لأكثر من عقد من الزمن، كان المخدر غير المشروع “كبتاغون” يُنتج بكميات كبيرة في سوريا في مختبرات تابعة للنظام أو بتواطؤ معه، في ظل عقوبات غربية قاسية دفعت النظام إلى البحث عن مصادر تمويل جديدة. وقد كشفت تقارير إعلامية، من بينها تقرير مشترك مع معهد “نيو لاينز”، عن حجم هذه التجارة، التي استهدفت بشكل رئيسي الشباب في دول الخليج، لا سيما السعودية.
الكبتاغون، وهو نوع رخيص من الأمفيتامين، يُنتج بشكل يسير وسعره منخفض نسبياً، وقد غزا أسواق الشرق الأوسط، مما تسبب في أضرار اجتماعية هائلة. الحبوب المميزة التي تحمل شعار “أبو هلالين” (أبوالقمرين) هي الأكثر تداولاً في الأسواق، ومع ذلك فقد تم الكشف عن العديد من المعامل والمخازن المهجورة في المناطق التي كانت تسيطر عليها الحكومة السورية بعد انهيار النظام.
في 8 ديسمبر، فاجأت التطورات السياسية الجميع، حيث فر الرئيس بشار الأسد وعائلته إلى موسكو بعد انهيار النظام. ومع الخروج المفاجئ للأسد، تعرضت العديد من مختبرات إنتاج الكبتاغون للاكتشاف من قبل القوات المعارضة التي استعادت السيطرة على مناطق كانت خاضعة للحكومة.
وبالرغم من انهيار النظام السوري، لا يعتقد الخبراء أن تجارة الكبتاغون ستنتهي. وقالت كارولين روز، مديرة “محفظة النقاط العمياء الاستراتيجية” في معهد “نيو لاينز”، لـ “عرب نيوز” إننا سنشهد تحولات في التجارة، حيث بدأت جماعة “هيئة تحرير الشام” وبعض الفصائل في سوريا بإغلاق معامل الكبتاغون وتدمير الحبوب. ومع ذلك، يبدو أن هذا التحول سيؤدي إلى انتقال هذه المعامل إلى دول أخرى.
وأشارت روز إلى أن بعض التقارير تشير إلى أن بعض المختبرات بدأت تظهر في دول مثل العراق ولبنان وتركيا، بما في ذلك ظهور معامل في أوروبا مثل ألمانيا وهولندا، ورغم أن هذه الدول لا تشارك حكوماتها في التجارة، إلا أن التقارير تشير إلى أن النظام السوري كان متورطًا بشكل كبير في إنتاج الكبتاغون وتهريبه.
وعلى الرغم من أن الرئيس بشار الأسد كان يبتعد عن هذه التجارة علنياً، إلا أن أخاه ماهر الأسد كان مرتبطاً ارتباطًا وثيقًا بإنتاج وتهريب الكبتاغون، من خلال قيادته للفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري، ومع تدهور الوضع، تزايدت الشكوك حول مكان وجود ماهر الأسد، حيث تشير بعض التقارير إلى أنه قد يكون قد انتقل إلى إيران، بينما تقول أخرى إنه ربما تم القبض عليه من قبل جماعة “هيئة تحرير الشام”.
وفي الوقت الذي تنشط فيه الجهود للحد من تجارة الكبتاغون في المنطقة، أظهرت التقارير انخفاضًا في حجم المضبوطات في بعض الدول مثل السعودية والإمارات، حيث كانت السلطات تشير إلى أن النظام السوري كان يحاول أن يظهر أنه يتصدى لهذه التجارة في محاولة لتحسين علاقاته مع دول الخليج.
ومع ذلك، فإن هذه التغييرات في أساليب التهريب تشير إلى أن تجارة الكبتاغون لم تختف بعد. ففي الأردن، على سبيل المثال، لم تُسجل مضبوطات كبيرة منذ نوفمبر، كما لوحظ انخفاض في حجم الشحنات المهربة عبر البحر، مما يشير إلى أن المهرّبين يعملون الآن على تهريب كميات صغيرة عبر الطرق البرية.
بينما أعلن بعض القادة العسكريين المعارضة، مثل قائد “هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولاني، عن التخلص من الكبتاغون في سوريا، فإن كارولين روز ترى أن هذه التجارة ستظل قائمة، حيث لا تزال هناك أطراف كثيرة في سوريا ترغب في الاستفادة من هذه التجارة المربحة، وتضيف روز أن هذه التجارة، التي تكلف حوالي دولار واحد لكل حبة ويباع بمقدار 15 ضعفاً من هذا المبلغ، كانت تُدر على النظام السوري أكثر من ملياري دولار سنويًا.
وفي النهاية، أكدت روز أن الحوافز الاقتصادية الكبيرة التي يجلبها الكبتاغون، فضلاً عن التقاليد الجارية لسنوات في هذا المجال، تجعل من الصعب على أي حكومة جديدة في سوريا القضاء على هذه التجارة.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=69664