رصدت دراسة بحثية صدرت عن معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (IRIS)، تفاصيل أزمة العلاقات والتوتر الدبلوماسي المتصاعد بين دولة الإمارات العربية المتحدة والجزائر وتأثيرها على الأوضاع الإقليمي.
وذكرت الدراسة أنه في حين كانت العلاقات بين الجزائر والإمارات مستقرة في ظل رئاسة عبد العزيز بوتفليقة (1999-2019)، فقد تدهورت بشكل حاد منذ وصول عبد المجيد تبون كرئيس للدولة.
وقالت الدراسة إن انتخاب تبون في عام 2019 – في أعقاب حركة الاحتجاج الشعبية التي أسقطت نظام بوتفليقة وقاد العديد من أفراد عشيرته إلى السجن – تميزت بالفعل بتدهور تدريجي ومستمر في العلاقات مع الإمارات، المتهمة بالسعي إلى زعزعة استقرار الجزائر.
وذكرت أنه بصرف النظر عن الجانب الدبلوماسي الثنائي، قد يكون لتفاقم الأزمة بين الجزائر وأبو ظبي عواقب اقتصادية، ليس فقط على البلدين، ولكن أيضا على شركائهما الأجانب.
غضب الجزائر العلني من أبو ظبي
في البداية كانت الانتقادات والهجمات التي تستهدف الإمارات خجولة في البداية، وبدأت تكتسب زخما في صيف عام 2023 في وسائل الإعلام الخاصة الجزائرية، المعروفة بقربها من صناع القرار.
وأبرز مثال على ذلك هو إعلان وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية “النهار” عن طرد سفير الإمارات في الجزائر بسبب قضية تجسس.
وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية الجزائرية سرعان ما نفت هذه المعلومات وأدت إلى إقالة وزير الاتصال في ذلك الوقت، إلا أن الكثيرين اعتبروها علامة تمهيدية تؤكد تدهور العلاقات بين البلدين.
علاوة على ذلك، بعد بضعة أشهر من هذه القضية، عادت الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، إلى توجيه الاتهام ضد الإمارات، بتأكيدها أن الإمارات “أعلنت الحرب” على الجزائر.
وقد تحولت هذه الأزمة الكامنة بين الجزائر وأبو ظبي، المستمرة منذ أكثر من عامين، إلى أزمة مفتوحة عندما عقد الرئيس الجزائري المجلس الأعلى للأمن (HCS) في 10 يناير، والذي يجمع رئيس الدولة والوزارات الرئيسية ورئيس أركان الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية المختلفة.
وبهذه المناسبة، أعرب المجلس الأعلى في بيان له عن “أسفه إزاء الأعمال العدائية ضد الجزائر، الصادرة عن بلد عربي شقيق” في صيغة دبلوماسية تستهدف بالتأكيد الإمارات.
وفي مقابلة بثها التلفزيون الجزائري العام في 30 آذار/مارس، عاد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مرة أخرى إلى العلاقات المتوترة مع الإمارات، ولكن دون تسميتها.
فقد بتبني لهجة اتهامية، ووصف أفعالهم بأنها “غير منطقية”، معتبرا أن قادة هذا البلد قد قادوا إلى “الخطيئة”، وأنه “أينما كانت هناك صراعات، فإن أموال هذه الدولة موجودة”، قبل أن ويضيف بطريقة تهديدية أن “الصبر له حدود”.
وفي حين أن السلطات الجزائرية لم تحدد طبيعة “الأعمال العدائية” الإماراتية ضد الجزائر، إلا أن وسائل الإعلام الوطنية (الخاصة والعامة) وبعض السياسيين المقربين من صناع القرار الجزائريين كانوا أكثر وضوحا.
إذ تتهم الجزائر الإمارات إلى جانب المغرب بالضغط داخل جامعة الدول العربية ومع بعض الدول الأفريقية لتعميم تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
علاوة على ذلك، يبدو أن تدهور العلاقات بين الجزائر وأبو ظبي يتزامن مع توقيع اتفاقيات إبراهيم في عام 2020.
وترى الجزائر، التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، أن توسيع الوجود الإسرائيلي في المغرب العربي والساحل يشكل تهديدا مباشرا لأمنها.
ثانيا، الإمارات متهمة بتسليم المغرب أنظمة مراقبة وتجسس إسرائيلية جديدة – بخلاف بيغاسوس – تستهدف الجزائر، مع العلم أنه قد ازداد التعاون العسكري بين الرباط وأبو ظبي بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
كما أن انحياز الإمارات الملحوظ للغاية مع الأطروحات المغربية المتعلقة بالصحراء الغربية، يثير أزمة علاقات مع الجزائر.
كما تشتبه السلطات الجزائرية في أن الإماراتيين يتآمرون (مع المغرب وإسرائيل) لزعزعة استقرار البلاد وتحدي نفوذها في منطقة الساحل وشمال إفريقيا.
ولتحقيق هذا الهدف، يشتبه في أن الإماراتيين يلعبون لعبة غامضة في البلدان المجاورة للجزائر، وخاصة في تونس وليبيا ومالي.
وتعد الحالة الليبية توضيحية جدا في هذا الصدد. إذ بينما تدعم الجزائر رسميا الحكومة في طرابلس المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، تدعم الإمارات المشير خليفة حفتر.
كما دفعت أبو ظبي إلى الضغط على الولايات المتحدة بقوة لحمل مجلس الأمن الدولي على رفض ترشيح الدبلوماسيين الجزائريين، رمطان لعمامرة (أبريل 2020) وصبري بوقادوم (يونيو 2022)، لمنصب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا.
وفي منطقة الساحل، تتهم الإمارات أيضا بممارسة الضغط ضد الجزائر. اتهمت بعض الأصوات في الجزائر العاصمة أبو ظبي بالوقوف وراء التوترات الأخيرة مع باماكو، خاصة بعد قرار السلطات المالية في يناير الماضي بوضع حد لاتفاقات الجزائر للسلام الموقعة في عام 2015 مع الجماعات المتمردة في شمال مالي.
وتلعب الإمارات دورا متزايد الأهمية في منطقة الساحل، وخاصة في مالي، من خلال استراتيجية متعددة القطاعات (الاستثمار الاقتصادي، والمساعدات الإنسانية، والشراكات العسكرية والأمنية، وما إلى ذلك).
كما كشفت العديد من وسائل الإعلام عن استعداد الإمارات العربية المتحدة لتقديم الدعم المالي والفني لمشروع خط أنابيب الغاز المغربي الأفريقي الأطلسي.
وهذا المشروع، الذي يخطط لتوصيل الغاز الطبيعي إلى أوروبا من نيجيريا عبر 13 دولة في غرب وشمال إفريقيا، تعتبره الجزائر خطة مغربية لإحباط مشروع خط أنابيب الغاز لربط الجزائر ونيجيريا عبر النيجر.
وفي مواجهة هذه “السلوكيات العدائية” من قبل الإمارات، يبدو أن الجزائر بدأت في اتخاذ تدابير انتقامية، لا سيما اقتصادية.
وفي يناير الماضي، أكدت وزارة العدل الجزائرية أنه لا ينبغي توقيع المزيد من العقود الخاصة فيما يتعلق بشركة التبغ الجزائرية الإماراتية (STAEM) والشركة المتحدة للتبغ، وهي مشروع مشترك جزائري إماراتي.
كما أن المشاريع الأخرى التي أطلقتها الشركات الإماراتية متوقفة، بما في ذلك المشاريع العقارية والسياحية، أو المقدمة للتحكيم الدولي، مثل قضية بارك دي غراند فينتس في الجزائر العاصمة.
ولا يمكن استبعاد أن هذا النوع من التدابير قد يمتد في المستقبل، اعتمادا على تطور الوضع ، إلى شركات أخرى مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالإمارات.
وعليه يظهر غضب الجزائر العلني من أبو ظبي أن القنوات الدبلوماسية التقليدية، التي ينبغي أن تجعل من الممكن من حيث المبدأ تسوية الأزمات الثنائية بتكتم، لم تعد تعمل أو تعمل بشكل سيء للغاية.
وإن العرض العلني لهذه الأزمة هو في الواقع مثال على فقدان الثقة بين الدولتين، ويمكن أن يكون نذيرا بتدهور أكبر في العلاقات في المستقبل القريب، وإذا لم نصل بعد إلى مرحلة القطيعة الدبلوماسية، فإن جميع الفرضيات تظل مفتوحة.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=67362