تظهر مصر مجددا في صدارة مشهد الوساطة لتخفيف حدة حرب إسرائيل المتواصلة على قطاع غزة للأسبوع الثاني بعد هجوما غير مسبوق أطلقته حركة حماس تحت اسم “طوفان الأقصى”.
ومع بدء التصعيد أصدرت الحكومة المصرية بيانا عقب الهجمات مباشرة حذرت فيه من “المخاطر البالغة لتصعيد العنف بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، إثر سلسلة من الهجمات ضد المدن الفلسطينية” دون أن تشير إلى اقتحام حماس لإسرائيل.
وهذا البيان يتماشى مع بيانات معظم الدول العربية التي ألقت باللوم على إسرائيل بشكل رئيسي على العنف، وخاصة بناء المستوطنات في الضفة الغربية وتصرفاتها في قطاع غزة.
وفي 15 أكتوبر، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن عمليات الجيش الإسرائيلي تجاوزت أي رد متناسب على هجمات 7 أكتوبر وأصبحت شكلاً من أشكال العقاب الجماعي.
والسيسي بحاجة إلى الحذر في إدارة الصراع نظراً لعدم شعبيته وسط الأزمة الاقتصادية الحالية في مصر، والمشاعر المؤيدة لفلسطين بشكل واسع بين الجمهور المصري، فالسيسي غير محبوب بسبب سوء تعامله مع الاقتصاد المصري.
وهو بالتأكيد يعلم أن مجموعة من المنظمات المشاركة في انتفاضة يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس المصري حسني مبارك نشأت من مجموعات تضامنية مؤيدة لفلسطين ظهرت خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
هل ستقبل مصر الفلسطينيين؟
هناك أربعة أسباب مترابطة تفسر لماذا أصرت الحكومة المصرية، التي كانت شريكة كاملة مع إسرائيل في حصار استمر سنوات على غزة، على أن تسمح إسرائيل بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة بدلاً من السماح للغزيين بالفرار إلى شبه جزيرة سيناء المجاورة.
أولاً: مصر لا تريد أن تتحمل مسؤولية موجة من اللاجئين الفلسطينيين فالبلاد تكافح بالفعل لإدارة تدفق الأشخاص الفارين من الحرب الأهلية في السودان.
وحتى لو لم يكن هناك 317 ألف سوداني يسعون للأمان في مصر حاليًا فالحكومة المصرية لا تملك الموارد لإدارة أعداد كبيرة من الفلسطينيين الذين يمكن أن يصلوا إلى سيناء – وهي منطقة بعيدة عن القاهرة وشهدت مشاكل مع التطرف.
ثانيًا: مصر قلقة من التهديدات المحتملة لأمنها نظرًا للروابط بين حماس وتنظيم ولاية سيناء المنتسب لتنظيم الدولة، الذي تحاربه مصر منذ حوالي عشر سنوات في شمال سيناء، ويخشى قادة مصر أن السماح بأعداد كبيرة من الفلسطينيين دخول أراضيهم سيعزز الروابط بين هذه القوى.
ثالثًا: حكومة مصر تحافظ من حيث المبدأ على أن محنة الفلسطينيين في قطاع غزة هي مسؤولية إسرائيل.
رابعًا: تخشى مصر أن تحاول إسرائيل تحميل القاهرة مسؤولية غزة فقد احتلت مصر الإقليم حتى حرب 1967 ضد إسرائيل عندما فرت القوات المصرية من غزة وعلى مر السنين، تحدث مسؤولون إسرائيليون من حين لآخر عن “حل عربي” لحكم غزة وتفسر القاهرة ذلك على أنه وسيلة لدفع إسرائيل الإقليم وسكانه البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة إلى مصر.
كيف تبدو العلاقة بين مصر وحماس؟
كانت العلاقة بين الحكومة المصرية وحماس غير مستقرة، فقد تم إنشاء حماس من فرع فلسطين للإخوان المسلمين في أواخر الثمانينات.
ونظرًا لعلاقة مصر مع الإخوان المسلمين، التي تميل إلى التذبذب بين التسامح المتردد والعداء الصريح، سعى قادة مصر إلى السيطرة على حماس خوفًا من أن تساهم في زعزعة الاستقرار داخل وادي النيل. ونتيجة لذلك، لدى جهاز المخابرات المصري تواجد في غزة ويراقب أنشطة حماس هناك عن كثب.
وقد لعب رؤساء مصر وجهاز المخابرات العامة في الماضي أدوارًا مهمة في تأمين وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، ولكن لا إسرائيل ولا حماس مهتمتان بالتهدئة في هذه المرحلة من الحرب الحالية.
ربما ستلعب مصر دورًا أكبر مع مرور الوقت، ولكن في الوقت الحالي، تضغط الولايات المتحدة عليها لفتح ممرات إنسانية في شبه جزيرة سيناء.
علاقة مصر مع إسرائيل
نجت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية من العديد من الأزمات منذ توقيعها عام 1979، بما في ذلك الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، والانتفاضة الأولى، والانتفاضة الثانية، وإعادة غزو إسرائيل للضفة الغربية، والصراعات المتعاقبة بين إسرائيل وحماس منذ انسحاب إسرائيل من غزة في عام 2005.
خلال الصراع بين إسرائيل وحماس الذي استمر تسعة وأربعين يومًا في عام 2014، أرادت مصر أن تقوم إسرائيل بتدمير حماس.
لكن إسرائيل اعترضت خوفًا من فراغ السلطة والفوضى في المنطقة، وقد تغيرت هذه المواقف الآن، الأمر الذي فرض ضغوطاً على العلاقات الثنائية ولكن في الوقت الحالي، لا يوجد ما يشير إلى أن مصر تريد قطع العلاقات؛ فالحكومة المصرية مستفيدة كثيراً من المساعدة الإسرائيلية في تأمين شبه جزيرة سيناء.
هناك تقارير إخبارية تفيد بأن مصر قد طورت معلومات استخباراتية عن هجوم حماس وحذرت إسرائيل، لكن التحذير ذهب أدراج الرياح.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=65825