تتصاعد الدعوات الخليجية لرفع العقوبات الغربية المفروضة على سوريا، في وقت تشهد فيه العلاقات بين دمشق ودول مجلس التعاون الخليجي تقارباً ملحوظاً منذ إعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية العام الماضي.
واكتسبت الجهود الخليجية زخما مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انفتاحه على رفع العقوبات عن دمشق وذلك في وقت تدفع دول خليجية، وعلى رأسها الإمارات والسعودية وعُمان، باتجاه تخفيف القيود الاقتصادية والمالية المفروضة على دمشق، في إطار استراتيجية إقليمية لإعادة تأهيل سوريا ودمجها مجدداً في المحيط العربي.
وعلى مدار الأشهر الماضية، كثفت الإمارات من جهودها الدبلوماسية لدعم إعادة اندماج سوريا في الاقتصاد الإقليمي. واستضافت أبوظبي اجتماعات رسمية بين مسؤولين سوريين ومستثمرين خليجيين، بهدف تشجيع الشراكات الاقتصادية وإعادة إعمار البنية التحتية السورية التي دمرتها الحرب المستمرة منذ 2011.
وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، في منتدى استثماري عُقد مؤخراً: “العقوبات أحادية الجانب تعرقل جهود الاستقرار وإعادة البناء في سوريا. من مصلحة المنطقة ككل أن تنهض سوريا من جديد وتستعيد دورها الطبيعي في العالم العربي”.
بدورها، أعربت السعودية عن موقف مماثل، حيث أكد وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، خلال قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، أن “المساعدات الإنسانية لا تكفي وحدها، ويجب أن يترافق دعم الشعب السوري مع خطوات ملموسة لرفع القيود الاقتصادية وتمكين دمشق من استعادة تعافيها”.
جهود عُمانية هادئة
تلعب سلطنة عُمان دوراً محورياً في هذا المسار، عبر تحركات دبلوماسية هادئة تستهدف بناء توافق دولي حول تخفيف تدريجي للعقوبات، خصوصاً في الملفات ذات الطابع الإنساني والاقتصادي. وتحتفظ مسقط بعلاقات جيدة مع كل من دمشق والعواصم الغربية، ما يجعلها وسيطاً مقبولاً في هذا الملف المعقد.
وأكد مصدر دبلوماسي عُماني أن السلطنة “تسعى لإقناع شركائها الدوليين بضرورة فصل العقوبات عن الملفات الإنسانية والتنموية”، مشيراً إلى أن “استمرار العقوبات بشكلها الحالي يفاقم معاناة الشعب السوري ويفتح المجال أمام قوى إقليمية غير عربية لملء الفراغ”.
الموقف الغربي: لا رفع دون تنازلات سياسية
في المقابل، تواصل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تمسكهما بالعقوبات المفروضة على النظام السوري، معتبرين أن رفعها مشروط بتحقيق تقدم سياسي ملموس في إطار قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي ينص على انتقال سياسي شامل في سوريا.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان حديث: “العقوبات المفروضة على سوريا تستهدف النظام وداعميه بسبب انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب. لا يمكن الحديث عن رفع هذه القيود في ظل استمرار نفس السياسات القمعية وغياب الإصلاحات السياسية”.
ويرى مراقبون أن واشنطن تنظر بقلق إلى محاولات دول الخليج إعادة تأهيل النظام السوري دون مقابل سياسي حقيقي، ما قد يبعث برسالة خاطئة لبقية الأنظمة حول العالم بشأن الإفلات من العقاب.
جدل حول جدوى العقوبات
رغم الرفض الغربي، تتزايد الأصوات التي تشكك في جدوى العقوبات كأداة لتحقيق تغيير سياسي في سوريا. ويؤكد مسؤولون خليجيون أن العقوبات لم تفلح في إضعاف النظام بقدر ما زادت من معاناة الشعب السوري وأبطأت جهود الإعمار، ما يخلق فراغاً اقتصادياً تستغله قوى خارجية كإيران وروسيا لتعزيز نفوذها.
وفي هذا السياق، أشار تقرير صادر عن “مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية” إلى أن استمرار عزل سوريا اقتصادياً “يصب في مصلحة أجندات غير عربية، بينما تخسر الدول الخليجية فرصة المشاركة في إعادة إعمار بلد محوري في المنطقة”.
مساع عربية لإيجاد توازن
تحاول الدول الخليجية تحقيق توازن دقيق بين رغبتها في إعادة سوريا إلى الحضن العربي، وبين ضغوط الحلفاء الغربيين الرافضين لأي تطبيع مع النظام السوري دون شروط سياسية صارمة.
وفي هذا الإطار، تقترح بعض المبادرات الخليجية صياغة “خارطة طريق تدريجية” لرفع العقوبات، تبدأ بتخفيف القيود في القطاعات الإنسانية والاقتصادية غير المرتبطة بالعسكر، مقابل التزامات سورية واضحة في مجالات الإصلاح السياسي وحقوق الإنسان.
ويشكل البعد الإنساني أحد أبرز مبررات الدعوات الخليجية لرفع العقوبات، حيث تعاني سوريا من أزمة اقتصادية حادة وانهيار في الخدمات الأساسية. وترى دول الخليج أن فك الحصار الاقتصادي سيسهم في تحسين الأوضاع المعيشية، ويحد من موجات اللجوء والهجرة غير الشرعية التي تؤثر على استقرار المنطقة.
وتسعى بعض العواصم الخليجية، خصوصاً الرياض وأبوظبي، إلى لعب دور قيادي في جهود إعادة إعمار سوريا، وهو ما يتطلب تخفيف العقوبات الغربية التي تعيق دخول الاستثمارات وتمويل المشروعات الكبرى.
وبينما يتمسك الغرب بسياسة العقوبات كأداة ضغط على النظام السوري، تتبنى دول الخليج مقاربة براغماتية ترى في إعادة تأهيل سوريا خياراً استراتيجياً ضرورياً لحماية المصالح العربية وإعادة التوازن في مواجهة النفوذ الإيراني والتركي.
ومع استمرار الجمود السياسي الدولي، يبدو أن الجهود الخليجية ستتركز في المرحلة المقبلة على إحداث اختراق تدريجي في ملف العقوبات، عبر مبادرات إنسانية واقتصادية قد تفرض واقعاً جديداً في المعادلة السورية.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=71590