واشنطن بوست: الضربات الإسرائيلية في إيران استهدفت البنية البشرية للبرنامج النووي

كشفت صحيفة واشنطن بوست، بالتعاون مع برنامج «فرونتلاين» على شبكة PBS، تفاصيل غير مسبوقة عن الهجوم الإسرائيلي واسع النطاق على إيران في يونيو/حزيران، مشيرة إلى أن الهدف لم يقتصر على تعطيل المنشآت النووية، بل شمل تصفية ما وصفته مصادر استخبارية بـ«العقل الجماعي» للبرنامج النووي الإيراني، عبر استهداف جيل كامل من العلماء والمهندسين المتخصصين.

وبحسب التحقيق، سبقت الهجوم استعدادات مكثفة استمرت أشهرًا، شملت نشر عشرات العملاء الإسرائيليين داخل إيران، وتزويدهم بأسلحة متطورة، إلى جانب رفع حالة التأهب القصوى في سلاح الجو الإسرائيلي.

وفي الوقت ذاته، كانت إسرائيل والولايات المتحدة قد توصلتا إلى تقدير مشترك مفاده أن طهران باتت أقرب من أي وقت مضى إلى امتلاك القدرة على إنتاج سلاح نووي، رغم الخلافات حول مدى تقدمها الفعلي.

وفي فجر 13 يونيو/حزيران، ومع انطلاق حرب استمرت 12 يومًا، بدأت الضربات الإسرائيلية تستهدف مباني سكنية في العاصمة طهران. وأطلقت إسرائيل على الحملة الخاصة باغتيال العلماء اسم «عملية نارنيا».

وخلال الساعات الأولى، قُتل محمد مهدي طهرانجي، الفيزيائي النظري الخاضع لعقوبات أميركية، في شقته داخل مجمع سكني مخصص لأساتذة الجامعات. وبعد ساعات، قُتل فريدون عباسي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، في ضربة منفصلة.

وقالت إسرائيل إنها اغتالت 11 عالمًا نوويًا بارزًا خلال اليوم الأول والأيام التالية، في إطار هجوم متعدد المسارات استهدف كذلك منشآت التخصيب، ومنصات الصواريخ الباليستية، وأنظمة الدفاع الجوي.

ووفق مصادر إسرائيلية وأميركية، فإن هذه الضربات ألحقت ضررًا كبيرًا بالبرنامج النووي الإيراني، لكنها لم تدمّره بالكامل، خلافًا لما صرّح به الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وأكد مسؤولون من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن البرنامج الإيراني ربما تراجع لسنوات، لكنهم أشاروا إلى أن إيران ما زالت تمتلك مخزونًا كبيرًا من اليورانيوم المخصّب، وأن تقييم حجم الضرر بدقة يظل صعبًا في ظل غياب وصول المفتشين الدوليين إلى المواقع المتضررة.

وبحسب واشنطن بوست، اعتمدت إسرائيل في «عملية نارنيا» على قائمة أولية ضمّت نحو 100 عالم نووي إيراني، جرى تقليصها لاحقًا إلى قرابة 12 هدفًا اعتُبروا محوريين في الأبحاث المرتبطة بتحويل المواد الانشطارية إلى سلاح.

واستندت عملية الاختيار إلى سنوات من جمع المعلومات الاستخبارية حول أنشطة العلماء وتحركاتهم وأماكن إقامتهم.

لكن العملية لم تخلُ من خسائر مدنية. فقد تحققت واشنطن بوست ومنصة «بيلينغكات» من مقتل 71 مدنيًا في خمس ضربات استهدفت علماء نوويين.

وفي إحدى الضربات على مجمع سكني في حي سعادت آباد بطهران، قُتل عشرة مدنيين، بينهم رضيع يبلغ من العمر شهرين. وأظهرت صور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو أن قوة الانفجار كانت مماثلة لقنبلة تزن نحو 500 رطل.

وفي حالة أخرى، استُهدف العالم محمد رضا صديقي صابر في منزله، لكنه لم يكن موجودًا، ما أدى إلى مقتل ابنه البالغ 17 عامًا.

وبعد أيام، قُتل صديقي صابر نفسه في ضربة أخرى أثناء وجوده في منزل أحد أقاربه شمالي البلاد، حيث قُتل معه 15 مدنيًا، بينهم أربعة قُصّر.

وقال مسؤولون أمنيون إسرائيليون إن تقليل الخسائر المدنية كان ضمن اعتبارات التخطيط، لكنهم أقروا بأن طبيعة الضربات داخل مناطق سكنية مكتظة جعلت ذلك بالغ الصعوبة. في المقابل، أعلنت السلطات الإيرانية أن الضربات الإسرائيلية أسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص، بينهم مئات المدنيين.

وشملت الحملة العسكرية الأوسع، التي حملت اسم «الأسد الصاعد»، ضربات جوية وصاروخية كثيفة دمّرت أكثر من نصف منصات الصواريخ الباليستية الإيرانية، وألحقت أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية للدفاع الجوي، كما استهدفت قيادات عسكرية بارزة في الحرس الثوري.

وشاركت الولايات المتحدة لاحقًا بقاذفات الشبح B-2 وصواريخ «توماهوك»، ما مثّل تصعيدًا نوعيًا في المواجهة.

ويربط التحقيق توقيت الهجوم بسلسلة تطورات إقليمية سبقت العملية، من بينها تراجع نفوذ وكلاء إيران في غزة ولبنان، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وتدمير إسرائيل لمنظومات الدفاع الجوي السورية.

كما لعب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، وتزايد تخصيب إيران لليورانيوم، دورًا في رفع مستوى القلق لدى إسرائيل.

ورغم حجم الضربات، تؤكد إيران أن برنامجها النووي سيستمر، معتبرة أن استهداف العلماء لا يمحو المعرفة المتراكمة.

وقال مسؤولون إيرانيون إن ما جرى لن يؤدي إلى إنهاء الطموحات النووية، بل سيزيد من تصميم طهران على المضي قدمًا.

وتخلص واشنطن بوست إلى أن الضربات الإسرائيلية نجحت في إلحاق ضرر كبير بالبرنامج النووي الإيراني، لكنها في الوقت نفسه أدخلت المنطقة في مرحلة جديدة من التصعيد، وأغلقت، على الأقل في المدى القريب، نافذة الحلول الدبلوماسية.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.