قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إن السلطة الفلسطينية تعاني من اجل إسماع صوتها في خضم حرب إسرائيل الدموية على قطاع غزة المستمرة منذ ستة أيام.
وذكرت الصحيفة أنه مع تصاعد وتيرة هجمات مسلحي حماس على إسرائيل يوم السبت واستمرار الضربات الإسرائيلية على غزة، كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مقره في رام الله حيث أجرى مكالمات، عقد اجتماعات وأصدر بيانات.
قال وعباس بعد مناقشة مع مسؤولين أمنيين إن للفلسطينيين الحق “في الدفاع عن أنفسهم ضد إرهاب المستوطنين وقوات الاحتلال”.
وبحسب الصحيفة فإن رد عباس النمطي أكد موقف السلطة الفلسطينية الضعيف وقيادتها الجامدة بينما نفذت حماس، خصمها التقليدي الذي يحكم قطاع غزة، أكبر هجوم في تاريخ إسرائيل وهددت بجر المنطقة إلى صراع ممتد.
يدعم الغرب عباس لكنه غير محبوب على نطاق واسع في أنحاء الأراضي الفلسطينية، حيث يغلي الناس غضبا من القصف الإسرائيلي على غزة ومن سنة من الغارات المميتة في الضفة الغربية ويرى الكثيرون من الفلسطينيين حكومته الاستبدادية امتدادا للاحتلال الإسرائيلي.
وفيما تستعد غزة لما يُتوقع أن يكون غزوا إسرائيليا بريا واسع النطاق – وحلفاء حماس في لبنان وسوريا يخوضون تبادلا لإطلاق النار عابرا للحدود، فإن غياب القيادة السياسية الفلسطينية العلني يضيف إلى الفوضى.
قالت رلى الشديد، المديرة المشاركة لمعهد فلسطين للدبلوماسية العامة في رام الله ان صمت السلطة الفلسطينية يعكس “ضعفا واضحا جدا” وتضيف “وأيضا أن أيديهم مقيدة. الطريقة التي تعاملوا بها مع النضال من أجل التحرر لم تكن مجدية بأي شكل من الأشكال” وقالت “هذا خطير جدا ولا نعرف كيف سيسير كيف ستنتهي الأمور”.
قال حسين الشيخ، مستشار عباس وأمين عام منظمة التحرير الفلسطينية، على تويتر “طلبنا إدخال المواد الغذائية والطبية على وجه الاستعجال إلى شعبنا في قطاع غزة، لكن إسرائيل رفضت”.
عند بلوغه 87 عاما، دخل عباس العام الثامن عشر من ولاية مدتها أربع سنوات كرئيس للسلطة الفلسطينية، التي أنشئت كحكومة مؤقتة بموجب اتفاقات أوسلو 1993.
منحت الاتفاقات السلطة سيادة جزئية على أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي من المفترض مع القدس الشرقية أن تكون جزءا من الدولة الفلسطينية المستقبلية.
لكن خرائط أوسلو لم تعد تعكس الوقائع على الأرض؛ أصبح أمل حل الدولتين أكثر بعدا مع كل عام يمر.
استمر الاستيطان الإسرائيلي والسيطرة العسكرية على الأراضي المحتلة في التوسع وحماس، حركة إسلامية ملتزمة بتدمير إسرائيل، رفضت عملية السلام منذ البداية.
في عام 2007، بعد انتخابات متنازع عليها في غزة، طردت حماس السلطة من القطاع بالقوة وفرضت إسرائيل حصارا بريا وبحريا على الشريط الساحلي الصغير وخاضت أربع حروب في غزة في السنوات التالية وأعلنت الخامسة، التي يخشى الكثيرون أن تكون الأكثر دموية، يوم الأحد.
بدأ القتال يوم السبت عندما، وتحت غطاء آلاف الصواريخ المطلقة من غزة، اقتحم مئات من مسلحي حماس جدار إسرائيل الحدودي عالي التقنية وأرعبوا بلدات في جميع أنحاء الجنوب.
قتلوا أكثر من 1200 شخص وأسروا أكثر من 100 رهينة إلى القطاع وردت إسرائيل بحملة غير متوقفة من الغارات الجوية على غزة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1000 شخص، وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية.
حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سكان غزة يوم السبت بـ “المغادرة الآن”، لكن معظمهم ليس لديهم مكان يذهبون إليه.
وأمر وزير الدفاع الإسرائيلي يوعف غالانت بفرض “حصار كامل” على القطاع، قاطعا الوصول إلى الكهرباء والإمدادات الأساسية.
أثار عدد قتلى المدنيين الكبير ومشاهد الدمار غضبا في جميع أنحاء الضفة الغربية، حيث أغلقت إسرائيل الطرق وزادت نقاط التفتيش للفلسطينيين.
وقتلت القوات الإسرائيلية 23 فلسطينيا في الضفة الغربية منذ يوم السبت، وفقا لوزارة الصحة في رام الله.
وقتل ما لا يقل عن 179 فلسطينيا في جميع أنحاء الأراضي منذ يناير/كانون الثاني، وفقا للأمم المتحدة، مما يجعل عام 2023 أكثر الأعوام دموية بالنسبة لفلسطينيي الضفة الغربية منذ عقدين.
كما شهدت زيادة في الهجمات العنيفة من جانب المستوطنين الإسرائيليين، الذين حرضهم أعضاء من اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو.
كافحت القوات الأمنية الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية لاحتواء ارتفاع جماعات مسلحة جديدة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، لبعضها صلات بجماعات مسلحة أكثر إرساخا، بما في ذلك حماس، لكن معظمها منظمة بشكل فضفاض.
معظم المقاتلين شبان فقراء وقد أنهكهم الاحتلال وأحبطهم قادتهم في رام الله.
قال مصطفى البرغوثي، سياسي فلسطيني يرأس المبادرة الوطنية الفلسطينية “كان الفلسطينيون يقاومون في الضفة الغربية، ودفعوا ثمنا باهظا”.
وأضاف أن حماس نفذت تحركها جزئيا “بسبب ما كان يحدث في الضفة الغربية”.
يجد عباس نفسه الآن في وسط الموقف، كما كان خلال معظم مسيرته السياسية يتعرض لانتقادات من إسرائيل والولايات المتحدة لعدم إدانته للعنف المسلح، ومن الفلسطينيين لعلاقاته الوثيقة مع واشنطن والتنسيق الأمني للسلطة مع إسرائيل.
يقول غسان خطيب، وهو وزير فلسطيني سابق للتخطيط: “الأحداث في غزة تزيد من الوزن السياسي لحماس وتقلل من الوزن السياسي والنفوذ للسلطة الفلسطينية. لأن هذا هو وقت القتال. والأحزاب الشعبية هي الأحزاب المنخرطة في القتال”.
رفض حسام زملط، السفير الفلسطيني في بريطانيا، تلك الادعاءات وقال “نحن من يمثل الشعب الفلسطيني” ولا يمكن أن تكون المؤسسات الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك السلطة، “غير ذات صلة أبدا. هؤلاء هم الممثلون الوطنيون والإقليميون والدوليون الوحيدون للشعب الفلسطيني”.
وذكر زملوط أن استراتيجية عباس بشأن غزة كانت ذات شقين: تعبئة الموارد الإنسانية لغزة والدفع من أجل حل دبلوماسي للحرب.
نشأ زملوط في مخيم رفح للاجئين في غزة وزار القطاع للمرة الأخيرة قبل أسبوعين لجنازة عمه.
وقال إن غارة جوية إسرائيلية قتلت يوم الاثنين ابنة عمه، وزوجها، وطفلين من أطفالهما، وحماتها، واثنين آخرين من أفراد العائلة في منزلهم في شمال غزة وتوأم ابنة عمه البالغ من العمر عامين في العناية المركزة.
وأضاف أن “حماس كجماعة مسلحة، ليست جزءا من مؤسساتنا الوطنية” مضيفا “لديهم حساباتهم الخاصة”.
لكن ما سيحدث في غزة في الأسابيع المقبلة سيرتد صداه في جميع أنحاء الضفة الغربية، مما يجبر على الأرجح الغضب المكبوت والإحباط على البروز إلى السطح.
قالت شديد، إن اتفاقات أوسلو للسلام لم تفشل فقط بل “كانت أداة للحفاظ على وضع الضفة الغربية كما هو، وزيادة المستوطنات، والضم الفعلي”.
قال البرغوثي إن إسرائيل سعت إلى إضعاف السلطة الفلسطينية والآن يحتاج القادة الفلسطينيون إلى “القيام بكل ما بوسعهم للتحرك في اتجاه توحيد الفلسطينيين”.
لم تكن السياسة في ذهن مخيمر أبو سعدة، أحد أكثر المحللين السياسيين احتراما في غزة، عندما اتُصل به هاتفيا من مدينة غزة. قال “لماذا تسأل عن السلطة الفلسطينية؟، لماذا لا تسأل عن إنشاء ممر إنساني؟ هناك مليونا شخص محاصرون من قبل إسرائيل دون ممر آمن”.
قال إن الغزيين “ينظرون الآن إلى السلطة الفلسطينية للقيام بشيء ما، لوقف ما يحدث”. وتردد دوي الغارات الجوية في الخلفية.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=65761