قالت دراسة تحليلية إن كسب الرئيس السوري بشار الأسد الرهان بالبقاء لكن القبول العربي الرسمي بالتطبيع معه لا يعني أن الحرب قد انتهت أو أن عملية الإعمار ستبدأ فوراً.
واعتبرت الدراسة الصادرة عن مركز “البيت الخليجي للدراسات والنشر” إنها بداية حلّ أو ربما بداية نهاية الحرب وإن كان من غير المعلوم ما إذا كان النظام سيتغير عما كان عليه قبل بدء الاضطرابات الشعبية عام 2011.
وبحسب الدراسة نجح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود، باستعراض عضلات المملكة خلال القمة العربية الـ 32 الأخيرة التي عقدت في جدة، في القدرة على جمع الأضداد، وتدوير الزوايا الحادة في القضايا المعقدة، وسرعة التحول في السياسات الخارجية التي اتسمت بها السنوات الأولى من توليه منصب ولاية العهد.
ورغم أن القمم العربية عادة ما تركز في بياناتها الختامية على قضايا السلام والاستقرار والتعاون بين الدول العربية، إلا أن قمة جدة كانت استثنائية بسبب العديد من المفارقات التي طرحت نفسها بقوة على أجندة القمة وخارج الأضواء الإعلامية.
أعادت القمة التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، مشددة على أهمية الحلول السياسية في كل من السودان واليمن، ومواصلة تكثيف الجهود العربية لمساعدة سورية، والرفض التام لتشكيل ميليشيات وجماعات مسلحة خارج نطاق الدولة، ووقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، والتأكيد على أن الصراعات العسكرية الداخلية لن تؤدي إلى انتصار طرف على آخر بقدر ما تزيد تفاقم معاناة الشعوب.
مثلت قمة جدّة، بالنسبة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فرصة لعرض استراتيجيته المتمثلة في وجود الرئيس زيلينسكي، الذي تخوض بلاده حربًا مع روسيا، في نفس القمة مع الرئيس بشار الأسد، الذي تؤيد حكومته الغزو العسكري الروسي.
إن الاقتران الغريب بين الزعيمين في نفس المنتدى هو نتيجة لموجة الدبلوماسية الأخيرة من قبل الأمير محمد بن سلمان الذي يسعى إلى التقارب الإقليمي بنفس القوة التي جلبها سابقًا في مواجهة المملكة مع خصمها اللدود إيران.
في السياق، أضحت الأزمة السورية ملفًا بالغ التعقيد والصعوبة حيث تتداخل فيها المصالح المحلية والإقليمية والدولية بواسطة أدوات ووكلاء وميليشيات أمنية ودينية متطرفة.
طال عمر الأزمة واستنزفت طاقة البلاد وتجاوزت تداعياتها حدودها الجغرافية لتعبر دولًا عربية وأوروبية، وجلبت تدخلات خارجية إقليمية ودولية ولم يعد من الممكن عربيًا تجاهلها أو الاستمرار في سياسة النأي عنها أو التلطي خلف دول كبرى ما أفلحت استراتيجيتها في حل الأزمة أو تقصير آجالها.
من الواضح أن السعودية التي شرعت في إعادة هندسة سياساتها الخارجية منذ أكثر من ثلاث سنوات تريد استكمال استدارتها بمحاولة اجتراح إستراتيجية جديدة إزاء الملف السوري تتمثل بإذابة جبل الجليد القائم بين سورية وبقية المنظومة العربية، على قاعدة اختبار ما إذا كانت المصالحة مع النظام السوري قد تساعد في تسوية الصراع.
قوبلت مشاركة سورية في القمة بردود فعل متباينة بينهم. رحب بعض القادة بالخطوة، بينما أعرب آخرون عن قلقهم من أنها ستضفي الشرعية على نظام الأسد في حين كانت إدانة الولايات المتحدة وحلفاؤها لمشاركة سورية في القمة العربية واضحة.
التطبيع والشروط المسبقة
ينظر البعض إلى مشاركة سورية في القمة العربية على أنها إشارة إلى سعي السعودية لتحسين علاقاتها مع إيران وحلفائها انسجامًا مع سعي دول مثل الأردن والعراق ولبنان، التي تواجه كل منها تحديات اقتصادية، إلى الطلب من النظام السوري ضمان العودة الآمنة لأعداد هائلة من اللاجئين السوريين الذين تستضيفهم هذه البلدان.
العلاقات السعودية السورية لم تنقطع تمامًا حتى بعد سحب الرياض سفيرها من دمشق في أغسطس 2007 بعد تنديدها بالعنف ضد المحتجين. كانت هناك دائمًا روابط شخصية بين العاصمتين من خلال الوسطاء.
نمت هذه الاتصالات عندما أصبح محمد بن سلمان وليًا للعهد في عام 2017. كما أن مجتمع الأعمال في دمشق وحمص وحلب لديه علاقات عائلية قديمة وتجارية مع مختلف المكاتب العائلية السعودية.
سعت المملكة إلى تحسين العلاقات مع سورية منذ عدة سنوات. ثم جاءت دعوة الرئيس السوري الى القمة العربية بعد سلسلة لقاءات سرية وعلنية توّجت بحضور الرئيس الأسد القمة وما صحابها من حفاوة سعودية ظاهرة بوجوده على أراضي المملكة.
يقول المقربون من الرياض إن عودة الدفء إلى العلاقات السعودية السورية، لما كانت عليه لما قبل اندلاع الاضطرابات في سورية، مرتبطة بتفاهمات واشتراطات غير معلنة تم التفاهم والاتفاق على تنفيذها خلال لقاء وزراء الخارجية الذي عقد في العاصمة عمان في أعقاب مبادرة أردنية لوضع خارطة طريق لإنهاء الصراع في سورية.
وإن إعادة سورية إلى مقعدها في الجامعة ودعوة الرئيس السوري إلى القمّة ولقاءه المنفرد مع وليّ العهد السعودي، كلّها تمّ تأسيسها على الردود والوعود الإيجابية التي جاءت على لسان وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في اجتماع عمّان التشاوري. بالنسبة للسعودية – حسب هؤلاء – الوضع لا يحتمل سوى التزام سورية بالتعهّدات التي قطعتها على نفسها في عمان من دون مناورة أو مماطلة.
فمن وجهة نظر سعودية ودول أخرى منها الإمارات، فإنه فقط من خلال التخفيف من حدة الصراع، يمكن البدء في عكس الدور المكثف للقوات الإيرانية وحزب الله والميليشيات المدعومة من طهران في سورية، كما يمهد هذا التخفيف في حل أزمة اللاجئين التي تئن تحت وطأتها دول عربية مثل لبنان والأردن والعراق.
فوفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين منذ عام 2011، فرّ أكثر من 14 مليون سوري من منازلهم، ولا يزال حوالي 6.8 مليون نازح في بلدهم، حيث يعيش 90٪ من السكان تحت خط الفقر. ويعيش نحو 5.5 مليون لاجئ سوري في تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر.
وتضمن التفاهمات إياها مكافحة وملاحقة شبكات تهريب المخدرات في سورية التي تغرق دولًا عربية من بينها دول خليجية وصولا الى أوروبا.
إذ وعدت سورية بالتعاون مع عمان للحدّ من عمليات تهريب المخدرات، على الرغم من اتهام أشخاص مقربين من الحكومة السورية بالوقوف وراء تجارة الكبتاغون.
بالنسبة للبلدان المجاورة مثل الأردن، تكتسي مسألة الاتجار بالمخدرات عبر الحدود أهمية حيوية، وقد برز ذلك بقيام الأردن بتوجيه ضريه جوية داخل الأراضي السورية استهدفت تاجر المخدرات مرعي الرمثان الذي قتل في الغارة التي وقعت في شرق السويداء مؤخراً.
إعادة بناء سورية
تتعهد دول خليجية بالاستثمار والمشاركة في إعادة إعمار سورية إذا قدمت الحكومة السورية اقتراحات جدية لإنهاء الأزمة، وهو ملف يسبب القلق للنظام السوري الذي يسابق الزمن لتوسيع دائرة التطبيع عربيًا وإقليميًا ودوليًا دون تقديم تنازلات مؤلمة حاول خلال عقد من الحرب تجنب الحديث عنها أو التعهد بإجرائها.
على المقلب الآخر، تبدو المعارضة السورية على اختلاف أطيافها مرتعبة الفرائص من عودة العلاقات السورية السعودية والسورية العربية إلى طبيعتها قبل ضمانات موثوقة من النظام بعملية إصلاح سياسي شامل.
وقد شن قادة تلك المعارضات سلسلة من الهجمات الإعلامية على داعمي التطبيع مع النظام السوري دون أن يسموا دولًا بعينها تجنبا للغضب الخليجي.
ومن الاتهامات التي يسوقها هؤلاء ضد عملية التطبيع أن بدء الانفتاح على النظام قبل قبوله بالحل السياسي المطروح أممياً يعني مكافئة له على جرائمه، ورسالة واضحة أن قدرته على الصمود ووحشيته قد آتت ثمارها.
وأن التطبيع سيحول حتمًا دون عودة ملايين السوريين النازحين بسبب الحرب، مؤكدين أن خطوة التطبيع متسرعة إذ لا يزال حكم الأسد داخل سورية ضعيفًا وهشًا مع وجود أجزاء كبيرة من شمال البلاد خارج سيطرته، وملايين اللاجئين المعارضين لحكمه بشدة.
بعيدًا عن مواقف المعارضات السورية التي لا تملك وزنًا قادرًا على تغيير أو تعطيل ركب التطبيع العربي مع النظام، يبقى الوزن الحقيقي لقانون قيصر الأمريكي الذي يُجرّم أي تعاون أو استثمار دولي في سورية قبل سير الأسد بحل سياسي حقيقي بناء على قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
استعاد نظام الأسد السيطرة على معظم البلاد والمعارضة في حالة من الفوضى. مشاركة الرئيس الأسد في القمة العربية تُعدّ بحق تتويجًا لجهود ثابتة لإعادته إلى الحظيرة العربية وإنهاء العزلة الإقليمية وطيّ صفحة من الجهود العربية السابقة للإطاحة به.
من الصعب التخيل أنه بعد قبول الأسد عربيًا والتخلي عن فكرة اسقاطه عسكريًا أنه بات من السهل على الولايات المتحدة وحلفائها إزاحته من السلطة أو الحصول على تنازلات مهددة لبقائه مستقبلاً.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=63168