الغارديان: تميم بن حمد آل ثاني حول قطر إلى قِبلة الوساطة العالمية

صباح الجمعة الثالث عشر من يونيو، وبينما كانت منطقة الشرق الأوسط تتأرجح على شفا مواجهة عسكرية شاملة بعد قصف إسرائيلي لطهران، لم يتصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأي من حلفائه التقليديين في الخليج أو أوروبا… بل أمسك هاتفه واتصل بأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

 

لم يكن ذلك صدفة. فالشيخ تميم، الذي يقود دولة صغيرة حجماً هائلة التأثير، أصبح الرقم الأصعب في معادلات النزاع والتفاوض بالمنطقة. وبينما تتراكم أزمات العالم، من طهران إلى كابل، ومن غزة إلى كاراكاس، باتت الدوحة محطة عبور إجبارية في طريق أي وقفٍ لإطلاق النار، أو صفقة تبادل، أو انفراج دبلوماسي.

 

قطر في قلب العاصفة

حين بدأت شرارة “حرب الأيام الاثني عشر” بين إسرائيل وإيران في يونيو الماضي، وجّه العالم أنظاره نحو الدوحة. وبينما رفضت طهران التفاوض “تحت النار”، حافظ القطريون على خطوط تواصل مفتوحة مع الجانبين، وبدأوا البحث عن سبل “لخفض الحرارة” بحسب تعبير دبلوماسي قطري بارز.

 

ورغم الهجوم الإيراني الصاروخي على قاعدة العديد في قطر، والذي تسبب بصدمة داخلية، لم ترد الدوحة عسكريًا. بل استوعبت الضربة، وساهمت في تبريد الأجواء، في ما وصفه مراقبون بأنه “تضحية محسوبة” لاحتواء التصعيد. وبالفعل، تدخلت قطر مجددًا وأقنعت إيران بقبول وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، لتنتهي الأزمة خلال 48 ساعة.

 

وساطة لا تعرف الحدود

من أفغانستان إلى فنزويلا، ومن أوكرانيا إلى الكونغو، تصدّرت قطر ملفات الوساطة الدولية. ففي واشنطن، كانت وساطتها حاسمة في إبرام معاهدة السلام بين الكونغو ورواندا، وفي كاراكاس، تفاوض بين فنزويلا وواشنطن، وفي غزة، أصبحت الدوحة المحور الرئيسي للتفاهمات بين إسرائيل وحركة حماس.

 

وزير الدولة القطري لشؤون الوساطة، الدكتور محمد بن عبد العزيز الخليفي، قالها بوضوح: “كلما اندلع نزاع، ستجدنا هناك”. فريقه، رغم صغره، يعمل كخلية أزمات متنقلة، مدعومة بثقة القيادة السياسية القطرية ومباشرة تدخل الأمير تميم في تفاصيل المفاوضات عند الضرورة.

 

سياسة ناعمة واستراتيجية حاسمة

ليست الدوحة مجرد مضافة للمفاوضات، بل أصبحت بنية تحتية متكاملة لصناعة الدبلوماسية. من فندق الشيراتون الكلاسيكي إلى مقرات التفاوض عالية السرية، استضافت العاصمة القطرية كل أنواع المفاوضات، وصارت وجهةً لأعداء لا يجتمعون في أي مكان آخر.

 

تقول الغارديان: “قطر لا تطلب شيئًا من الأطراف… فقط أن يُعترف بها كفاعل”. وهذا “الاعتراف” بات اليوم مسلّمًا به في أروقة القرار العالمي.

 

التوازن بين الأعداء

تعامل قطر مع كافة الأطراف، بما في ذلك خصومها الأيديولوجيين، لا يُبنى على العداء أو الولاء، بل على البراغماتية المتقنة. ففي فندق والدورف أستوريا في الدوحة، جلس قبل أشهر غيرشون باسكن، ناشط السلام الإسرائيلي، في نفس الردهة مع يوسي كوهين، الرئيس السابق للموساد، حيث أجرى كلٌّ منهما مشاورات منفصلة مع مسؤولين قطريين بشأن رهائن غزة.

 

هكذا تنجح قطر في التوفيق بين دعمها للفلسطينيين، وحفاظها على علاقة فاعلة مع إسرائيل، وبين تحالفها الوثيق مع الولايات المتحدة، وشراكتها الجغرافية والطاقوية مع إيران.

 

نموذج استثنائي في منطقة مضطربة

بينما تسير الرياض نحو الانفتاح الترفيهي، وتغرق أبوظبي في سباق النفوذ، تبدو الدوحة هادئة، متزنة، محافظة لكن منفتحة، ثرية لكنها تتصرف كدولة صغيرة تعتمد على الدبلوماسية لا السلاح.

 

هذه الثنائية — دولة صغيرة بثروات طائلة — لم تُترجم إلى استعراض قوة، بل إلى استثمار هادئ في النفوذ السياسي والثقة الدولية. فالثروة لا تشتري الأمن، لكنها إذا استُثمرت في الوساطة، قد تُصبح درعًا لا غنى عنه.

 

أمنها هو أمن العالم

حين تستثمر قطر 10 مليارات دولار في توسيع قاعدة العديد، فهي لا تدفع فقط لحماية نفسها، بل لتصبح – كما وصفها ترامب نفسه – “حليفًا رائعًا” لا غنى عنه في المنطقة.

 

لقد تجاوزت الدوحة نموذج الوسيط الصامت، وأصبحت دولة يُعتمد عليها، وقوة ناعمة تصوغ شكل النزاعات الكبرى وطرق حلّها. وكما قال أحد الخبراء: “قطر لا تغيّر العالم بالسلاح أو المال… بل تجعل خصوم العالم يتحدثون تحت سقف واحد”.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.