سلطت صحيفة “شيكاغو تربيون” الأمريكية، الضوء على المفاوضات الجارية بوساطة أمريكية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية.
وأبرزت الصحيفة السؤال الجوهري في المفاوضات الجارية: هل سيوفر اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية، أهم شريكين لواشنطن في المنطقة، فوائد أمنية ملموسة فعليا بالنسبة للولايات المتحدة؟
ورأت أن الجواب، يعتمد على الثمن الذي ترغب الولايات المتحدة في دفعه مقابل تحريك الاتفاق وإيصاله إلى خط النهاية.
ولا يزال الأمر بمثابة عبء ثقيل، وعلى الرغم من ثقة الرئيس جو بايدن في أن الاتفاق قيد التنفيذ، إلا أن مستشاريه أكثر تشككًا بكثير، لكن الجهد برمته أصبح أكثر تعقيدا.
هناك العديد من الجهات الفاعلة على طاولة المفاوضات خارج إسرائيل والسعودية – وإذا كان تاريخ الدبلوماسية يخبرنا بأي شيء، فهو أن فرصة نجاح المفاوضات تتضاءل بشكل لا يقاس عندما يرتفع عدد المشاركين فيها.
واقعيًا إن فكرة انخراط الدبلوماسيين الإسرائيليين والسعوديين في مفاوضات غير واضحة هي فكرة خادعة بعض الشيء ولا تقدم لنا فهمًا لما يحدث بالفعل، لأن الحاصل على ارض الواقع هو أربع مفاوضات منفصلة في وقت واحد، وقد لا تكون المفاوضات التي تجري بين الإسرائيليين والسعوديين هي الحدث الرئيسي.
أولاً، لدينا مناقشات مكثفة تجري بين الولايات المتحدة والسعودية، وقد سافر وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، وبريت ماكغورك، كبير مسؤولي سياسة الشرق الأوسط في إدارة بايدن، إلى المملكة وقضوا وقتاً طويلاً مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وكما هو متوقع، يحاول ولي العهد استغلال احتمال إقامة علاقات مفتوحة مع إسرائيل لانتزاع الحد الأقصى من التنازلات من واشنطن، بما في ذلك الضمانات الأمنية الأمريكية للمملكة والدعم الأمريكي لبرنامج الطاقة النووية السعودي.
وعلى الرغم من أن البيت الأبيض لم يستبعد أي شيء، فإن التعهد الأمريكي الرسمي (أو حتى غير الرسمي) بالدفاع عن المملكة من الهجوم من شأنه أن يربك الكثير من المشرعين الأمريكيين.
هذه هي الدولة نفسها، على سبيل المثال، التي وافقت قيادتها على اغتيال جمال خاشقجي، الصحفي والمقيم الدائم في الولايات المتحدة، واستخدمت إحدى منشآتها الدبلوماسية لارتكاب جريمة القتل، وهذا أيضًا هو البلد نفسه الذي تعهد بايدن بجعله منبوذًا خلال الحملة الرئاسية لعام 2020.
إن التوقيع بالموافقة على مطالب السعودية سيكون في الأساس تحولًا بمقدار 180 درجة عن موقف بايدن السابق، وهو موقف سيواجه الرئيس الاميركي صعوبة في تبريره.
هناك محادثات اخرى أيضاً بين السعودية والسلطة الفلسطينية، الكيان الحاكم الذي تراجعت شرعيته في نظر السكان الفلسطينيين بشكل ملحوظ على مر السنين.
عندما وافقت الإمارات والبحرين والمغرب على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل عام 2020، تُرك المسؤولون الفلسطينيون في الخارج يراقبون، وشبه مسؤول فلسطيني كبير في ذلك الوقت صفقات التطبيع بـ “الخنجر المسموم” الذي غرز في قلب تطلعات الدولة الفلسطينية.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يريد إحياء هذه التجربة من جديد، وقد حث السعوديين على حماية المصالح الفلسطينية بينما يتعاملون مع إسرائيل دبلوماسياً.
لسوء الحظ، لا يمكن للنظام الملكي السعودي تجاهل ما يقوله الفلسطينيون، وبالرغم من أن الأمير محمد قد لا يكن الكثير من الحب للقيادة الفلسطينية، إلا أنه لا يستطيع أن يخرج العلاقة الثنائية بين المملكة وإسرائيل إلى العلن دون بعض الدعم من الشارع العربي.
وأفضل طريقة للحصول على هذا الدعم هي الحصول على تنازلات نيابة عن الفلسطينيين، ولكن السعوديون يأملون في الوقت نفسه بأن يؤدي الوعد بتقديم المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية التي تعاني من ضائقة مالية، وهي المساعدات التي علقتها الرياض في عام 2021، سيعطي عباس ما يكفي من الحافز للابتعاد عن طريقه.
في نفس الوقت، يتحدث الإسرائيليون والأميركيون فيما بينهم، وبقدر ما ترغب إسرائيل في تطبيع العلاقات مع الرياض، فإنها تظل قلقة بشأن بعض ما يطلبه السعوديون.
وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت التقى مع ماكغورك الشهر الماضي وقدم له قائمة التحفظات وعلى رأس القائمة: احتمال دعم واشنطن لبرنامج نووي سعودي، وهو ما قد يعني تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية، ومثل هذا التطور سيكون بمثابة صفقة ثقيلة بالنسبة لإسرائيل، التي حافظت على سياسة استمرت لعقود من الزمن في منع دول المنطقة من الحصول على أسلحة نووية.
يصر السعوديون على أن أي برنامج نووي سيكون ذا طبيعة مدنية بحتة ومع ذلك، فقد صرح الأمير محمد بشكل رسمي بأن المملكة ستصنع سلاحًا نوويًا إذا فعلت إيران الشيء نفسه لكن آخر ما يريده الإسرائيليون هو حدوث سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط.
مسار التفاوض الرابع يتمثل في مناقشات تجري في واشنطن حيث أطلعت إدارة بايدن كبار أعضاء مجلس الشيوخ على مسار التطبيع الإسرائيلي السعودي بأكمله لضمان بقائهم على اطلاع بما يجري والبدء في تجميع دعم الكونجرس الذي قد يكون مطلوبًا إذا تم تكليف مجلس الشيوخ بالموافقة على أي صفقة تتم صياغتها.
سيكون هذا بمثابة ضغط كبير على البيت الأبيض، خاصة إذا كان الضمان الأمني الأمريكي نيابة عن السعودية جزءًا من الصفقة.
الكابيتول هيل والمملكة ليسا في حالة حب عادية هذه الايام، ورائحة مقتل خاشقجي، ناهيك عن سياسات الرياض النفطية العدائية وسجلها المثير للشفقة في مجال حقوق الإنسان، تحوم فوق قبة الكابيتول.
سوف يتساءل المشرعون بحق عن سبب رغبة الولايات المتحدة في الانحناء من أجل المملكة، التي غالبًا ما تقوض مصالحها المصالح الأمريكية.
خلاصة القول: هناك خيوط متعددة مرتبطة بصفقة تطبيع إسرائيلية سعودية محتملة، وأي منها يمكن أن يؤدي إلى انهيار المشروع بأكمله، اما بالنسبة للولايات المتحدة، تظل المهمة قائمة دون تغيير وتتمثل في الحصول على أفضل صفقة ممكنة بأفضل الأسعار.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=65132