يصبح من الواضح بشكل متزايد أن ماركو روبيو هو وزير الخارجية بالاسم فقط، فمنذ توليه وزارة الخارجية، بدا متأخرًا دائمًا خطوة أو خطوتين عن تصرفات الرئيس دونالد ترامب وقطب التكنولوجيا إيلون ماسك، حيث يظهر لتبرير القرارات أو مضاعفة الرهانات عليها، رغم أنها قد لا تكون اختياراته لو كان بالفعل هو من يدير الأمور.
إنه يتحدث (وينشر عبر الإنترنت) بنبرة مختلفة، متناقضًا مع مواقفه السياسية السابقة، ويبدو أنه لا يملك سيطرة تُذكر على تنفيذ حملة ترامب ضد القوى العاملة الفيدرالية.
يقول الديمقراطيون، الذين دعموا تعيين روبيو وزيرًا للخارجية على أمل أن يكون قوة مهدئة في الإدارة، إنهم قلقون بشكل متزايد من أن روبيو لا يتمتع بثقة الرئيس وليس له تأثير يُذكر على ماسك.
وقال السيناتور الديمقراطي عن ولاية كونيتيكت، كريس ميرفي: “القصة ببساطة هي أن روبيو ليس المسؤول الفعلي. لكنه مضطر للدفاع عن قرارات يتخذها آخرون للحفاظ على مظهر أنه صاحب القرار”.
إذن، من هو وزير الخارجية الحقيقي؟ أجاب ميرفي: “إيلون ماسك”.
حاول روبيو أن يترك بصمته، سواء من خلال الرحلات الخارجية أو التصريحات العلنية، لكنه لا يبدو كما كان من قبل، فقد كتب على منصة “إكس”: “جنوب إفريقيا تفعل أشياء سيئة للغاية”، وهي عبارة لا يمكن أن تمر في أي فصل دراسي بشأن الدبلوماسية العامة، لكنها تعكس غضب ترامب، وربما غضب ماسك المولود في جنوب إفريقيا، بشأن خطط الإصلاح الزراعي في البلاد.
أما رد فعل روبيو على اقتراح ترامب الجامح—حتى بمعايير ترامب—بأن تتولى الولايات المتحدة السيطرة على قطاع غزة وتطرد 2.2 مليون فلسطيني؟ فكان عبر نشر شعار: “لنجعل غزة جميلة مرة أخرى” على موقع اكس.
لكن الأمر لا يتعلق فقط بطريقة تقديم روبيو لرسالته، فقد غيّر السيناتور السابق عن ولاية فلوريدا مواقفه الأساسية بشأن العديد من القضايا، بما في ذلك تلك التي لم تكن مثيرة للجدل قبل أن يتولى ترامب منصبه في 20 يناير، فقد كان روبيو سابقًا من أشد المنتقدين للديكتاتوريات من هافانا إلى طهران، لكنه الآن يقف متفرجًا بينما تفقد المجموعات المعارضة لهذه الأنظمة تمويلها الأميركي، وكان يؤكد دائمًا أن الولايات المتحدة يجب أن تظل القوة المهيمنة عالميًا، لكنه الآن يقر بأن العالم متعدد الأقطاب أمر لا مفر منه—وهو تصريح ملفت بالنسبة لشخص يُعرف بتشدده ضد الصين وأثار دهشة الأوساط الأكاديمية.
كما أنه كان من المؤيدين البارزين لعمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، لكنه الآن يدعم تفكيكها، وكان يسعى لتعزيز العلاقات مع حلفاء أميركا، لكنه بات يروج لتهديدات ترامب بغزو هؤلاء الحلفاء أنفسهم.
ويقول المدافعون عن روبيو إنه تكيف مع صعود ترامب داخل الحزب الجمهوري، واقترب أكثر من نهج “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” الذي يركز على إنفاق الموارد داخل الولايات المتحدة بدلاً من الخارج، ولم يرد متحدث باسم وزارة الخارجية على طلبي للتعليق، لكن مسؤولًا بارزًا في إدارة ترامب، مقربًا من روبيو، تحدث عبر الهاتف وقال إن تصريح الوزير حول العالم متعدد الأقطاب كان مجرد تعبير عن الواقع كما يراه، لكنه لا يزال يؤمن بضرورة أن تبقى الولايات المتحدة القوة العالمية المهيمنة، وقد منح المصدر حق عدم الكشف عن هويته حتى يكون صريحًا بشأن هذا الموضوع الحساس.
ويضيف روبيو دائمًا وكأي سياسي متمرس، تحفظات في تصريحاته العامة يمكنه الاستشهاد بها إذا اتُّهم بالنفاق.
بالطبع، من واجب ترامب وضع السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وليس روبيو، وقد قال الأخير منذ البداية إنه سينفذ رؤية رئيسه، ومع ذلك، فإن معظم السياسيين الذين ينضمون إلى حكومة الرئيس يسعون لأن يكونوا أصحاب القرار، ويريدون وضع السياسات وصياغتها وقيادتها في مجالاتهم، ويريدون ممارسة السلطة، وليس مجرد اتباع الأوامر، ويريدون التأثير في سياسة الرئيس على الأقل.
شكك العديد من العاملين في مجال المساعدات الخارجية في أن روبيو سيظل وزيرًا للخارجية لفترة طويلة أو أن يكون له تأثير يُذكر على ترامب، وكان أحد الأسباب الرئيسية لذلك هو أنه كان ينافس العديد من المبعوثين الخاصين الذين كلفهم ترامب بملفات السياسة الخارجية، لكن دور ماسك فاجأ كثيرين—وأعتقد أنه فاجأ روبيو أيضًا.
كان قطب التكنولوجيا شرسًا بشكل مفاجئ في سعيه لتقليص القوى العاملة الفيدرالية وصياغة بعض قرارات السياسة الخارجية، فبالإضافة إلى كونه أغنى رجل في العالم (وهو من النوع الذي يمكنه تمويل حملة رئاسية مستقبلية)، يمتلك ماسك أيضًا منبرًا إعلاميًا هائلًا على منصة “إكس”، مما يشكل تهديدًا لأي سياسي يعارضه، ويبدو أن ترامب، يومًا بعد يوم، على استعداد لمنحه مزيدًا من السلطة.
ربما ينتظر روبيو أن يخفف ترامب من وتيرة إعلاناته السريعة حول السياسة الخارجية، وربما يأمل أن يتدخل طرف آخر—المحاكم؟ او الكونغرس؟ —لإزاحة ماسك إذا لم يفقد ترامب اهتمامه به قريبًا.
لكن روبيو يبدو مترددًا في استخدام سلطته—بما في ذلك نفوذه على الموظفين—لفرض أدنى مستوى من السيطرة الإدارية، فروبيو هو تقنيًا القائم بأعمال مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وقد وضع اسمه على عدد من البرقيات الموجهة إلى موظفيه والمذكرات المرسلة إلى الكونغرس التي تؤثر بشكل مباشر على الوكالة، بما في ذلك تنفيذ تجميد المساعدات الخارجية.
ومع ذلك، يبدو روبيو وكأنه مجرد متفرج بينما يتولى ماسك وأتباعه، إلى جانب مسؤولين معينين من قبل ترامب مثل رئيس المساعدات الخارجية بيت موروكو، هندسة القرارات الرئيسية. فهؤلاء هم من يكتبون الرسائل الحاسمة، ويقررون أي الموظفين سيتم طردهم، ويجرون مراجعات تفصيلية لبنود العقود والمنح.
ولم يتحرك روبيو إلا بعد أن حذره الديمقراطيون في الكونغرس من أن تجميد المساعدات—الذي صدر أحد أهم قراراته باسمه—سيؤدي حرفيًا إلى وفاة الناس، عندها فقط أعلن عن استثناءات للمساعدات “المنقذة للحياة”، ويتساءل المشرعون الديمقراطيون ومساعدوهم المطلعون على تلك المحادثات عما إذا كان روبيو قد فهم حقًا ما كان يوقع عليه. (كما أنه واجه صعوبة في تنفيذ تلك الاستثناءات جزئيًا بسبب وضع معظم موظفي الوكالة في إجازة).
كما فقد روبيو مصداقيته داخل أوساط موظفيه، مما قد يجعل من الصعب عليه تنفيذ سياسات مستقبلية، وادعى، دون تقديم أي دليل، أن كبار موظفي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، كانوا متمردين وحاولوا “تمرير مدفوعات سرًا” في انتهاك لتجميد المساعدات الخارجية.
وقد أثارت هذه الادعاءات استياء موظفي الوكالة الذين يصرون على أنها ادعاءات جائرة وغير دقيقة، كما أغضبت موظفي وزارة الخارجية الذين باتوا يرون روبيو شخصًا قد ينقلب عليهم، وقال أحد الدبلوماسيين الأميركيين: “كنت على الأقل آمل أن يدافع عنا قليلًا”.
واللافت أن العديد من الدبلوماسيين الأميركيين الحاليين والسابقين يقولون إنهم سيدعمون إصلاح البيروقراطية المرهقة في وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية لو تم التعامل معها بطريقة مختلفة، لكن روبيو لم يشرف على عملية إصلاح مدروسة وموجهة كما قد يُتوقع من مشرّع سابق أمضى وقتًا طويلًا في دراسة كيفية صنع السياسة الخارجية الأميركية.
كان بإمكانه منح منظمات المساعدات فرصة لإثبات استحقاقها للتمويل بدلًا من قطعه فورًا، وكان بإمكانه إجراء مراجعة شاملة لموظفي الوكالة واتخاذ قرارات مدروسة بشأن من يجب تسريحه، بدلًا من الموافقة على عملية تطهير جماعي مفاجئة، والآن، قد يجد نفسه يقضي وقتًا أطول مما ينبغي مع المحامين وفي جلسات الاستجواب.
عندما سألت مسؤولًا بارزًا في إدارة ترامب، مقربًا من روبيو، عما إذا كان الوزير يندم على العملية الفوضوية الجارية، أصر المسؤول على أن النتيجة هي الأهم، وقال: “لقد تحدث الناس عن تنفيذ هذه الإصلاحات لعقود، ولم يفعلوها. لقد أجروا عمليات، وشكّلوا لجانًا، وسنّوا تشريعات واكتفوا بالكلام فقط”، وأضاف: “هذه الفترة الانتقالية صعبة، لكن الهدف في نهايتها هو الحصول على سياسة خارجية وبرنامج مساعدات خارجية يتماشى مع المصالح الأميركية ويحترم أموال دافعي الضرائب”.
روبيو خطيب ماهر إلى حد كبير ويمكنه إقناع المشككين حتى، وقد حاول طمأنة الدبلوماسيين الأميركيين ونظرائهم الأجانب في الاحاديث الخاصة، وحثّهم على التحلي بالصبر، لكن الدبلوماسيين الأميركيين مدربون على التمييز بين الواقع والخطاب، فهم لا يرون استراتيجية—بل يرون معول هدم، وقال دبلوماسي أميركي آخر: “مسار الدمار واسع”.
ويستعد روبيو للتعامل مع اضطراب مماثل في وزارة الخارجية، حتى في الوقت الذي تشهد فيه الوكالة الأميركية للتنمية الدولية حالة من الفوضى.
وقال شخص مطلع على المناقشات الداخلية في الوزارة—حصل على حق عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخوّل بالحديث إلى الإعلام—إن روبيو يؤيد تقليص عدد الموظفين بنسبة لا تقل عن عشرين بالمائة وربما إغلاق عدد كبير من السفارات.
ربما تساعده سياسته القائمة على خفض الرأس والتماشي مع الوضع في الاحتفاظ بمنصبه كوزير للخارجية لفترة أطول مما يتوقعه كثيرون في واشنطن، وكما كتبت سابقًا، فإن تقويض ظهورك الى ادنى حد هو إحدى الطرق للبقاء في إدارة ترامب، ومع ذلك، رغم أن روبيو قد لا يملك السلطة الفعلية في وزارة الخارجية، إلا أنه لا يزال يتحمل المسؤولية عما يحدث هناك.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=70626