قالت مجلة (National Interest) الأمريكية، إن الإدارة الأمريكية تضغط لإعلان تطبيع المملكة العربية السعودية مع إسرائيل على أمل أن يساهم ذلك في الحد من نفوذ الصين.
وأشارت المجلة إلى أنه عند بدء حرب إسرائيل على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، كانت الممرات الدبلوماسية تضج بالأحاديث حول اتفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل.
ورغم أن الحرب وضعت حداً لفرص قرب التطبيع السعودي الإسرائيلي، فإن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان أعرب عن أن الزخم نحو التطبيع ” ليس معلقًا ” لكنه قال إن التركيز ينصب على تحديات فورية أخرى.
وفي 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، انضمت السعودية إلى دول اتفاق إبراهيم، بما في ذلك الإمارات والبحرين والمغرب، في عرقلة الإجراءات المناهضة لإسرائيل في منظمة التعاون الإسلامي والقمة الطارئة لجامعة الدول العربية.
وفي الآونة الأخيرة، أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن التطبيع مع إسرائيل يمكن أن يحدث كجزء من مسار أوسع نحو إقامة دولة فلسطينية.
وللوهلة الأولى، تبدو فكرة تعاون الإدارة الإسرائيلية المحافظة مع السعودية وكأنها خيال دبلوماسي. وعلى الرغم من مواقفهما المتباينة بشأن الضفة الغربية والمستوطنات، فإن كلا البلدين يظهران علامات خفية على العلاقة المتنامية، بحسب المجلة.
وذكرت المجلة أنه “إذا خدشت تحت السطح، فسوف تجد نسيجًا من العلاقات المعقدة والمصالح المتبادلة” بين السعودية وإسرائيل.
ولا يقتصر هذا التعاون على المنافع المتبادلة لإسرائيل والسعودية فحسب. بل هي جزء من لعبة جيوسياسية أكبر بين الولايات المتحدة والقوة الناشئة في الشرق الصين.
وإن نفوذ بكين المتزايد باستمرار في المنطقة يدفع إلى ليالٍ بلا نوم في واشنطن. والولايات المتحدة، التي تشعر بالقلق من نوايا الصين، حريصة على إقامة توازن موازن.
إن رحلة حاملات الطائرات والسفن والطائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط لا تهدف فقط إلى مساعدة إسرائيل، بل لمنع الصين من استغلال الفراغ الإقليمي ومحاولتها الاستفادة من الصراع الإسرائيلي مع حماس وحزب الله.
تحقق الصين تقدمًا كبيرًا في المنطقة، حيث تتعاون بشكل وثيق مع المملكة العربية السعودية في مشاريع مختلفة.
وشدد الجنرال مايكل إريك كوريلا، وهو شخصية رئيسية في القيادة المركزية الأمريكية، على الضرورة الملحة لأن تسابق الولايات المتحدة الزمن لتشكيل الروايات المستقبلية لواحدة من أكثر مناطق العالم اضطرابًا واستراتيجية من خلال تعزيز شراكاتها الإقليمية قبل أن تزرع الصين جذورها.
وقال: “لقد اختارت جمهورية الصين الشعبية التنافس في المنطقة. وتقوم جمهورية الصين الشعبية بقوة بتوسيع انتشارها الدبلوماسي والإعلامي والعسكري والاقتصادي في جميع أنحاء المنطقة”.
ومن ثم، فإن الدفع نحو تعزيز العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل لا يتعلق فقط بالاستقرار الإقليمي؛ إنها لعبة أوسع على رقعة الشطرنج الكبرى للسياسة الدولية.
ومن خلال دمج السعودية في اتفاقيات إبراهيم، تهدف واشنطن إلى بناء إطار من المصالح المشتركة والشراكات التجارية والتحالفات الدفاعية للحد من نفوذ الصين المزدهر في المنطقة.
ويتناقض النهج الأميركي بشكل صارخ مع النهج الصيني. وعلى النقيض من مشاريع البنية التحتية الصينية المدفوعة بالديون في الشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة ملتزمة بتعزيز التنمية المستدامة من خلال وسائل شفافة، مثل اتفاقيات التجارة الحرة.
على سبيل المثال، في عام 2022، أطلق الرئيس بايدن مشروع الطاقة الشمسية الإماراتي الأردني الإسرائيلي.
وعلى نحو مماثل، توفر مؤسسة تمويل التنمية الأميركية بديلاً شفافاً للغموض الذي تفرضه الصين من خلال تقديم الحوافز المالية للشركات الأميركية لحملها على الاستثمار في الأسواق النامية.
هذه المشاريع، إلى جانب المبادرات الدبلوماسية والعلاقات الأمنية المعززة، لديها القدرة على إنشاء سوق مشتركة في الخليج ومواجهة النفوذ الإيراني.
واللفتة الأكثر إثارة للاهتمام هي خط القطار البري المقترح بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والذي يربط الخليج بأوروبا وآسيا.
وبعيدًا عن المسارات الفولاذية والعربات المزدحمة، تمثل هذه السكة الحديدية جسرًا للفجوات السابقة، مما يخلق قناة للتجارة ويعيد تشكيل ديناميكيات التجارة من أوروبا عبر الشرق الأوسط إلى الأسواق المزدحمة في آسيا. ويمكن أن يكون هذا الطريق التجاري بمثابة بديل لمبادرة طريق الحزام الصينية.
وفي حين قد تسعى الصين وإيران إلى الاستفادة من الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد حماس، فمن غير المتصور أن تسمح الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل لإيران وحماس وحزب الله بإحباط آفاق النمو الاقتصادي الذي قد تستفيد منه المنطقة بالكامل.
وإن الاتفاق المحتمل بين الولايات المتحدة وإسرائيل على حصول السعودية على برنامج نووي مدني يؤكد التزامهما بالسلام، وإدراكهما للعواقب الجيوسياسية المترتبة على التعاون النووي الصيني السعودي. وتحرص الدولتان أيضًا على تعزيز دفاعاتهما ضد التهديدات المشتركة.
ومن الممكن أن تعمل المبادرات الأخيرة التي اتخذتها وزارة الأمن الداخلي الأميركية لتبادل المعلومات على تعزيز مرونة الأمن السيبراني لإسرائيل ودول الخليج السنية، وخاصة ضد التهديدات الإيرانية.
وفي هيكل أمني إقليمي جديد، يمكن لإدارة بايدن أن تجعل المملكة أكثر اعتمادًا على الأسلحة الأمريكية وتمنع بكين من إنشاء قاعدة عسكرية على الأراضي السعودية مع تقليص مشاركة المملكة العربية السعودية مع شركات التكنولوجيا الصينية مثل هواوي.
ويتوقف التقدم نحو اتفاق السلام السعودي الإسرائيلي على هذه الخطوات الإضافية نحو الأمن المتبادل والتعاون الاقتصادي.
يدفع التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين إدارة بايدن إلى تعزيز التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وإعادة تشكيل مستقبل الخليج على الرغم من الصراع بين إسرائيل وحماس وحزب الله.
غير أن إضفاء الطابع الرسمي على التحالف الإسرائيلي السعودي يمثل متاهة دبلوماسية. ومع ذلك، فإن إيجابيات الإبحار في هذه المتاهة متعددة.
ومن الممكن أن تضع الأساس لنظام جديد في الشرق الأوسط وتكون بمثابة حصن ضد التأثيرات الخارجية، مما يتيح للمنطقة الفرصة لتقرير مصيرها.
في جوهرها، رغم أنها تبدو بسيطة بشكل خادع على السطح، إلا أن المعادلة الإسرائيلية السعودية هي بوتقة من الاستياء التاريخي بين إسرائيل وإيران ووكلائها مثل حماس وحزب الله، والتنافس بين القوى العظمى.
ومع ذلك، فإن التهديدات والفرص الاقتصادية المشتركة على وجه التحديد هي التي قد تقرب إسرائيل والسعودية من بعضهما البعض.
وحتى في وقت الصراع بين إسرائيل وحماس، قد تستمر الرياض والقدس في التقارب مع بعضهما البعض. العالم يراقب بفارغ الصبر.
لدى إدارة بايدن فرصة تاريخية للتوسط في صفقة رائدة تشمل إسرائيل والسعودية والسلطة الفلسطينية، ليس فقط على الرغم من صراع إسرائيل مع حماس ولكن بسببه.
وأياً كانت النتيجة، فإن العواقب المترتبة على القرارات التي اتخذتها إسرائيل والسعودية سوف تشكل بلا أدنى شك مسار الشرق الأوسط، وبالتالي العالم ككل.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=66629