الإيكونومست: ترامب أكثر رؤساء أمريكا انسجامًا مع السعودية
وصفت مجلة الإيكونومست البريطانية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه أكثر رؤساء أمريكا انسجامًا مع المملكة العربية السعودية وذلك قبيل زيارته المرتقبة إلى ثلاث دول خليجية تبدأ من الرياض.
وذكرت المجلة أنه في الرياض، يتندر البعض بوصف دونالد ترامب بأنه “أول رئيس سعودي للولايات المتحدة”. مزحة تحمل في طياتها الكثير من الحقيقة، فترامب مثّل أكثر رؤساء أمريكا انسجامًا مع السعودية في القرن الحالي.
وأشارت إلى أنه بخلاف أوباما، الذي رأى في السعوديين شركاء “يأخذون دون أن يعطوا”، وبايدن الذي وعد بجعلهم “منبوذين”، لم يحمل ترامب للسعودية سوى الإعجاب والدعم، سواء في أسلوبه الحاكم الأقرب إلى النُظم الملكية، أو في تجاهله لملف حقوق الإنسان.
ولذا، لا عجب أن يستقبله السعوديون بحفاوة كبيرة خلال زيارته المرتقبة في 13 مايو، في مستهل جولة خليجية تشمل ثلاث دول. حفاوة تختلف كليًا عن الاستقبال الفاتر الذي قُدم لبايدن في زيارته عام 2022.
ومع ذلك، يبقى هذا الدفء الظاهري غطاءً لعلاقة معقدة؛ فالرؤى السعودية والأمريكية لمستقبل الشرق الأوسط لا تزال متباينة، كما كانت خلال ولايته الأولى.
في 2017، كانت السعودية مصدرًا رئيسيًا للفوضى في المنطقة. كان محمد بن سلمان، الذي صعد حينها سريعًا إلى مركز السلطة، قد بدأ حربًا دامية في اليمن، وفرض حصارًا على قطر، واحتجز رئيس الوزراء اللبناني، فضلًا عن حملة تطهير داخلية ضد الأمراء ورجال الأعمال.
وقد دعم ترامب تلك السياسات أحيانًا، لكنه اضطر لاحقًا إلى التعامل مع آثارها السلبية، خاصة الانقسام الخليجي.
أما اليوم، فقد تغير المشهد. فبينما بات ترامب هو من يُشعل التوترات الإقليمية—بقراراته العسكرية في اليمن وغزة، وباستمراره في فرض العقوبات على سوريا—اتخذت السعودية منحى أكثر براغماتية وهدوءًا. فرغم الدعم الأمريكي للهجمات الإسرائيلية في اليمن مؤخرًا، لم تعلّق الرياض.
بل إنها شعرت بالقلق من اتساع رقعة الصراع، خاصة وأن النفط، عماد اقتصادها، تضرر بانخفاض أسعاره بنسبة 22% منذ عودة ترامب إلى الحكم.
ورغم القلق، فإن السعودية لا تزال تسعى إلى لعب دور الوسيط والاستقرار. فقبل أيام فقط من زيارة ترامب، أوقف هجماته الجوية على الحوثيين بعد سبعة أسابيع من القصف، وهو ما فتح المجال مجددًا لجهود التهدئة التي تدعمها السعودية.
ثماني سنوات مرت منذ أن أصبح محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة. ويبدو أن سنوات الحكم جلبت معها نوعًا من النضج، أو على الأقل الواقعية السياسية. كما تغيرت دائرته المقربة. فوزير خارجيته الحالي، الأمير فيصل بن فرحان، يتمتع بثقل سياسي أكبر من سلفه، ويمثل صوتًا أكثر اتزانًا في السياسة الخارجية.
لكن التحول الأهم كان في الأولويات. فبدلًا من مغامرات خارجية مكلفة، بات الأمير محمد يركز على إنجاح “رؤية 2030″، خطته الطموحة لتنويع الاقتصاد وجذب الاستثمار والسياحة. ومع وجود تلك الأهداف، لم تعد المملكة تتحمل تبعات التورط في حروب إقليمية مفتوحة.
تجلى هذا التغير في السياسة السعودية بعدة خطوات: تسوية الأزمة الخليجية، إنهاء الحرب في اليمن، تحسين العلاقات مع إيران، واستعدادها للمساعدة في سداد ديون سوريا. كما تُشير تقارير إلى قرب رفع الحظر على سفر السعوديين إلى لبنان، في مؤشر على الثقة المتزايدة بالحكومة هناك.
في المقابل، لا تزال الولايات المتحدة تتلمس طريقها في المنطقة. فإدارة ترامب الثانية تتأرجح بين وعود إنهاء الحروب من جهة، وتصعيد الضغط على إيران ووكلائها من جهة أخرى.
وبينما يتحدث ترامب عن بناء شرق أوسط مزدهر، فإن سياساته—من عقوبات، وخفض مساعدات، وقيود تجارية—تخلق بيئة معاكسة لهذا الطموح.
لقد تغيّرت العلاقة السعودية الأمريكية منذ عام 1945، حين كانت قائمة على “النفط مقابل الحماية”. واليوم، تضعف هذه الصفقة التاريخية. يبحث الجانبان عن صيغة جديدة للتعاون، تشمل مصالح اقتصادية وأمنية مشتركة، مثل استقرار سوريا والتكامل الإقليمي.
لكن رغم هذا البحث، يظل الطابع “المعاملاتي” هو الغالب. فترامب يسعى للخروج من الرياض بوعود خيالية: استثمارات بمليار دولار، وصفقة أسلحة بـ100 مليار دولار. كلا الرقمين غير واقعيين؛ فالأول يعادل الناتج المحلي السعودي، والثاني يفوق ميزانية الدفاع السعودية.
أما السعوديون، فيأملون بالحصول على اتفاق دفاعي رسمي مع أمريكا. صحيح أن المملكة تغيّرت كثيرًا منذ ولاية ترامب الأولى، لكن علاقتها مع واشنطن ما تزال حبيسة مفاهيم الماضي.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=71523