يتحول الخليج بسرعة إلى مركز جذب رئيسي لصناعة التحوّط العالمية، مع انتقال فرق كاملة من كبار المديرين إلى الإمارات وتزايد ارتباطهم برؤوس الأموال السيادية ومراكز التداول الإقليمية.
وقالت مجموعة بورصة شيكاغو التجارية (CME Group) إن أحجام التداول القادمة من الشرق الأوسط سجّلت نموًا مزدوج الرقم هذا العام، مدفوعة بموجة انتقال صناديق التحوّط إلى دبي وأبوظبي، حيث ارتفع المتوسط اليومي للتداولات القادمة من المنطقة 16% إلى نحو 193 ألف عقد، فيما قفز نشاط صناديق التحوّط نحو 30%.
وتصف جولي وينكلر، رئيسة الشؤون التجارية في CME، هذه القفزة بأنها «مؤثرة للغاية»، مؤكدة أن الشرق الأوسط بات «القطاع الأسرع نموًا لدينا بفارق كبير».
ورغم أن مساهمة المنطقة ما زالت «أحادية الرقم» كنسبة من إجمالي أحجام CME عالميًا—في مستوى يُقارن بما تمثله هونغ كونغ—تتحرك المجموعة لتعزيز حضورها المباشر للاستفادة من الزخم الذي صنعته الإمارات في استقطاب المتداولين ومديري الأصول.
مكاتب جديدة… وانتقال فرق كاملة
لا يقتصر التحوّل على افتتاح تمثيلات صغيرة؛ إذ أعلنت Davidson Kempner، التي تُدير 37 مليار دولار من نيويورك، افتتاح مكتب في أبوظبي، لتنضم إلى أسماء بارزة سبقتها مثل Marshall Wace وBrevan Howard—الأخيرة يعمل لديها أكثر من 100 موظف في العاصمة.
وتقول مصادر في القطاع إن بعض الصناديق لا تكتفي بتجربة وجود رمزي، بل تنقل وحدات تشغيل كاملة إلى الخليج لتكون على تماس يومي مع صناديق الثروة السيادية والفرص الصفقيّة.
وتملك CME حصة 33% في بورصة الخليج للسلع (GME) في دبي، وتستعد لتعيين مسؤول تطوير أعمال يتمركز مبدئيًا في مكاتب GME، كخطوة عملية لتعميق الصلة بمركز التجارة الإقليمي.
لماذا الإمارات؟
تُجمِع المؤسسات على حزمة عوامل جاذبة: نظام ضريبي ملائم، وبنية حياتية وخدمية تواكب نمط عمل مديري الأموال، إضافة إلى منطقة زمنية وسيطة تربط التداول الآسيوي بالأوروبي ثم الأميركي في يوم عمل واحد.
وتخلق هذه العناصر، مضافًا إليها كتلة رؤوس الأموال السيادية، بيئة يتوقع مديرو الأصول أن تُسرّع تنفيذ الصفقات مقارنة بإدارة العلاقات من نيويورك أو لندن وإيفاد الفرق عبر القارات.
وقال مركز دبي المالي العالمي (DIFC) في يوليو إنه يستضيف ما لا يقل عن 85 صندوق تحوّط—بزيادة 72% خلال 12 شهرًا—وأن 69 صندوقًا منها تُدير مليار دولار فأكثر.
أما سوق أبوظبي العالمي (ADGM) فلا يعلن أرقامًا تفصيلية، لكن قائمة الأسماء المنضمة وموجة التعيينات تعكس اتساع الامتداد المؤسسي للصناعة في العاصمة.
أثر مباشر على CME… ومؤشرات أسهم إيجابية
تقول وينكلر إن CME تتبع «أماكن تمركز عملائها» في قرارات انتشارها، مؤكدة أن «تدفّق مديري الأصول وصناديق التحوّط إلى دبي كان حاسمًا» لدفع المجموعة إلى تعزيز وجودها الإقليمي.
وعلى مستوى السوق المدرجة، حقق سهم CME ارتفاعًا بنحو 17% منذ بداية 2025، مستفيدًا من تقلبات عالمية رفعت الطلب على التحوّط وإدارة المخاطر، متفوقًا على مكاسب Intercontinental Exchange (ICE) التي بلغت 6.3%، وNasdaq Inc بنحو 15% خلال الفترة نفسها.
صفقات أقرب… وتنفيذ أسرع
يُجمع مديرون على أن الاقتراب الفيزيائي من صناديق الثروة السيادية—ومكاتب العناية الواجبة والاستثمار المباشر—يسهّل تدفقات الصفقة ويختصر زمن اتخاذ القرار، خاصة في استراتيجيات الدخل الثابت، والسلع، والمراجحة الكلية (Global Macro) التي تستفيد من فوارق العائد والتذبذب المتزايد عبر المناطق.
كما أن وجود بورصات سلع ومشتقات في دبي وأبوظبي يتيح بنية تنفيذ مساندة: غرف مقاصة، مزوّدو سيولة، واتصالات منخفضة الكمون تربط المراكز الإقليمية بالمحاور العالمية.
ولا تَظهر مؤشرات على نزوح شامل من لندن أو نيويورك؛ الأقرب أن الصناديق تبني نموذجًا متعدد المراكز: إدارة محفظة أساسية في الغرب، مع أذرع تنفيذ وبحوث في الخليج وآسيا.
ويمنح هذا التوزيع الصناديق نافذة زمنية ممتدة لتغطية الجلسات على مدار اليوم، والاستفادة من أسواق الطاقة والسلع المرتبطة بالمنطقة، إلى جانب قربٍ تشغيلي من المستثمرين الحكوميين الكبار.
لكن رغم الزخم، توجد تحديات تنظيمية وتشغيلية: الحاجة إلى استمرارية تشريعية في أنظمة الضرائب والامتثال، تطوير عمق أكبر لأسواق المشتقات المحلية، وبناء كوادر محلية في مجالات إدارة المخاطر، والكمّ، والامتثال.
كما يبقى الاعتماد على تقلبات عالمية عاملًا مزدوج الحافة: يرفع أحجام التداول في فترات التذبذب، لكنه يضعف شهية المخاطرة في فترات الهدوء.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72940