يمثل الاستثمار المتسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي نقطة تحوّل استراتيجية لاقتصادات دول الخليج، وفق ما أكده جهاد أزعور، المدير الإقليمي لصندوق النقد الدولي، الذي شدّد على أن هذا التوجه لم يعد ترفًا تقنيًا، بل يشكّل مسارًا جديدًا لتشكيل اقتصادات ما بعد النفط.
وقال أزعور إن الاستثمارات الضخمة التي تضخها الإمارات في الذكاء الاصطناعي منذ عام 2024 — والتي بلغت 148 مليار دولار محليًا ودوليًا — تُحدث “تغييرًا جذريًا” في بنية الاقتصاد الإماراتي وفي مكانة المنطقة عالميًا في سباق التكنولوجيا.
ويرى صندوق النقد الدولي أن الحفاظ على زخم الاستثمار الإماراتي في التقنيات المتقدمة يمكن أن يضيف نحو 0.7% إلى النمو الاقتصادي، خصوصًا مع توسع التطبيقات غير النفطية للتكنولوجيا في الخدمات المالية والحكومية واللوجستية والقطاعات الإنتاجية.
ويشير أزعور إلى أن تبني الإمارات المدفوعات الرقمية والعملات الرقمية وتطوير سوق الأصول المشفرة عزّز تحولها إلى مركز جاذب لرأس المال العالمي، في وقت يتزامن فيه أسبوع أبوظبي المالي مع مرور 10 سنوات على تأسيس سوق أبوظبي العالمي، الذي أصبح واحدًا من أكبر المراكز المالية عالميًا بفضل إطار تشريعي مرن وبيئة تكنولوجية متقدمة.
ويضيف: “كانت السنوات العشر الماضية حاسمة في إعادة تشكيل الاقتصاد الإماراتي”، إذ أنتجت البيئة الاستثمارية الجديدة “قوة متوسطة صاعدة” بفضل توسع القطاع غير النفطي وإدماج التكنولوجيا في التنمية.
الخليج وموجة الرقمنة بعد الجائحة
عززت دول الخليج التحول الرقمي بعد جائحة كوفيد-19، عبر إطلاق خدمات صحية عن بُعد، وتوسيع الخدمات المصرفية الرقمية، واعتماد الذكاء الاصطناعي وسلاسل الكتل في القطاع الخاص لتعزيز الكفاءة وخفض التكاليف، وفق دراسة حديثة لصندوق النقد الدولي.
وجاءت الموافقة الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني على تصدير الرقائق المتقدّمة إلى الإمارات والسعودية لتشكّل دفعة كبيرة لطموحات البلدين في قيادة قطاع الذكاء الاصطناعي عالميًا.
وتسمح الخطوة لشركة G42 الإماراتية وشركة Humain السعودية بشراء رقائق متطورة من الشركات الأمريكية، في مؤشر على الاعتراف الدولي بالمكانة التكنولوجية المتنامية للبلدين.
ويصف أزعور هذا التطور بأنه “علامة على أن هذه الدول أصبحت لاعبين جادين في هذه الصناعة”، خصوصًا مع المشاريع العملاقة التي تم الإعلان عنها هذا العام.
ففي الإمارات، أُطلق مجمع أكاديمي للذكاء الاصطناعي بقدرة 5 جيجاواط في أبوظبي بمشاركة شركات كبرى تشمل إنفيديا، سيسكو، أوراكل، سوفت بنك، وأوبن إيه آي. أما السعودية، فحققت شركة Humain تقدمًا ملحوظًا عبر شراكات مع Qualcomm وCisco وAMD.
البنية التحتية والمعرفة ورأس المال: أركان الجاهزية
يقول أزعور إن جاهزية الخليج للذكاء الاصطناعي تقوم على ثلاثة عناصر رئيسية تشمل البنية التحتية المتقدمة، وخاصة مراكز البيانات والاستثمار في رأس المال والتكنولوجيا وتطوير المهارات والمعرفة في التقنيات المتقدمة.
ويشدّد على ضرورة إصلاح سوق العمل لجذب المواهب العالمية، وتحديث المناهج التعليمية، حتى لا تتحول المنطقة إلى مجرد منصة استثمارية، بل إلى منصة ابتكار وإنتاج تكنولوجي.
فرص ومخاطر
رغم الفرص الكبيرة، يحذّر صندوق النقد من مخاطر مرتبطة بتقييمات الأصول التكنولوجية، والتي قد تعني تصحيحات في السوق تؤثر على 40% من القوى العاملة عالميًا.
كما أن التأثيرات غير المباشرة للذكاء الاصطناعي على سوق العمل في الخليج — خاصة في الوظائف منخفضة المهارة — تتطلب استعدادًا مبكرًا عبر رفع نسب مشاركة الشباب والنساء وتطوير المهارات الرقمية.
وفي ظل تغير أنماط التجارة العالمية بسبب التعريفات التجارية والتحولات الجيوسياسية، يرى أزعور أن دول الخليج أمام فرصة لتعزيز الترابط الإقليمي وتوسيع دورها كمركز تجاري بين الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا. لكن تجاهل التغيّرات قد يؤدي إلى “تهميش” اقتصادي، ما يستوجب سياسات ديناميكية وتكاملًا أكبر بين الاقتصادات الخليجية.
ويختتم أزعور بالقول: “يمكن للمنطقة أن تجد نموذجًا اقتصاديًا جديدًا يمنحها السلام والاستقرار والنمو خلال العقد المقبل”، إذا استثمرت في البنية التحتية، وطورت أسواق العمل، واستعدت لتأثيرات الذكاء الاصطناعي على الوظائف والخدمات العامة.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73234