية اليوم مفترق طريق: بين الانتعاش النفطي الذي يخفف الضغوط ويمنح مساحة مالية لإكمال “رؤية 2030″، وبين سيناريو انخفاض الأسعار الذي يضعف قدرة الرياض على تمويل التحوّل الطموح دون تحميل كلفة أكبر من الدَّين أو التخفيض في حجم الإنفاق الاستثماري.
وسيكون التطوّر في سوق النفط الدولي خلال الأشهر المقبلة ــ إلى جانب قدرة الحكومة على إدارة الإنفاق وجذب استثمارات خاصة ــ العامل الحاسم في رسم مستقبل المالية العامة للمملكة.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72984