التكنولوجيا التناظرية تأسر القلوب في السعودية

تشهد المملكة العربية السعودية عودة ملحوظة للتكنولوجيا التناظرية، حيث يزداد الإقبال على الألبومات الصوتية والكاميرات الفيلمية، في عصر تهيمن فيه التكنولوجيا الرقمية.

 

تعكس هذه العودة مزيجًا من الحنين، والفن، والتقدير للتجربة الملموسة، مما يدل على تحول ثقافي أعمق نحو الوعي والنية.

 

وتحدثت “عرب نيوز” مع العديد من عشاق التكنولوجيا التناظرية ورجال الأعمال حول الجمال والتحديات والروابط الشخصية التي تقدمها هذه الوسائط مقارنة بنظيراتها الرقمية، وفقًا لفواز السليّم، صاحب متجر “بوهيميا ريكوردز”، فإن تجربة الاستماع إلى الموسيقى على الألبومات الصوتية أو الكاسيت تُقرب المستمع من الفنانين، مما يجعلهم يشعرون وكأنهم جزء من تجربة التسجيل، يقول السليم: “الاستماع إلى الألبوم كما هو مقصود يجعلك تعيش اللحظة”.

 

ولا يقتصر سحر الألبومات الصوتية على الصوت فحسب، بل يمتد إلى وجودها المادي، حيث يوفر الإمساك بسجل صوتي شعورًا بالملكية غالبًا ما يفتقر إليه المحتوى الرقمي، الذي يُعتبر رخصة عابرة، مع زيادة مبيعات الألبومات والأقراص المدمجة، يتضح أن هناك رغبة قوية لدى الناس في امتلاك وتقدير مجموعاتهم الموسيقية.

 

أما في عالم التصوير، فإن العودة إلى استخدام الأفلام تقدم تباينًا منعشًا مع الفورية التي تتميز بها الكاميرات الرقمية، يتحدث هيثم الشريف، مؤسس “هيثم ستوديو فيلم لاب” في الرياض، عن شخصية التصوير الفوتوغرافي الفيلمي، قائلاً: “يتطلب الأمر الصبر والتفكير والتواصل مع اللحظة. أنت حاضر تمامًا، تفكر في كل لقطة.”

 

شهد استوديو الشريف زيادة ملحوظة في اهتمام السعوديين بالتقاط اللحظات عبر الأفلام، حيث يخدم الآن آلاف العملاء من مختلف أنحاء الخليج، كما يشمل عملاؤه مصورين محترفين وطلابًا يجربون كاميرات آبائهم القديمة.

 

ورغم هذه الزيادة في الطلب، إلا أن تشغيل مختبر الأفلام ليس خاليًا من التحديات، كما يعتمد الشريف على آلات قديمة ومواد كيميائية متخصصة، مما يجعل من الصعب دائمًا الحصول عليها محليًا، ومع ذلك، يأمل في أن تدعم القطاعات الفنية والسياحية المتنامية في السعودية نمو هذه الصناعة.

 

بالنسبة لعشاق التكنولوجيا القديمة مثل زين المنصور، فإن الجاذبية تتجاوز الوظيفة البسيطة، “الاستماع إلى الموسيقى على الألبومات أو التقاط الصور بكاميرا قديمة هو متعة مشابهة لصنع القهوة الإسبرسو – تستمتع بالعملية بقدر ما تستمتع بالنتيجة النهائية.”

 

هذه الأجهزة التناظرية تحفز المستخدمين على تفاعل أكثر عمقًا، مما يشجع على تجربة أكثر تأملًا مقارنة بإشباع الرغبات الفورية في العصر الرقمي.

 

وترى بشاير البلويشي أن هناك جمالًا فريدًا في عيوب الوسائط التناظرية، والتي تبرز التفاصيل التي غالبًا ما تفوتها التنسيقات الرقمية، “يجب أن تلتقط لحظات مع نية، لا توجد مراجعة فورية، لذا تكون حذرًا بشأن كل إطار”، كما تقول البلويشي، مشيدةً بتجربة أعمق تقدمها الوسائط التناظرية.

 

وتحدثت سجا الزهراني عن كيف أن الوسائط التناظرية تسمح للناس باحتضان نهج أبطأ وأكثر وعياً، “هناك دفء في صوت الألبوم أو حبيبات الفيلم لا يمكن تكراره في الوسائط الرقمية.”

 

وتتجاوز قيمة الوسائط التناظرية الحنين الشخصي، حيث تعتبر إيبسام الدوسري أن الكاميرات ليست مجرد أدوات لتخزين الصور، بل حافظات للذكريات. “يمكن أن تختفي الملفات الرقمية، ولكن الصورة الفعلية تبقى.”

 

وفي عالم تهيمن عليه التكنولوجيا الرقمية، تقدم عودة الوسائط التناظرية جسراً بين الماضي والحاضر، مما يدعونا لإعادة الاتصال بالتقاليد الخالدة والتجارب المعنوية، بالنسبة لعشاق التكنولوجيا في السعودية، فإن هذا الإحياء ليس مجرد خطوة للوراء، بل هو إعادة اكتشاف نوع مختلف من الاتصال، حيث يتم تقدير كل صوت وصورة ولحظة بشكل كامل.

 

إن عودة الوسائط التناظرية تعيد تحديد كيفية تفاعل المجتمع السعودي مع التكنولوجيا، متجاوزةً اتجاه الاستهلاك السريع والوسائط العابرة. كل سجل يتم تشغيله، وكل صورة يتم تطويرها، تعكس اختيارًا واعيًا للانخراط بعمق مع التجربة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.