سجّل الذهب واحدًا من أقوى أعوامه التاريخية في 2025، مرتفعًا بأكثر من 70%، مدفوعًا بمزيج نادر من العوامل شمل عمليات شراء مكثفة من البنوك المركزية، ودورة تيسير نقدي عالمية، وتصاعد المخاطر الجيوسياسية التي أعادت للمعدن الأصفر بريقه كملاذ آمن.
ومع اقتراب نهاية العام، يتجه السؤال المركزي إلى عام 2026: هل يستطيع الذهب الحفاظ على هذه المكاسب، أم أن السوق بات بحاجة إلى محفزات جديدة أكثر قوة؟
وقد بلغ سعر الذهب في جلسة 24 ديسمبر 2025 نحو 4499 دولارًا للأونصة، بعد أن لامس مستوى قياسيًا تجاوز 4500 دولار في وقت سابق من اليوم، ليكون في طريقه لتحقيق ثالث عائد سنوي إيجابي على التوالي.
غير أن محللين يرون أن الطريق في العام المقبل لن يكون بنفس السلاسة.
يقول فؤاد رزاق زاده، محلل الأسواق في “سيتي إندكس” و”فوركس.كوم”، إن النظرة طويلة الأجل للذهب لا تزال إيجابية، لكن البيئة الاقتصادية الكلية أصبحت أكثر توازنًا مقارنة بعام 2025.
ويضيف أن الطلب من البنوك المركزية قد لا يبقى بنفس القوة عند هذه المستويات السعرية المرتفعة، في حين أن جزءًا كبيرًا من خفض أسعار الفائدة العالمية قد تم استيعابه بالفعل في الأسعار.
كما أن استمرار ارتفاع عوائد السندات، إلى جانب احتمالات تراجع التوترات الجيوسياسية، قد يقلص من جاذبية الذهب كملاذ آمن.
وتتفق إيبك أوزكاردسكايا، كبيرة المحللين في بنك “سويسكوت”، مع هذا التقييم، معتبرة أن أكبر مخاطر الذهب في 2026 تتمثل في التصحيح الفني، خصوصًا بعد الارتفاع السريع والحاد خلال فترة زمنية قصيرة. فالسوق، وفق رؤيتها، قد يدخل مرحلة توطيد بدلاً من تكرار القفزات الصاروخية.
من جانبه، يشير أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع في “ساكسو بنك”، إلى مجموعة عوامل إضافية قد تضغط على الذهب، من بينها احتمال ارتفاع العوائد الحقيقية إذا استقر النمو العالمي، وتراجع الطلب على أدوات التحوط في بيئة تميل إلى المخاطرة، وقوة الدولار الأمريكي، فضلًا عن احتمالات خفض التصعيد بين الولايات المتحدة والصين، ما قد يزيل جزءًا من “علاوة المخاطر” التي دعمت الذهب مؤخرًا.
ورغم هذه التحفظات، لا يزال الذهب متجهًا لتحقيق أفضل أداء سنوي له منذ عام 1979. فقد دفعت التوترات الجيوسياسية، وضعف الثقة في العملات الرئيسية، المستثمرين إلى الابتعاد عن السندات الحكومية والبحث عن بدائل أكثر أمانًا.
كما عززت التخفيضات المتتالية لأسعار الفائدة الأمريكية هذا الاتجاه، بعدما خفّض الاحتياطي الفيدرالي الفائدة ثلاث مرات متتالية خلال العام.
مع ذلك، يرى محللون أن تحقيق مستويات أعلى في 2026 – مثل كسر حاجز 5000 دولار – سيتطلب ظروفًا استثنائية. فبحسب أوزكاردسكايا، قد تدفع السياسات النقدية شديدة التيسير، وانخفاض العوائد، وتراجع الثقة بالدولار وسندات الخزانة الأمريكية الذهبَ إلى قمم جديدة.
ويضيف هانسن أن سيناريو “الركود التضخمي” – أي تضخم مرتفع مع نمو ضعيف – سيكون بيئة داعمة تاريخيًا للذهب، لا سيما في ظل القلق المتزايد بشأن استدامة الدين العام الأمريكي والتدخل السياسي المحتمل في استقلالية البنوك المركزية.
دور البنوك المركزية: دعم مستمر ولكن أبطأ
يؤكد الخبراء أن مشتريات البنوك المركزية ستظل عامل دعم هيكلي للذهب، إذ تسعى دول عديدة، خاصة في الأسواق الناشئة، إلى تقليص اعتمادها على الأصول المقومة بالدولار.
غير أن وتيرة الشراء في 2025 كانت أبطأ مقارنة بالسنوات السابقة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الأسعار المرتفعة.
ويظل دور الصين محوريًا؛ فأي تباطؤ إضافي في مشتريات بنك الشعب الصيني قد يؤدي إلى تخفيف الزخم الصعودي، خاصة مع ميل بعض البنوك إلى جني الأرباح.
الفضة… قصة مختلفة
في المقابل، تبدو آفاق الفضة أكثر إشراقًا نسبيًا. فقد سجلت الفضة مستوى قياسيًا عند 69.98 دولارًا للأونصة، مرتفعة بنسبة 142% منذ بداية العام، بدعم من نقص المعروض والطلب الصناعي القوي، خاصة من قطاعات الطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية ومراكز البيانات.
وترى أوزكاردسكايا أن الفضة قد تشهد تصحيحات قصيرة الأجل بعد ظروف “تشبع شرائي”، لكنها تظل إيجابية على المدى المتوسط.
ويذهب هانسن إلى أن العجز الهيكلي في الإمدادات، إلى جانب تصنيف الفضة كأحد المعادن الحيوية في الولايات المتحدة، يعزز احتمالات استمرار قوتها.
ويختتم فيجاي فاليشا، كبير مسؤولي الاستثمار في “سينشري فاينانشال”، بالقول إن عام 2026 قد يشهد نطاقات تداول واسعة بدلًا من ارتفاعات حادة، إلا أن استمرار نقص المعروض وتدفقات الاستثمار قد يدفع سعر الفضة إلى نطاق 90–100 دولار للأونصة، وإن كانت التقلبات ستظل مرتفعة.
بذلك، يبدو أن عام 2026 قد يكون عام اختبار حقيقي للذهب، بينما تحتفظ الفضة بزخم أقوى، في سوق ستعتمد حركتها على مزيج دقيق من السياسة النقدية، والجغرافيا السياسية، وديناميكيات العرض والطلب العالمية.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73432