متحوّر جديد يدفع الإنفلونزا للانتشار مبكرًا وخبراء يحذرون من موسم شديد

يضرب فيروس الإنفلونزا بقوة وفي وقت مبكر هذا الموسم، مدفوعًا بالانتشار السريع لمتحوّر جديد، ما يثير مخاوف متزايدة لدى الأوساط الطبية من موسم إنفلونزا أكثر حدة من المعتاد.

ورغم هذا التصعيد المبكر، يؤكد خبراء الصحة العامة أن الفرصة لا تزال قائمة للحد من المخاطر، عبر تلقي لقاح الإنفلونزا قبل بلوغ الذروة المتوقعة للإصابات.

وبحسب ما أوردته صحيفة ذا هيل الأميركية، يعود جانب كبير من القلق هذا الموسم إلى ظهور وانتشار السلالة الفرعية المعروفة باسم “K”، وهي متحوّر من فيروس الإنفلونزا A.

وتشير بيانات وبائية أولية إلى أن سلالات مشابهة تاريخيًا ارتبطت بمعدلات أعلى من دخول المستشفيات والوفيات مقارنة بأنواع أخرى من الفيروس.

ويظهر تأثير هذا المتحوّر بوضوح في المملكة المتحدة، حيث ارتفعت حالات الإصابة بالإنفلونزا في وقت أبكر من المعتاد، متقدمة زمنيًا على الولايات المتحدة، ما أدى إلى ضغط متزايد على النظام الصحي البريطاني.

وقالت المديرة الطبية الوطنية في هيئة الخدمات الصحية البريطانية (NHS)، ميغانا بانديت، إن البلاد تواجه «موجة غير مسبوقة من الإنفلونزا الشديدة»، محذّرة من أن الهيئة الصحية تقف أمام «سيناريو الأسوأ» في هذا الوقت من العام.

ويثير هذا التطور مخاوف من تكرار السيناريو في الولايات المتحدة، خصوصًا في ظل انخفاض معدلات التطعيم مقارنة بمواسم سابقة. ويرى خبراء أن ضعف الإقبال على اللقاح قد يساهم في تحويل الموسم الحالي إلى أحد أسوأ مواسم الإنفلونزا خلال السنوات الأخيرة، إذا لم تُتخذ إجراءات وقائية سريعة.

وقال الدكتور أندرو بيكوش، عالم الفيروسات وأستاذ في كلية بلومبرغ للصحة العامة بجامعة جونز هوبكنز، إن توقيت التفشي لا يعني أن الوقت قد فات على الوقاية.

وأضاف: «لم يفت الأوان بعد للحصول على لقاح الإنفلونزا. نحن فعليًا في بداية موسم الإنفلونزا هنا في الولايات المتحدة»، مشيرًا إلى أن الذروة عادة ما تأتي لاحقًا.

وتاريخيًا، يبلغ موسم الإنفلونزا ذروته في شهر فبراير منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، بينما تبدأ الحالات بالارتفاع تدريجيًا منذ ديسمبر.
ويؤكد بيكوش أن المؤشرات الحالية، سواء من الولايات المتحدة أو من دول أخرى سبقتها زمنيًا في التفشي، توحي بأن الموسم قد يكون أشد من المتوسط.

وأوضح أن البيانات القادمة من الخارج تظهر ارتفاعًا كبيرًا في أعداد الإصابات، رغم الحاجة إلى مزيد من الدراسات لفهم الخصائص الدقيقة للسلالة الفرعية K. وقال: «من الصعب جدًا التنبؤ بموسم الإنفلونزا، لكننا الآن في بداية ما يبدو أنه سيكون موسمًا شديدًا».

وأشار بيكوش إلى أن أحد مصادر القلق الرئيسية يتمثل في قدرة هذا المتحوّر على التهرّب جزئيًا من مناعة السكان. وشرح أن الطفرات الجينية في السلالة K تجعلها أقل قابلية للتعرّف عليها من قبل جهاز المناعة، سواء المكتسب من إصابات سابقة أو من التطعيمات، ما يعني أن عددًا أكبر من الأشخاص قد يكونون عرضة للإصابة.

ورغم ذلك، شدد بيكوش على أن لقاح الإنفلونزا لا يزال أداة فعالة في تقليل المخاطر. وقال: «هناك ثلاث سلالات مختلفة من الإنفلونزا تسبب المرض، واللقاح يغطيها جميعًا». وأضاف أن اثنتين من هذه السلالات تظهران تطابقًا جيدًا مع مكونات اللقاح الحالي، ما يعزز فعاليته.

وبشأن السلالة الفرعية K، أوضح أن اللقاح قد لا يمنع العدوى بشكل كامل، لكنه «يوفر على الأقل حماية جزئية» ضد هذا المتحوّر من نوع H2N2، وهو ما يمكن أن يقلل من شدة الأعراض وخطر المضاعفات الخطيرة.

من جهته، أكد الدكتور ويليام شافنر، أستاذ السياسات الصحية في جامعة فاندربيلت، في تصريحات لصحيفة ذا هيل في نوفمبر، أن النقاش حول فعالية اللقاح يجب أن يركز على نتائجه الواقعية. وقال: «نحن لا نزعم أن اللقاح مثالي — فهو ليس كذلك — لكنه أكثر فاعلية في منع دخولك المستشفى أو العناية المركزة، وفي مساعدتك على البقاء بعيدًا عن المقبرة».

وتدعم مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) هذا التوجه، حيث توصي بالتطعيم السنوي ضد الإنفلونزا لجميع الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم ستة أشهر فما فوق.

وتؤكد المراكز أن «الحصول على لقاح الإنفلونزا سنويًا هو أفضل وسيلة لتقليل مخاطر الإصابة بالإنفلونزا ومضاعفاتها الخطيرة المحتملة»، خصوصًا لدى كبار السن والأطفال والحوامل وأصحاب الأمراض المزمنة.

وتشير السلطات الصحية إلى أن لقاح الإنفلونزا يحتاج إلى ما يصل إلى أسبوعين ليصل إلى أقصى فاعلية له، ما يجعل التطعيم المبكر عاملًا حاسمًا في تقليل الضغط المتوقع على المستشفيات خلال الأسابيع المقبلة. ومع استمرار انتشار المتحوّر الجديد، يحذر الخبراء من أن التأخر في التطعيم قد يحد من القدرة على كبح آثار موسم يُتوقع أن يكون قاسيًا على الأنظمة الصحية.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.