اعتبرت دراسة تحليلية أن عقدين من الاضطرابات السياسية في الكويت وصلا إلى ذروتها مساء يوم العاشر من مايو عندما أعلن الأمير مشعل الأحمد الصباح أنه سيعلق عمل مجلس الأمة لمدة تصل إلى أربع سنوات، إلى جانب وقف العمل بسبع مواد من دستور البلاد لعام 1962 تتعلق بالسلطات البرلمانية.
وقالت الدراسة الصادرة عن موقع المركز العربي في واشنطن، إن هنالك مسائل عديدة توفر السياق لقرار إخضاع النظام السياسي لعملية إعادة ضبط صارمة تؤدي، على الأقل في الوقت الحالي، إلى إلغاء وجود الهيئة البرلمانية الأكثر حيوية وانخراطًا في الخليج.
وأفادت الدراسة أنه ترتبط هذه المسائل أساساً بسنوات الجمود بين الحكومات والبرلمانات المتعاقبة، الأمر الذي أعاق الكويت بشكل متزايد في منطقة سريعة الحركة، فضلاً عن الشعور بأن الركود يزداد سوءاً.
وبحسب الدراسة هناك عاملا إضافيا فريدا من نوعه بالنسبة للحالة الكويتية في الخليج، يتعلق بسياسة الخلافة، حيث كان لمجلس الأمة دور في الموافقة على اختيار الحاكم لولي العهد، ويأتي هذا على خلفية التحول بين الأجيال على النمط السعودي، حيث يقترب خط الأخوة الذي حكم الكويت بشكل شبه مستمر منذ عام 1977 من نهايته الطبيعية.
المؤسسات التمثيلية متأصلة بعمق في المشهد السياسي الكويتي بطرق تسبق وتتجاوز إلى حد كبير أي دولة خليجية أخرى حيثُ تم انتخاب مجلس استشاري في وقت مبكر من عام 1921، أضعفته المنافسات الشخصية وسرعان ما تم حله.
أعقبه في عام 1938 مجلس تشريعي أكثر قوة سعى للسيطرة على سلطة صنع القرار، ولم تستمر هذه الهيئة أيضًا إلا أشهرًا قبل أن يتم إغلاقها بالقوة في عام 1939، لكن الشخصيات الرئيسية في مجلس 1938، بما في ذلك رئيسه عبد الله السالم الصباح، ستلعب دورًا محوريًا في صياغة الترتيبات الدستورية في أوائل الستينيات.
والتي بموجبها في ذلك الوقت كان عبد الله السالم حاكماً للكويت المستقلة حيث تم انتخاب جمعية دستورية في ديسمبر 1961 لوضع الدستور، الذي صدر في نوفمبر 1962، تلته انتخابات الجمعية الوطنية الأولى في يناير 1963.
ومع ذلك، فإن مسار السياسة البرلمانية في الكويت لم يكن سلسا، فقد شابت انتخابات مجلس الامة في عام 1967 مزاعم بتزوير الأصوات، في حين تم تعليق الجمعية تمامًا في مناسبتين، الأولى بين عامي 1976 و1981 ومرة أخرى من عام 1986 إلى عام 1992.
وقد حدثت فترتا التوقف الطويلتين خلال أوقات الاضطرابات الإقليمية الكبيرة، مما زاد من حساسية المناقشات السياسية الداخلية في الكويت، وقام أعضاء سابقون في البرلمان ومنظمات المجتمع المدني بالتعبئة في كل مرة للضغط على السلطات لاستعادة الدستور وإعادة البرلمان، وكانت الحركة المؤيدة للديمقراطية في الفترة 1989-1990 قوية بشكل خاص.
يتذكر التاريخ الغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990، لكنه يتجاهل المواجهة السياسية التي استمرت لأشهر والتي سبقتها. لقد كسر الاحتلال العراقي المأزق، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى لقاء في المنفى في جدة بين آل الصباح وشخصيات كويتية بارزة في أكتوبر 1990، وكذلك الضغط الأمريكي على الأمير لإعادة انعقاد المجلس بعد انتهاء حرب الخليج في فبراير 1991.
أجرت الكويت أول انتخابات لها بعد الحرب في أكتوبر 1992، وعلى مدى العقد الذي أعقب التحرير، أكمل مجلس الأمة فترتين كاملتين مدة كل منهما أربع سنوات (1992-1996 و1999-2003) واستمر لمدة ثلاث سنوات في الفترتين 1996-1999 و2003-2006.
لكن الأعوام الثمانية عشرة منذ عام 2006 شهدت عشر انتخابات حيث استمر برلمان واحد فقط (2016-2020) لفترة ولاية كاملة، بعد سلسلة من خمس انتخابات في خمس سنوات بين عامي 2008 و2013 وثلاثة انتخابات أخرى في ثمانية عشر شهرًا بين سبتمبر 2022 وأبريل 2024.
ساهمت دورة شبه مستمرة من الصراع بين النواب المنتخبين والحكومات المعينة من قبل الأمير، والتي تخللتها استقالات منتظمة لمجلس الوزراء واستجواب النواب العدائي للوزراء، في تآكل الثقة والانهيار التدريجي في علاقة العمل بين البرلمان والحكومة.
وتسبب ذلك في تأخير وعرقلة متكررة في اتخاذ القرار، مما أثر سلباً على تنفيذ مشاريع البنية التحتية والاستثمار مثل مصفاة الزور الجديدة، فضلاً عن إقرار التشريعات مثل قانون الديون المحدث.
وبالتالي، فإن تعليق الأمير مشعل لأعمال مجلس الأمة الشهر الماضي قد يُنظر إليه على أنه نهاية للتسوية السياسية التي أعقبت حرب الخليج في الكويت، وهي اللحظة التي قوبلت باقل درجة من الاهتمام في الولايات المتحدة وبردود فعل صامتة في دول الخليج وكذلك في الكويت نفسها.
على الرغم من أن قرار إلغاء المجلس وتعليق سبع مواد في الدستور تتعلق بدور المجلس في عملية الحكم جاء بمثابة مفاجأة للكثيرين، إلا أنه لم يكن بمثابة صدمة للمراقبين عن كثب للسياسة الكويتية (تشمل المواد المعلقة المادة 51 التي تخول السلطة التشريعية لمجلس الأمة وللأمير، والمادة 79 التي تلزم المجلس بالتصديق على القوانين، والمادة 107 التي تقضي بإجراء انتخابات جديدة خلال شهرين من حل المجلس) المجلس السابق وأخيراً وليس آخراً، المادة 181 التي تحظر تعطيل الدستور وتمنح النواب الحصانة إلا في حالة الأحكام العرفية).
لقد عمل مشعل كزعيم فعلي منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عندما دفعه تدهور صحة نواف إلى نقل بعض واجبات الأمير الدستورية اليه، وخلال حياته المهنية في أمن الدولة والحرس الوطني.
وكان تعيين مشعل غير متوقع إلى حد ما وليًا للعهد عندما أصبح نواف أميرًا في سبتمبر 2020، لأنه ظل بعيدًا عن الاقتتال بين الفصائل في الوقت الذي سعى فيه كبار أعضاء الأسرة الحاكمة الآخرين لوضع أنفسهم في خط الخلافة في عهد صباح الأحمد (2006-2020).
إن الخلفية الأمنية لمشعل تعني أن الكثيرين في الكويت ينظرون إليه بدرجة من الحذر، وخاصة أولئك الذين يتعاطفون مع المعارضة السياسية حيث يعتبرونه “الرجل القوي” ويربطونه بقمع المظاهرات العامة خلال حقبة الربيع العربي 2011-2012.
في يونيو/حزيران 2022، وفي خضم مواجهة مطولة بين الحكومة والبرلمان، والتي كانت غير عادية حتى بالمعايير الكويتية، ألقى مشعل خطابًا متلفزًا أعلن فيه حل مجلس الأمة ودعا إلى انتخابات جديدة وقد تطرق بشكل مباشر، وهو يتحدث نيابة عن الأمير، إلى انهيار علاقة العمل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
كما حث الكويتيين على “عدم تفويت فرصة تصحيح مسار المشاركة الوطنية حتى لا نعود إلى ما كنا عليه من قبل”، مضيفاً أن “هذه العودة لن تكون في مصلحة الوطن والمواطنين، وفي حال عودتها ستكون أمامنا إجراءات أخرى ذات أثر كبير”.
في ذلك الوقت، اُعتبر تصريحه بمثابة تحذير من أن صبر الأسرة الحاكمة على النظام السياسي بدأ ينفد، وأن القيادة مستعدة لاتخاذ مزيد من الإجراءات إذا لم تؤدي الانتخابات البرلمانية، التي أجريت في سبتمبر 2022، إلى التغيير في الممارسة العملية.
وما حدث بعد ذلك على الأرجح كان القشة التي قصمت ظهر البعير.
كانت الكويت تترنح من أزمة سياسية إلى أخرى حيث استمر مجلس الأمة المنتخب في سبتمبر/أيلول 2022 أقل من ستة أشهر حتى ألغت المحكمة الدستورية نتائج الانتخابات في مارس/آذار 2023، على أساس تضارب المرسوم الذي أدى إلى حل البرلمان السابق.
وفشلت الانتخابات الجديدة التي أجريت في يونيو/حزيران 2023 في كسر الجمود، حيث تم إعادة انتخاب العديد من النواب في المجلس الملغى ليتم حل المجلس نفسه في فبراير شباط 2024 بسبب التصريحات “العدائية وغير المنضبطة” التي أدلى بها النواب والتي بدت مرتبطة بتعليقات بشأن خطاب تنصيب مشعل كحاكم.
وبعد اجراء انتخابات في الرابع من أبريل 2024، التي أعادت مرة أخرى العديد من شاغلي المناصب من المجلسين السابقين، رفض رئيس الوزراء ذو الكفاءة العالية، محمد صباح الصباح، الذي كان في منصبه لمدة أربعة أشهر فقط، قيادة حكومة جديدة.
محمد، الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد والذي لقيت عودته إلى الحياة العامة في يناير بعد ما يقرب من 13 عامًا، ترحيبًا واسع النطاق، اُستبدل بأحمد عبد الله الصباح، وزير المالية والنفط السابق الذي تم تعيينه مؤخرًا في عام 2018. 2021، كان رئيساً لديوان مشعل، وبعد أسبوع واحد من الانتخابات، قام مشعل بتأجيل انعقاد البرلمان الجديد حتى 14 مايو/أيار، في انتهاك واضح للمادة السابعة والثمانين من الدستور، التي تلزم المجلس بالاجتماع خلال أسبوعين من التصويت.
التأخير لم يكن غير مسبوق، لأنه حدث في عام 2022، الا ان الانعقاد المتوقع لمجلس النواب الجديد في 14 مايو/أيار قد تم تجاوزه عندما قرر الأمير في العاشر من مايو/أيار تعليق عمل المجلس.
لقد أشار مشعل، لدى إعلانه تعليق أعمال المجلس والمواد السبع من الدستور، إلى “صعوبات ومعوقات لا يمكن تصورها ولا تحتمل”، مما يعني أن “الاضطرابات الأخيرة في المشهد السياسي الكويتي وصلت إلى مرحلة لا يمكن أن نبقى صامتين فيها” وأضاف أنه “لن يسمح… باستغلال الديمقراطية لتدمير الدولة”.
ودون الخوض في مزيد من التفاصيل، ادعى الأمير أن جهات سياسية لم يذكر اسمها تتدخل في عملية اختيار ولي العهد. وبموجب المادة الرابعة من الدستور، يجب تعيين ولي العهد خلال سنة واحدة من وصول الأمير إلى السلطة والحصول على موافقة أغلبية مجلس الأمة.
وفي الأول من حزيران/يونيو، أي بعد ستة أشهر تقريبًا من توليه منصب الأمير، عيّن مشعل صباح الخالد الصباح، رئيس الوزراء السابق (2019-2022) ووزير الخارجية (2011-2019) وريثًا واضحًا له.
ورأت الدراسة أن تسمية صباح الخالد ولياً للعهد يزيل أحد عناصر عدم اليقين بشأن اتجاه القيادة في الكويت، وقد ينهي المناوشات بين كبار الشخصيات في الأسرة الحاكمة الذين كانوا يتخيلون فرصة دخول خط الخلافة.
ورغم أن صباح لا ينتمي إلى خطي الجابر والسالم اللذين حكما الكويت منذ عام 1915، وبالتالي يكسر القالب، إلا أنه يرتبط بكل منهما من خلال جده لأمه من جانب آل جابر ووالد زوجته من جانب آل سالم.
ويعد صباح البالغ من العمر واحدًا وسبعين عامًا خيارًا متوازنًا تمامًا كخليفة نهائي للحاكم البالغ من العمر 83 عامًا ويعطي القدرة على التنبؤ للمضي قدما في الكويت، بفضل عقود من الخبرة في وزارة الخارجية، بما في ذلك ثلاث سنوات كسفير لدى المملكة العربية السعودية في التسعينيات، وكذلك في الأمن القومي.
ومع خروج مجلس الأمة من الصورة، أدى صباح اليمين الدستورية على الفور في 2 حزيران/يونيو أمام مجلس الوزراء، مما يدل بشكل واضح على تحول السلطة السياسية من السلطة التشريعية إلى السلطة التنفيذية.
سيعتمد الكثير من مستقبل الكويت على ما ستفعله الحكومة الآن بعد أن لم يعد البرلمان قادرًا على العمل ككابح لتطوير وتنفيذ السياسات في الداخل.
وإذا تمكن المسؤولون من المضي قدماً في التدابير التي تحقق تقدماً ملموساً في تطوير البنية التحتية القديمة في الكويت وتنويع الاقتصاد المعتمد على النفط بشكل مفرط، فقد يكونون قادرين على تطوير سرد يبرر الإجراءات الثقيلة التي اتخذها الأمير وقد يصبح هذا واضحاً على مدى فترة من السنوات.
وربما يكون هذا هو السبب الذي دفع الأمير مشعل إلى تقديم جدول زمني يصل إلى أربع سنوات لتعليق الحياة البرلمانية ولكن إذا لم تحدث تغييرات تُذكر في الواقع، فهناك خطر يتمثل في أن يؤدي غياب مجلس الامة إلى ردة فعل عامة عنيفة إذا تزايد عدم الرضا عن الوضع الراهن.
حتى الآن، لم يحدث تكرار للمظاهرات الحاشدة التي ميزت المواجهة الكبرى الأخيرة في الفترة 2011-2012 ولكن في فترتي التعليق الطويلتين السابقتين في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، استغرق الأمر سنوات حتى بدأت الضغوط العامة والسياسية في إعادة المجلس إلى عمله، وقد يحدث نفس الشيء هذه المرة.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=67269