تسعى المملكة العربية السعودية لتحقيق توازن بين واشنطن وموسكو لتعزيز نفوذها العالمي في ظل استضافتها المحادثات الرامية إلى إنهاء حرب روسيا على أوكرانيا.
وقالت صحيفة التايمز البريطانية إن استثمار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في حملة دونالد ترامب الثانية مكن الرئيس الأمريكي من اختار المملكة لاستضافة محادثات السلام في أوكرانيا. ومع ذلك، تتمتع المملكة أيضًا بعلاقات قوية مع روسيا والصين.
وبحسب الصحيفة فإن الدور الكبير الذي تلعبه السعودية في الوساطة ليس وليد الصدفة، بل جاء نتيجة سنوات من سياسة خارجية مدروسة بعناية، يقودها طموح ولي العهد محمد بن سلمان لتعزيز نفوذ المملكة عالميًا، وليس فقط على المستوى الإقليمي.
ويمثل ذلك تحولًا جذريًا عن الحقبة التي سبقت تولي الملك سلمان الحكم قبل عقد من الزمن، عندما كانت طموحات السعودية الدولية تركز على الدبلوماسية الاقتصادية.
وقد بدأ صعود محمد بن سلمان كحاكم فعلي للسعودية في نهاية ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما الثانية، حيث ركزت إدارة أوباما على توقيع الاتفاق النووي مع إيران، حتى لو تطلب الأمر تجاهل السياسات الإيرانية المزعزعة للاستقرار، وهو ما اعتبرته السعودية تقويضًا لمصالحها.
ومع وصول ترامب إلى الحكم، ألغت إدارته بعض سياسات أوباما، أبرزها الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ما فتح الباب لعلاقة جديدة بين واشنطن والرياض، حيث وصف ترامب المملكة بأنها “شريك ثابت”.
ورغم ذلك، لم ترغب السعودية تحت قيادة محمد بن سلمان في حصر علاقاتها في شراكة واحدة. فالحفاظ على مستقبلها السياسي والاقتصادي تطلب نهجًا متعدد الأطراف.
ولهذا، عززت الرياض تعاونها مع الصين في مجالات الطاقة والتكنولوجيا، وأبرمت صفقات استثمارية جديدة مع البرازيل، كما وقعت شراكة دفاعية مع فرنسا.
وبعدما أثبت ترامب توافقه مع السياسات السعودية، دعمت الرياض محاولته للفوز بولاية ثانية في عام 2020، لكن فوز جو بايدن دفعها إلى الحفاظ على علاقتها القوية مع الدائرة المحيطة بترامب تحسبًا لعودته.
وفي هذا السياق، استثمر صندوق الاستثمارات العامة السعودي ملياري دولار في شركة الأسهم الخاصة التي يديرها جاريد كوشنر، صهر ترامب، بعد مغادرته البيت الأبيض. كما استمرت العلاقات السياسية مع الحزب الجمهوري.
وعلى الرغم من الخلافات بين الرياض وموسكو بشأن الأزمة السورية، لم تقطع السعودية علاقاتها مع روسيا، ورفضت اتخاذ موقف ضدها بعد غزو أوكرانيا. ومنذ عام 2022، زادت صفقات الطاقة بين البلدين، كما ارتفعت واردات السعودية من المنتجات الزراعية الروسية.
ولكلا البلدين مصلحة في هذه العلاقة: روسيا تعوض بعض خسائرها نتيجة العقوبات الغربية، بينما تعتمد السعودية على تنويع اقتصادها لإنجاح رؤية 2030.
وقالت التايمز إن تركيز السعودية على أهدافها القومية تطلب تحقيق توازن في العلاقات الخارجية، رغم أن الولايات المتحدة تبقى الشريك الأهم للمملكة. ونجحت هذه الاستراتيجية، إذ يتضح أن شعار “أمريكا أولًا” في عهد ترامب يتماشى مع شعار “السعودية أولًا” لمحمد بن سلمان.
وأضافت أن سياسات ترامب تجاه الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك قضايا السياسة الخارجية الأخرى من الدفاع إلى التجارة، أظهرت أن العلاقات الأمريكية التقليدية مع الحلفاء والخصوم لم تعد كما كانت.
وبحسب الصحيفة فإن استثمار السعودية في عودة ترامب بدأ يؤتي ثماره. فبعد توليه الرئاسة مجددًا، امتدح ترامب صندوق الاستثمارات العامة السعودي، ودعا الولايات المتحدة إلى الاقتداء به. كما أشاد بالمملكة في خطابه خلال مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار” في ميامي الشهر الماضي.
وأعلنت السعودية استعدادها لزيادة استثماراتها في الولايات المتحدة إلى ما يتجاوز 600 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة.
وذكرت التايمز أن اختيار ترامب للسعودية لاستضافة محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا شكل إضافة مهمة لتحقيق طموحات المملكة في تعزيز مكانتها العالمية، وقد يمهد لمزيد من التعاون المثمر.
وبحسب الصحيفة فإن السعودية وإدارة ترامب تشتركان في هدف مواجهة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط. ومن المرجح أن تتبع واشنطن نهجًا أكثر صرامة من حملة “الضغط الأقصى” التي تبناها ترامب في ولايته الأولى.
ومع تراجع نفوذ إيران الإقليمي، يرى ترامب في السعودية شريكًا موثوقًا به في الأمن والجغرافيا السياسية. وعلى الرغم من أن الصراع بين إسرائيل وحماس لا يزال قائمًا، فإن براغماتية ترامب ومحمد بن سلمان قد تخلق صيغة لإحياء عملية السلام في المستقبل.
وإذا نجحت السعودية في التوصل إلى اتفاق دائم بشأن أوكرانيا، فلن يكون من المستبعد أن يُنظر إلى ترامب ومحمد بن سلمان كصانعي سلام تاريخيين. وهذا هو بالضبط التحول الذي تأمل السعودية في تحقيقه لتعزيز صورتها كقوة استقرار عالمية.
وختمت التايمز بأن فوز ترامب منح ولي العهد السعودي الفرصة التي انتظرها لسنوات، وهو لا ينوي التفريط بها.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=70923