لماذا يركّز ترامب على الصفقات الاقتصادية في رحلته إلى الخليج؟

مع استعداد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للانطلاق في رحلته إلى منطقة الخليج العربي في ولايته الثانية، يبرز التركيز على الصفقات التجارية كمحور أساسي للزيارة.

وفي وقتٍ تتصاعد فيه التحديات السياسية في المنطقة، مثل حرب غزة وتقدم إيران في مجال الأسلحة النووية، يبدو أن ترامب يسعى لتقوية علاقات بلاده مع دول الخليج من خلال إبرام صفقات اقتصادية ضخمة. لكن ماذا يعني هذا التركيز على الصفقات التجارية؟ ولماذا يُعتبر هذا التوجه مهمًا بالنسبة لترامب في هذه المرحلة؟

1. تعزيز العلاقات الاقتصادية في إطار الاضطرابات الإقليمية

منذ بداية حكمه، سعى ترامب لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة ودول الخليج، وهو ما استمر في ولايته الثانية.

في الزيارة المرتقبة، سيقوم ترامب بإعلان صفقات ضخمة تشمل استثمارات سعودية بقيمة 600 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدى أربع سنوات، بالإضافة إلى تعهدات إماراتية بإنفاق 1.4 تريليون دولار خلال العقد القادم.

هذه الصفقات، التي تصدرت الأخبار، تُعتبر جزءًا من استراتيجية ترامب لبناء علاقة اقتصادية قوية مع دول الخليج.

لكن هذا التركيز على الاقتصاد يتزامن مع واقع سياسي معقد في المنطقة. رغم تعهد ترامب بتحقيق السلام في الشرق الأوسط، لا تزال الحرب في غزة قائمة، والمفاوضات حول الملف النووي الإيراني تزداد تعقيدًا.

لذلك، يبدو أن ترامب يركز على تحقيق نجاحات اقتصادية ملموسة يمكنه الترويج لها، بدلًا من الانغماس في ملفات سياسية شائكة قد تكون نتائجها غير مضمونة.

2. الحفاظ على الحظوة الخليجية من خلال الصفقات التجارية

وفقًا للمحلل ستيفن كوك، فإن دول الخليج تسعى لاستعراض ولائها لترامب من خلال تقديم صفقات ضخمة، وهي خطوة تهدف إلى تقوية موقفهم السياسي والاقتصادي في المنطقة.

في هذا السياق، يرى كوك أن “السعوديين والإماراتيين والقطريين سيتنافسون فيما بينهم لإظهار الترحيب بالرئيس، ثم سيتنافسون على عدد الصفقات التي يمكنهم إعلانها خلال وجوده هناك”. هذا التنافس بين دول الخليج يكشف عن مدى أهمية العلاقات مع الولايات المتحدة بالنسبة لها، لا سيما في ظل الاضطرابات الإقليمية.

3. الترويج للنجاحات الاقتصادية على حساب القضايا السياسية

ترامب دائمًا ما يحرص على تسويق نفسه كرئيس يحقق مصالح اقتصادية للولايات المتحدة. وفي غياب نجاحات سياسية ملموسة، يراهن ترامب على الصفقات التجارية كأداة لإثبات فاعليته على الساحة الدولية.

وفي هذا الإطار، يُظهر تصريحات البيت الأبيض أن زيارة ترامب تهدف إلى تعزيز العلاقات مع دول الشرق الأوسط وتعزيز التعاون الاقتصادي، وهو ما يُعتبر جزءًا من رؤية أوسع لتحقيق “شرق أوسط مزدهر” خالٍ من التطرف ويعتمد على التجارة والتبادل الثقافي.

4. الخلط بين المصالح الاقتصادية والملفات السياسية

إحدى الملاحظات المهمة في هذا السياق هي أن ترامب يربط بين مصالحه الاقتصادية والملفات السياسية، بشكل قد يخفف من ضغوطه على القادة الخليجيين.

وفقًا لستيفن كوك، فإن القادة الخليجيين يدركون أن ترامب يفضّل التركيز على الصفقات التجارية، ولذلك فهم يُغدقون عليه بهذه الصفقات لتفادي أي ضغوط قد تُمارس عليهم بشأن قضايا سياسية مثل القضية الفلسطينية أو النزاع في غزة.

5. مقارنة مع الزيارة الأولى: الصفقات العسكرية في 2017

في زيارته الأولى إلى السعودية عام 2017، أعلن ترامب عن صفقات تسليح ضخمة مع السعودية، مما أضفى على تلك الزيارة طابعًا اقتصاديًا مميزًا.

لكن، كما يلاحظ العديد من المحللين، فإن تلك الصفقات العسكرية لم تتحقق بالشكل الذي تم الإعلان عنه. فوزارة الخارجية الأمريكية ذكرت أنه تم تنفيذ صفقات بقيمة 30 مليار دولار فقط من مجموع 110 مليارات دولار كان قد تم الإعلان عنها.

هذه الفجوة بين الإعلان والواقع تُظهر أن الصفقات التجارية، رغم كونها جزءًا من السياسة الخارجية الأمريكية، قد لا تتحقق بالشكل الذي يتم تسويقه.
6. إغراءات سياسية مقابل الاستثمارات التجارية

ترامب يسعى لتوطيد العلاقة مع دول الخليج عبر إغراءات اقتصادية بدلًا من الانخراط في قضايا معقدة مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أو ملفات حقوق الإنسان.

ومع حالة الاستقطاب في المنطقة، يبدو أن التركيز على الاقتصاد يسهم في تحسين صورة ترامب، خاصة في دول الخليج التي قد تكون أقل رغبة في التدخل في قضايا سياسية حساسة. في الوقت نفسه، تسهم هذه الصفقات في تعزيز مصالح أمريكا الاقتصادية، مما يمنح ترامب منصة لتقديم إنجازات ملموسة لشعبه.

7. أهداف طويلة المدى وتحقيق المكاسب المباشرة

بينما تسعى إدارة ترامب للتوصل إلى نتائج حاسمة في ملفات مثل الحرب في غزة أو الملف النووي الإيراني، تبقى هذه الملفات بعيدة المنال. ومن هنا، تصبح الصفقات التجارية وسيلة لتحقيق مكاسب اقتصادية فورية، ولو على حساب الأهداف السياسية الكبرى. يُظهر هذا التوجه أهمية “الصفقات الاقتصادية” في بناء صورة ترامب كزعيم قادر على تحقيق النجاح الاقتصادي، رغم التحديات السياسية.

وإن تركيز ترامب على الصفقات الاقتصادية في رحلته إلى الشرق الأوسط ليس مجرد مسعى لتحسين العلاقات التجارية مع دول الخليج، بل هو أيضًا محاولة لتعزيز صورته السياسية داخليًا في ظل غياب نتائج سياسية ملموسة.

ومن خلال هذه الصفقات، يسعى ترامب إلى تحصيل مكاسب اقتصادية يمكن تسويقها كنصر في وقت تعيش فيه المنطقة حالة من الاضطراب السياسي. ومع ذلك، تبقى هذه الصفقات محكومة بالواقع المعقد للأوضاع الإقليمية، مما يجعل من الصعب تحديد ما إذا كانت هذه الاستثمارات ستترجم إلى نتائج عملية على الأرض.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.