لماذا أوقفت مصافي الذهب السويسرية أي تعاملات مع دبي؟

وبحسب المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، تضم سويسرا التي مكانة رئيسية في تجارة الذهب الدولية، أربعًا من أكبر سبع مصاف لتكرير المعادن الثمينة في العالم، وسط مصاعب السجل الضعيف في مجاليْ البيئة وحقوق الإنسان.

وكشف أنتوان دو مونتمولان الرئيس التنفيذي لشركة ميتالور (Metalor) أن الشركة أوقفت العمل تماما مع دبي في سياق تحدّيات الالتزام بالنزاهة الواجبة في صناعة الذهب شديدة المنافسة.

وقال مونتمولان في مقابلة نشرها موقع swissinfo السويسري، إن أكياس الذهب والفضة غير النقية تمثل بداية عملية معقدة حيث يتم تحويل قضبان الذهب إلى نقاء بمعدّل 99.999٪ وحلقات معدنية مخصصة للبنوك وصانعي الساعات.

وتمتلك ميتالور سعة تكرير تبلغ 800 طن من المعادن الثمينة سنويًا.

وحول إجراءات ضمان الذهب المستورد قادم من مصادر مشروعة، قال مونتمولان: لدينا نظام تحقق قوي وصارم. نحاول أن نكون قريبين قدر الإمكان من العملاء ومورّدي الذهب، للتأكد من أن الذهب يأتي من مصدر قانوني.

وتابع “معرفة العميل، أمر مهم جدًا. نحن نعمل بشكل مباشر مع المناجم حتى نتمكن من التحقق والتأكد من أن الذهب يأتي من المكان الذي يقولون إنه يأتي منه”.

وأضاف “لا نقدم أي تنازلات. إذا كان لدينا أي شك حول أي مورد للذهب، فإننا نوقف التعامل”.

وذكر أن شركة ميتالور ليس لديها ذهب من منطقة الأمازون ولم نعد نعمل مع روسيا. إذا لم نتمكن من تتبع الذهب، فإننا لا نقبله.

وتابع قائلا :”لن نستورد الذهب أبداً من دبي، على سبيل المثال، ونتجنب الوسطاء مثل جامعي التعدين الحرفي لانعدام إمكانية تتبع الذهب”.

وقبل نحو عام شرعت أوساط حكومية في سويسرا تحقيقا وتدقيقا واسعا في واردات الذهب من دولة الإمارات العربية المتحدة بعد اتهام أبوظبي بالتواطؤ مع روسيا للتهرب من العقوبات الدولية المفروضة على موسكو.

وسجلت سويسرا زيادة كبيرة في واردات الذهب من الإمارات منذ فرض العقوبات على روسيا، ما دفع المؤسسة السويسرية للتعاون الإنمائي Swissaid غير الحكومية إلى مزيد من الشفافية لتحديد ما إذا كان هذا الذهب قادمًا في الأصل من روسيا.

عقب ذلك أعلنت جهات حكومية سويسرية عن إخضاع الارتفاع غير مُتَوَقَّع لواردات البلاد من الذهب الروسي للتدقيق وذلك في الوقت الذي يستعد فيه قادة أغنى دول العالم لِفَرض حَظْرٍ على استيراد المعدن النفيس.

ويمثل تركيز مجموعة السَبْع على الذهب، الذي يُعَدّ ثاني أكثر سِلَع التصدير رِبحية لدى روسيا بعد قطاع الطاقة، أحدَث جُهد من جانب الدول الغربية لزيادة الضَغط على موسكو بِسَبَب حربها على أوكرانيا.

وكانت بريطانيا، وكندا، واليابان، والولايات المتحدة قد التَزَمت بالفعل بالحَظر الذي يهدف إلى مَنع أفراد الأوليغارشية الروسية من استخدام الذهب للالتفاف على العقوبات.

وكانت المُشتريات السويسرية من الذهب الروسي قد تَوَقَفت في شهر مارس المنقضي، بعد وقتٍ قصير من غزو روسيا لأوكرانيا.

وفي يوم 7 مارس، أعلَنَت رابطة سوق السبائك في لندن تعليق جميع مصافي الذهب والفضة الروسية الست من قائمة ‘التسليم الجيّد’ (Good Delivery) الخاصة بها، مع تضاعف العقوبات المفروضة على موسكو.

وهذا يعني أن سوق الذهب الدولية لن تقبل أي سبائك من الذهب الروسي بعد ذلك التاريخ. ورغم أن سويسرا حَذَت حذوها، ولكن لا تزال هناك بعض الثغرات.

تم تَسجيل كل الذهب الذي دَخَل سويسرا في مايو تقريباً من قِبَل دائِرة الجمارك لأغراض التكرير أو المُعالجة، مما يشير إلى احتمال استيلاء إحدى المصافي السويسرية عليه.

مع ذلك، تؤكد الرابطة السويسرية لِمُصَنّعي وتُجّار المعادن الثمينة أن أحداً من أعضائها لم يستورد الذهب مؤخراً من روسيا، وأن أيّا من مصافي التكرير الرئيسية في البلاد لم تَقبَل أي معادن ثمينة روسية.

وصرح يقول كريستوف وايلد، رئيس الرابطة والرئيس التنفيذي السابق لشركة تكرير الذهب السويسرية “آرغور هيراوس” بأنه “لم يتلق أي من أعضائنا هذا الذهب”.

وأوضح “لو قامت شركة تكرير سويسرية بِشِراء هذا الذهب، فَسَيَتَعَيَّن عليها الدَفع بطريقة ما. لكن كيف لها أن تفعل ذلك مع عِلمها بِخضوع مُعظم المصارف الروسية للعقوبات؟ لذا فإن تحويل الأموال [إلى روسيا] ليس مُمكناً في الوقت الحالي”.

ويقول: “شخصياً أعتقد أن السبائك مُودعة الآن في خزائن جبل غوتهارد أو ما شابه ذلك”، في إشارة إلى منطقة في سويسرا تشتهر بخزائنها التي تخضع لإجراءات أمنية مشددة.

ويضيف: “ربما تم إحضارها إلى سويسرا من قبل بعض المستوردين الأثرياء جداً، وهي مخزونة الآن في بلدنا. الأمر لا يزال لغزاً في الوقت الحالي”.

تضم الرابطة السويسرية لِمُصَنِّعي وتجار المعادن الثمينة 13 عضواً، بما في ذلك أربعة من أكبر مصافي الذهب في العالم. كما تستضيف سويسرا 23 مسبكاً مُرخصاً لِصَهر الذهب.

“من الصعب جداً معرفة من يقف وراء هذه الصفقة التجارية”، يقول مارك أومَّل، رئيس قسم المواد الخام في منظمة ‘سويس أيد’ غير الحكومية.

وبرأيه، فإن مثل هذه الكمية الكبيرة من الذهب تجعل سيناريو اللاعبين الصِغار أقل احتمالاً. وقد رَفَضت الجمارك السويسرية حتى الآن تسليط الضوء على هذه القضية، وقالت إنها لا تستطيع تقديم أيّ معلومات عن مُستوردي الذهب لأسباب قانونية.

ليست هوية الطَرف المُشتري هي ما يثير التساؤلات فقط، ولكن مَصدَرها أيضاً. وفي الوقت الراهن، يخضع ذهب البنك المركزي الروسي للعقوبات، بما في ذلك في سويسرا.

وتريد كل من بروكسل وبرن مَنع موسكو من بيع سبائكها الذهبية لِحِرمانها من الإيرادات الإضافية التي تساعدها في تمويل غزوها لأوكرانيا. ووفقا للخبراء، هناك خشية من أن يكون البنك المركزي الروسي الجهة التي تقف وراء عملية البيع في مايو الماضي.

ويُعتَبَر الذهب، الذي دَرَّ حوالي 15,5 مليار دولار (14,9 مليار فرنك) على الاقتصاد الروسي في عام 2021، ثاني أكبر صادرات البلاد بعد الطاقة.

وقد زادَت مُشتريات موسكو من الذهب في عام 2014 في أعقاب العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا بسبب ضَمِّها لِشُبه جزيرة القرم. ويُقَدِّر مسؤولون أمريكيون أن لدى روسيا حوالي 140 مليار دولاراً من احتياطيات الذهب، أي ما يقرب من خُمُس مقتنيات البنك المركزي الروسي. في نهاية عام 2021، كان لدى روسيا خامس أكبر احتياطي من الذهب في العالم.

ولطالما دعا أوميل وبيث إلى المَزيد من الشفافية في قطاع الذهب السويسري. وبالإشارة إلى حقيقة ازدياد حَجم واردات الذهب من دبي إلى سويسرا بعد بداية الحرب في أوكرانيا، يساور كليهما القلق من أن الإمارات وغيرها من المراكز المُستَعِدّة للحصول على الذهب المشبوه في السوق، إنَّما ُتُستَخدَم للتحايُل على العقوبات.

وصرح أوميَل: “نحن نأمل أن تسلك سويسرا نفس الطريق وتَحظر جميع واردات الذهب الروسية – المُباشرة وغير المُباشرة – عَبر دول أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة أو غيرها من دول تعدين الذهب المحفوفة بالمخاطر”.

وأصبحت دبي مركزًا تجاريًا رئيسيًا للذهب على مدى السنوات الأخيرة. في تموز/يوليو 2021، كشف تحقيق أجرته المؤسسة السويسرية للتعاون الإنمائي Swissaid عن دخول الذهب القادم من مناطق النزاع في إفريقيا إلى سلسلة توريد الذهب عبر دبي على الرغم من القوانين والالتزامات الطوعية لتنظيف سلاسل توريد الذهب.

وبحسب التقرير، تتم معالجة الذهب من قبل شركات إماراتية ليس لها علاقات مباشرة مع مصافي التكرير السويسرية، مما يجعل من المستحيل تتبع مصدر المعدن والتأكد من استخراجه في ظل ظروف تحترم حقوق الإنسان والبيئة.

وفي الخريف الماضي، طلبت الحكومة السويسرية من المصافي تعزيز عمليات التدقيق لتحديد بلد المنشأ الحقيقي لجميع الذهب القادم من الإمارات. ومع ذلك، دعت المنظمة غير الحكومية مجدداً إلى قوانين أكثر صرامة وتطبيق أفضل للقوانين المتعلقة بالتحقق من المصادر الأصلية للذهب.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.