في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والسياسية، قامت قناة “MBC” السعودية بعرض تقرير وصف قيادات المقاومة الفلسطينية بـ”الإرهابيين”.
هذا التقرير جاء في وقت حساس، تزامن مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة، مما زاد من حدة التوترات في المنطقة وأدى إلى ردود فعل غاضبة في العراق.
التقرير الذي أعده محمد مشاري، والذي يحمل عنوان “ألفية الخلاص من الإرهابيين… الشخصيات التي روعت العالم وسفكت الدماء”، أدرج أسماء شخصيات بارزة في المقاومة الفلسطينية مثل يحيى السنوار وإسماعيل هنية، واصفاً إياهم بأنهم جزء من “الإرهاب”.
التقرير لم يكتف بذلك، بل تناول أيضًا شخصيات معروفة مثل أسامة بن لادن، مما يعكس رؤية مائلة نحو رواية الاحتلال.
هذا النوع من التقارير لا يقتصر فقط على تقديم معلومات، بل يسهم في تشكيل المفاهيم والأفكار حول المقاومة الفلسطينية، ويعزز من الصورة النمطية السلبية عنها، إذ يُعدّ هذا التقرير بمثابة محاولة لتبرير السياسات الإسرائيلية القمعية، ويعكس اتجاهًا نحو تقليل الدعم العربي للقضية الفلسطينية.
وأدى هذا التقرير إلى ردود فعل غاضبة في العراق، حيث اقتحم المئات من أنصار الفصائل المسلحة مكتب قناة “MBC” في بغداد، حيث قام المحتجون بتحطيم محتويات المكتب، وأحرقوا أجزاء منه، معبرين عن رفضهم الشديد للتقرير.
وتأكيدًا على الغضب الشعبي، هتف المتظاهرون بشعارات تدعم المقاومة الفلسطينية وتندد بالسعودية وأمريكا، مما أظهر حجم الغضب الذي يشعر به المواطنون تجاه هذه الرواية.
بدورها حركة حماس لم تتأخر في إدانة التقرير، حيث أصدرت بياناً حذرت فيه من العواقب الوخيمة لهذا النوع من الخطاب الإعلامي، وطالبت القناة بالاعتذار وإزالة التقرير من منصاتها، معتبرة أن هذا التوجه يمثل سقوطًا مهنيًا وأخلاقيًا يتماشى مع الدعاية الصهيونية.
وأكدت حماس أن الإعلام يجب أن يكون صوتًا للحق، وليس وسيلة لتشويه الحقائق.
من جهة أخرى إن تبني MBC لرواية الاحتلال يعكس تحولًا خطيرًا في السياسة الإعلامية في العالم العربي، بينما يُعتبر الإعلام أداة لنقل الحقائق وتوعية الجمهور، فإن هذا النوع من التقارير يُسهم في تشويه الحقائق التاريخية ويعزز الفهم الخاطئ للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
في الوقت الذي تحتاج فيه القضية الفلسطينية إلى دعم إعلامي متعاطف، نجد أن بعض المنصات تتبنى روايات تؤدي إلى تهميش المقاومة وصوتها، هذا التوجه يتناقض مع المبادئ الأساسية للصحافة، التي يجب أن تسعى إلى تقديم الحقيقة، مهما كانت صعبة.
ولا يخفى على أحد أن الإعلام لديه القدرة على تشكيل الرأي العام وتوجيهه، وفي حالة MBC، فإن تبنيها لرواية الاحتلال قد يساهم في ترسيخ الصورة السلبية عن المقاومة الفلسطينية في عقول المشاهدين، مما قد يؤثر على دعم الشعوب العربية لقضية فلسطين، هذا التأثير قد يمتد إلى الأجيال القادمة، حيث يمكن أن تُعتَبَر الروايات المضللة جزءًا من التاريخ.
وفي سياق الأحداث الأخيرة، نجد أن الدول العربية تتباين في مواقفها تجاه القضية الفلسطينية، بينما تسعى بعض الدول إلى التطبيع مع إسرائيل، تظل أخرى تدعم المقاومة الفلسطينية.
هذه التباينات تُظهر كيف أن السياسة يمكن أن تؤثر على الإعلام، وكيف أن الإعلام يمكن أن يعكس السياسات الحكومية.
وتظهر الاحتجاجات التي اندلعت في العراق أن هناك رفضًا شعبيًا واسعًا للأصوات التي تُحاول تشويه صورة المقاومة الفلسطينية، إن هذه التحركات تعكس الحساسيات العميقة التي يشعر بها المواطنون العرب تجاه القضية الفلسطينية، والتي تُعتبر قضية مصيرية.
وفي ظل تصاعد الأحداث، نجد أن العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل قد شهدت تحولات ملحوظة، ففي سبتمبر 2023، كانت المملكة العربية السعودية وإسرائيل على عتبة تطبيع علاقتهما برعاية أميركية، ولكن العدوان الإسرائيلي على غزة دفع السعودية إلى تعليق المفاوضات، هذا التطور يعكس كيف أن العدوان الإسرائيلي يمكن أن يُعيد ترتيب الأولويات السياسية في المنطقة.
إن ما حدث مع تقرير “MBC” يسلط الضوء على التحديات التي تواجه الإعلام العربي في ظل الأزمات السياسية والإنسانية، كما يجب على الإعلام أن يكون صوتًا للعدالة والحق، وليس أداة للتضليل والتشويه. إن دعم المقاومة الفلسطينية يتطلب أكثر من مجرد كلمات، بل يحتاج إلى موقف إعلامي يعي خطورة الموقف ويدعم حقوق الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال.
كما يجب أن يستعيد الإعلام العربي دوره الحقيقي في دعم القضايا العادلة، وأن يتجنب الانزلاق نحو روايات الاحتلال التي تسعى إلى كتم الأصوات الحرة وتضليل الناس.
إن المسؤولية تقع على عاتق الإعلام في تقديم رؤية موضوعية تعكس المعاناة الحقيقية للشعب الفلسطيني، وتساهم في تعزيز الوعي بحقوقهم ومطالبهم المشروعة.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=68454