أظهرت القمة العربية الثانية والثلاثين التي انعقدت في مدينة جدة السعودية الهيمنة المتنامية للمملكة على الدول العربية في لحظةٍ تاريخية فارقة تصاعد فيها النفوذ السياسي للدولة الخليجية بشكل غير مسبوق على المستوى العربي.
وكرست القمة مكانة السعودية باعتبارها المملكة التي باتت في موقع قيادة منظومة العمل العربي المشترك. كما أنها تدشن لملكية غير معلنة لولي العهد محمد بن سلمان ولحقبةٍ سعودية جديدة في منطقة الشرق الأوسط.
وبحسب مؤسسة “فنك” الأوروبية فإن قمة العرب يغلب عليها الطابع البروتوكولي الخالي من المفاجأت. لكنّها هذه المرّة شهدت عودة النظام السوري إلى المنظومة العربية. ويأتي ذلك بعد إبعادٍ استمر لسنواتٍ طويلة على خلفية الأزمة التي اشتعلت في سوريا منذ عام 2011.
والتوقعات بشأن القمة ستتحدد وفقاً لمدى نجاح الدبلوماسية السعودية في استغلال نفوذها لفرض هدنة بين طرفي الحرب في السودان، على نحو ربما سيقلّل من الفجوة التقليدية بين طموحات الشارع العربي وقادته السياسيين.
وبحسب مصادر سعودية تحدّثت لفنك، فإن ابن سلمان يطمح لإنهاء الحرب السودانية الدائرة بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
وتؤكد المصادر على وضع ولي العهد السعودي لنفوذه الإقليمي والدولي على المحك لوقف النزاع السوداني.
وعلى الرغم من التفاؤل الذي ساد بشأن المفاوضات التي تعقد في جدة بين ممثلي الجانبين، فإن القتال لا زال محتدماً في مناطق متفرقة في السودان، لاسيما الخرطوم.
وتأمل السعودية، بحسب وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان، أن يقود حوار جدة إلى إنهاء الصراع، وانطلاق العملية السياسية، وعودة الأمن والاستقرار إلى السودان.
وتأكيداً لمكانة بلاده الدولية، فقد حرص وزير الخارجية السعودي على الإشارة إلى أن هذه الاستضافة هي “نتاج تكاتفٍ دولي والتي تمت بجهود حثيثة مع الولايات المتحدة الأمريكية وبالشراكة مع دول المجموعة الرباعية، والشركاء من الآلية الثلاثية”.
وكدلالة على الآمال الدولية والإقليمية المعقودة على نجاح الوساطة السعودية في السودان، فقد استقبل ولي العهد السعودي مستشارين للأمن القومي الإماراتي والأمريكي والهندي دفعة واحدة.
ويأتي ذلك في الوقت الذي يتوافد فيه مسؤولون آخرون من دولٍ عربية وغربية على المملكة بحسب مصادر سعودية.
وطبقا لنفس المصادر، فقد تمحور النقاش حول الوضع في السودان في ضوء الوساطة التي تقودها السعودية، وتشارك فيها الولايات المتحدة والأمم المتحدة.
لكن وكالة الأنباء السعودية، اكتفت بالقول إن اللقاء “بحث سبل تعزيز العلاقات والروابط بين دول هؤلاء المستشارين والسعودية، وبما يعزز النمو والاستقرار في المنطقة”.
وعلى الرغم من الضعف الذي تعانيه بشكل واضح العلاقات السعودية الأمريكية، فقد اجتمع ولي العهد السعودي مع وفد أمريكي ترأسه مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان.
وكان لافتاً إعلان البيت الأبيض في بيان أن سوليفان شكر ولي العهد السعودي “على الدعم الذي قدمته السعودية للمواطنين الأمريكيين أثناء الإجلاء من السودان”.
وينظر للأمير محمد على المستوى الدولي باعتباره حاكماً فعلياً للمملكة النفطية. ومع ذلك، فإن الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود يمارس مهامه بصورة رسمية.
وترأس العاهل السعودي اجتماعاً عقدته الحكومة في جدة وتابع خلاله التطورات في السودان.
ومثّل الاجتماع مناسبةً للإعلان رسمياً عن “جهود المملكة الدبلوماسية والإنسانية لحل الأزمة وعودة الأمن والاستقرار إلى السودان”.
لكن دبلوماسيا سعوديا قال لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه “لم يتم إحراز تقدم كبير حتى الآن”، لافتاً إلى أن “وقفا دائما لإطلاق النار غير مطروح على الطاولة”، باعتبار أن كل طرف يعتقد أنه قادر على كسب المعركة.
مصادر عربية واسعة الاطلاع كشفت لفنك النقاب ما وصفته بـ “خطة سعودية لتصفير المشاكل”، سواء التي تخص السعودية مع دول جوارها الجغرافي، أو تلك العالقة على المستوى العربي.
وبحسب تلك المصادر، فإن المملكة تسعى للعب ما سمته بدور “إطفاء الحرائق السياسية والعسكرية في المنطقة”.
وقادت السعودية عودة سوريا إلى الجامعة العربية، في تطوّرٍ لافت أملت الجزائر بتحقيقه العام الماضي أثناء استضافتها للقمة العربية المنصرمة. وحال غياب السعودية ومعظم دول الخليج عن تلك القمة دون تحقيق الطموح الجزائري.
وبحسب المصادر العربية التي اشترطت حجب هويتها، فإن فشل الجزائر في إعادة الأسد للمنظومة العربية ولّد غضباً جزائرياً مكتوماً، وهو ما دفع السعودية لامتصاصه عبر قيام وزير خارجيتها فرحان بزيارة خاصة للجزائر.
وأبرز بيان وزارة الخارجية السعودية اجتماع بن فرحان مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لإقناعه بحضور القمة العربية المرتقبة على الأراضي السعودية، خاصة وأنه يترأس الدورة الحالية لمجلس الجامعة العربية على مستوى القمة.
واستهدفت هذه الزيارة ضمان حضور الجزائر للقمة المقبلة، في انتظار “استلام السعودية للرئاسة خلال القمة المقبلة”، وهو التعبير الذي استخدمه فرحان عقب لقائه مع تبون.
ولفت وزير الخارجية السعودي إلى أن “التنسيق والتعاون على المستوى الثنائي والمتعدد الأطراف يخدم ليس فقط بلدينا، لكن يخدم أمن واستقرار العالم العربي ومنطقتنا بشكل أوسع”.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=62629