سلطت دراسة تحليلية الضوء على بوصلة الخليج في حرب غزة ولبنان والتي تفتقد إلى استراتيجية موحدة في التعاطي مع الأزمات الإقليمية المتلاحقة في ضوء حرب إسرائيل على كل من قطاع غزة ولبنان.
وتناولت الدراسة الصادرة عن “البيت الخليجي للدراسات والنشر” التحليل التفصيلي لمواقف دول مجلس التعاون الخليجي تجاه الحرب الإسرائيلية المستمرة في غزة ولبنان، مشيرة إلى تباين ردود فعل دول المجلس وعدم وجود استراتيجية موحدة في التعاطي مع الأزمات المتلاحقة.
وأكدت الدراسة أن هناك غيابًا واضحًا لرؤية استراتيجية موحدة لدى دول مجلس التعاون، إذ تعاني الدول من تفاوت كبير في استجابتها للأحداث، ما يؤدي إلى مواقف غير ثابتة وتوجهات متباينة.
في نوفمبر 2023، دعت السعودية إلى قمة عربية إسلامية مشتركة طارئة في الرياض، وذلك استجابةً للظروف الاستثنائية في غزة. كما وتنشط الإمارات بشكل ملحوظ من خلال “دبلوماسية المساعدات” ويعتبر فريقها الإغاثي الأهم عربيًا ودوليًا. بالتوازي، تقود قطر، بالشراكة مع مصر وتحت غطاء أمريكي، مسار المفاوضات المتعثر بين إسرائيل وحماس في محاولة للوصول إلى إيقاف دائم لإطلاق النار وإتمام صفقة تبادل للأسرى.
ورغم القواسم المشتركة بين السعودية والإمارات والبحرين، إلا أنه يمكن التمييز بين نقاط الاختلاف، حيث تظهر الرياض أكثر حذرًا فيما يتعلق بملف التطبيع مع إسرائيل، وتفضل استلام أثمان أي صفقة سياسية مقدمًا، بينما تعتمد أبوظبي رؤية أكثر جرأة، حيث تراهن على القفز المبكر نحو التطبيع وتعزيز العلاقات مع تل أبيب، مما يعكس اختلافًا في الاستراتيجيات بين الدولتين.
وبرز ملف تطبيع العلاقات بين دول الخليج وإسرائيل باعتبار الأخيرة بديلًا يُمكنه تعويض خروج الولايات المتحدة من المنطقة والاتجاه شرقًا نحو روسيا والصين، ومع ذلك، وعلى الأرض، لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بقواعدها العسكرية في جميع دول الخليج، مما يفقد هذا الزعم كثيرًا من وجاهته، فدول الخليج تسعى لتوقيع المزيد من الاتفاقات الدفاعية مع واشنطن، وتسعى لتصحيح مسار علاقاتها مع إيران، مما يدل على تعقيد المشهد الإقليمي.
وتظهر دول الخليج بوضوح أنها لن تسمح باستخدام أي من قواعدها العسكرية أو أجوائها في توجيه أي ضربة عسكرية إسرائيلية أو أمريكية على إيران، هذه الرسالة تعكس قلقها من التصعيد العسكري الإقليمي وتظهر رغبتها في الحفاظ على استقرارها الداخلي.
تاريخيًا، وقبل دخول بريطانيا إلى الخليج عام 1820، استطاعت دول الخليج، التي كانت آنذاك مشيخات ضعيفة، إدارة علاقاتها مع إيران لنحو قرنين من الزمان، اليوم، يتضح أن دخول إسرائيل إلى الخليج لا يمثل ضمانة لأمن دوله قبالة إيران، بل يزيد من تعقيد المشهد.
إن تحويل مدن وموانئ دول الخليج العربية إلى منصات إسرائيلية أو مسرحًا لعمليات الموساد وصراعات طهران وتل أبيب يعرض أمن هذه الدول لمخاطر كبيرة.
وبالنظر إلى تطورات الحرب في غزة ولبنان، يمكن الافتراض أن الثلاثي: السعودية والإمارات والبحرين، يرسم مواقفه باحترافية تهدف إلى الاستفادة من تصفية إسرائيل لأذرع إيران، مثل حماس وحزب الله، لكن، يجب أن نلاحظ أن خروج إسرائيل بانتصار ساحق لا ينطوي على أي مصلحة لدول الخليج، إن انتصار إسرائيل في هذه الحرب، مع تأمين حدودها، سيحررها من مناقشة حل الدولتين، مما يعزز موقفها في المنطقة.
وعليه، سيفقد الضغط الأمريكي على تل أبيب لتقديم أي تنازلات لتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب سياقه، مما يعني أن سلة الحوافز التي اشترطتها الرياض لتطبيع علاقاتها مع تل أبيب قد انتهت.
ومنذ 7 أكتوبر 2023، تعمل قطر بجد في الساحة الدبلوماسية للوصول إلى اتفاق ينهي الحرب في غزة، لكن دون جدوى، حيث تواجه قطر ممانعة من حماس، التي تشترط وقفًا لإطلاق النار وانسحابًا إسرائيليًا كاملاً من غزة.
كما أن التعنت الإسرائيلي وضع العديد من المتاريس أمام جهود التسوية، وصولًا إلى اغتيال إسرائيل للمفاوض الفلسطيني رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، أواخر يوليو الماضي في طهران.
وتقف الدوحة في مواجهة تل أبيب إعلاميًا، حيث تثير قناة الجزيرة، ذراع قطر الإعلامية، غضب الإسرائيليين من خلال تغطياتها المباشرة وتركيزها على الانتهاكات التي يمارسها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.
كما تتبنى قناة الجزيرة سياسة تحريرية واضحة تُجرم إسرائيل وعملياتها، وتعتبر ما يحدث إبادة جماعية للفلسطينيين في القطاع، مما يقدم رواية مغايرة تمامًا لما تبثه قناة العربية (السعودية) وسكاي نيوز عربية (الإمارات).
وتتضح التحديات التي تواجهها قطر في محاولاتها لفرض نفوذها على الساحة الدبلوماسية، حيث يعكس موقفها الإعلامي تباينًا كبيرًا في الرؤى بين الدول الخليجية، وهذا يبرز أهمية التنسيق بين هذه الدول لتحقيق أهداف مشتركة في مواجهة الأزمات الإقليمية.
وبذل القطريون جهودًا مضاعفة في ترتيب وضبط خطواتهم ومواقفهم السياسية والإعلامية، كما يعتمدون في تفنيد هذه الدعاية على تعزيز علاقاتهم الثنائية مع واشنطن، حيث تعتبر الدوحة الحليف الأقرب والأهم للولايات المتحدة في المنطقة، ورغم أن هذا التكتيك قد حقق نجاحًا نسبيًا، إلا أنه يُحدّ من النفوذ القطري ويُحجمه، مما يعكس التحديات التي تواجهها الدوحة في تحقيق أهدافها الدبلوماسية.
من جهة أخرى تاريخيًا، كانت الكويت واحدة من أبرز الدول الخليجية والعربية الداعمة للقضية الفلسطينية، لكن الموقف الكويتي الحالي يبدو أكثر انكفاءً على مستوى الدولة ومؤسساتها السياسية، ربما بسبب المرحلة السياسية العميقة التي تمر بها البلاد.
كما أن الكويت تسعى لتكييف سياساتها الخارجية مع الموقف السعودي، مما يبرز أثر العلاقات الثنائية في تحديد المواقف السياسية.
وفي المقابل، يظهر الموقف العماني بشكل أكثر حضورًا وفعالية في الاشتباك مع الحرب الدائرة في غزة، كان هناك تغيير جذري في الخطاب الحكومي العماني، حيث أكدت الحكومة مرارًا وتكرارًا دعمها للقضية الفلسطينية، بما يتماشى مع موقف الشعب العماني والمؤسسة الدينية.
ويُعتبر هذا الموقف من بين الأكثر مساندة للشعبين الفلسطيني واللبناني على مستوى الخليج والعالم العربي.
ومع ذلك، فإن تبادل الأدوار بين عمان والكويت فيما يتعلق بمستوى الاهتمام بالحرب لا يغير من مستوى التأثير، خصوصًا أن هذه المواقف تفتقر إلى استراتيجيات أو تكتيكات خاصة، وتبقى دول الخليج بحاجة إلى رؤية واضحة تنظم مواقفها السياسية وجهودها الدبلوماسية وخطاباتها الإعلامية تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وهو ما يُظهر أن اختلاف الرؤى والتباينات السياسية بين دول المجلس لا تزال فاعلة.
ولا تزال دول الخليج تدير ملف علاقاتها مع كل من إسرائيل وإيران بالاعتماد على مجريات الصراع بين طهران وتل أبيب، وليس على استراتيجيات صلبة وجامعة تضمن مصالحها واستقرار المنطقة، هذا الوضع يُشير إلى تناقض لافت في السياسات والخطاب الإعلامي لدول المجلس، مما يعكس غياب رؤية موحدة تعكس المصالح المشتركة.
إن تراجع دول الخليج عن لعب دور سياسي ودبلوماسي مؤثر وفارق في الأزمة قد يحد من أدوارها المستقبلية، ويجعلها رهينة للفراغات التي تتركها كل من إسرائيل وإيران، وهذا قد يؤدي بدوره إلى تراجع نفوذها في الساحة الإقليمية.
وفي السياق لم يمنح تطبيع العلاقات مع إسرائيل أي أفضلية لدول الخليج في التأثير على السياسات الإسرائيلية خلال الحرب، كما أنه لم يمنح إسرائيل القدرة على الاستفادة من دول الخليج في صراعها مع إيران.
هذه الديناميكيات توضح أن العلاقات الدبلوماسية لا تعني بالضرورة القدرة على التأثير الفعلي في الأزمات، مما يستدعي إعادة النظر في استراتيجيات دول الخليج وتكتيكاتها.
إن الوضع المعقد في الشرق الأوسط يتطلب من دول الخليج إعادة تقييم استراتيجياتها وتوحيد مواقفها، بينما تهدف هذه الدول إلى تحقيق مصالحها الوطنية، يجب عليها أن تدرك أن الأزمات الحالية تتطلب منها اتخاذ مواقف واضحة ومتسقة.
إن تعزيز التعاون والتنسيق بين الدول الخليجية هو السبيل الوحيد لضمان تأثيرها في الأزمات الإقليمية، وضمان مستقبل آمن ومستقر لشعوبها.
وفي ظل التحديات المتزايدة، يتوجب على دول الخليج أن تعيد التفكير في كيفية إدارة علاقاتها مع القوى الكبرى، وكيفية التعامل مع الأزمات الإقليمية بشكل يضمن استقرارها وأمنها.
فإذا تمكنت دول الخليج من التغلب على خلافاتها والتعاون بشكل أكثر فعالية، فقد تتمكن من تعزيز نفوذها وتحقيق مصالحها في بيئة إقليمية معقدة ومتغيرة باستمرار
إن الأزمات الحالية في غزة ولبنان تُبرز الحاجة الملحة لدول الخليج إلى وضع استراتيجيات متماسكة وفعالة تعزز من دورها في الساحة السياسية الإقليمية، كما يتطلب ذلك توحيد الرؤى والجهود بين الدول الأعضاء، وتعزيز مواقفها تجاه القضايا المصيرية، بما في ذلك القضية الفلسطينية.
في ظل التحديات المستمرة، يمكن لدول الخليج أن تلعب دورًا محوريًا في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين، إذا تمكنت من تجاوز خلافاتها وتحقيق تنسيق فعّال في مواقفها السياسية والدبلوماسية.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=68616