قالت دراسة تحليلية نشرتها منصة “أسباب” إن المملكة العربية السعودية تبحث عن شراكة أمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية مقابل التطبيع مع إسرائيل.
ومؤخرا كشف الكاتب الأمريكي الشهير، “توماس فريدمان”، عقب لقاء أجراه في المكتب البيضاوي مع الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، أن الإدارة الأمريكية في مراحل متقدمة من دراسة صفقة أمنية محتملة مع السعودية تشمل تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية.
وأوضح “فريدمان” في مقاله بصحيفة نيويورك تايمز، أن “بايدن” لم يتخذ قرارًا بعد بشأن المضي قدمًا، لكنه أعطى الضوء الأخضر لفريقه للتباحث مع ولي العهد السعودي، الأمير “محمد بن سلمان”، لمعرفة ما إذا كانت الصفقة ممكنة، وبأي ثمن.
أكد “بايدن” ما أورده المقال في اليوم التالي قائلا: “ربما يكون هناك تقارب جاري”. وفي نفس السياق؛ أرسل الرئيس الأمريكي وفدا رفيعا يتكون من مستشاره للأمن القومي، “جيك سوليفان”، والمسؤول الكبير في البيت الأبيض منسق سياسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، “بريت ماكغورك”، وكبير مستشاري الطاقة والبنية التحتية “عاموس هوشستين”، للقاء ولي العهد السعودي.
لاحقا؛ أعرب مسؤولون أمريكيون، لصحيفة وول ستريت جورنال، عن تفاؤل حذر بشأن إمكانية توصلهم إلى تفاصيل أدق للتطبيع السعودي الإسرائيلي خلال فترة قد تمتد إلى عام كامل، حيث لا يزالون يواجهون مصاعب جمة في المفاوضات.
وردا على ذلك شدد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، “جون كيربي”، على أن المفاوضين لا يزال أمامهم طريق طويل ليقطعوه. فيما اعتبر مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، “تساحي هنغبي”، أن الجانبين السعودي والأمريكي جادان للغاية بشأن هذه القضية، متوقعا أن تتبلور مسودة اتفاق في ديسمبر/كانون أول القادم.
مطالب باهظة لتطبيع العلاقات السعودية
جاءت المطالب السعودية باهظة إلى حد كبير، حيث تطالب الرياض بما يلي:
اتفاقية أمنية ثنائية مع واشنطن بمستوى “الناتو”، تُلزِم أمريكا بالدفاع عن المملكة في حالة تعرضها لأي هجوم.
عقود طويلة الأجل لأسلحة متطورة تشمل طائرات مقاتلة من طراز F-35، وأنظمة دفاع صاروخي متطورة مثل بطاريات دفاع ضد الصواريخ الباليستية THAAD.
تطوير برنامج نووي سلمي يتضمن منشآت لتخصيب اليورانيوم داخل المملكة.
تقديم “إسرائيل” تنازلات ذات مغزى تجاه الفلسطينيين بما في ذلك التعهد بعدم ضم أراضي الضفة الغربية.
تشير قائمة مطالب السعودية إلى أن الرياض تنظر للاتفاق المحتمل ليس بوصفه اتفاقية تطبيع ثنائية مع “إسرائيل”، وإنما بكونه اتفاقية أمنية استراتيجية مع الولايات المتحدة تعيد تعريف علاقات الجانبين التي توترت مؤخرا وباتت محل تقييم من الجانبين.
وتشير هذه المطالب إلى أن السعودية تخاطب واشنطن أكثر مما تخاطب “إسرائيل”. أي أن الرياض مهتمة بالحصول على الضمانات الأمريكية الاستراتيجية أكثر بكثير من أي مكاسب منتظرة من توقيع اتفاقية تطبيع مع “إسرائيل”، خاصة وأن التعاون السعودي الإسرائيلي يتقدم بالفعل أمنيا واقتصاديا دون تطبيع رسمي.
وعلى سبيل المثل، اتفقت مؤخرا شركة “سولار إيدج” (SolarEdge Technologies) الإسرائيلية على مشروع مع شركة “عجلان وإخوانه القابضة” السعودية، ستقدّم الأولى بموجبه، بحسب بيان صادر عنها، خدمات توليد الطاقة وتخزينها وإدارتها للشركات السعودية.
في المقابل؛ فإن من بين الأشياء التي تريدها الولايات المتحدة من السعوديين ما يلي:
توقيع اتفاق شامل لتطبيع العلاقات مع “إسرائيل” على غرار اتفاقيات أبراهام.
إنهاء الحرب في اليمن، والتي أثارت انتقادات متواصلة داخل الكونغرس.
حزمة مساعدات سعودية غير مسبوقة للمؤسسات الفلسطينية في الضفة الغربية، بما يضمن تعزيز وضع السلطة الفلسطينية.
قيود كبيرة على العلاقة المتنامية بين السعودية والصين، مثل التخلي عن خطط تسعير بعض مبيعات النفط للصين باليوان بدلا من الدولار، والحد من التعامل مع شركات الصين في المجالات التقنية المتقدمة، مثل هواوي، فضلا عن عدم السماح بتواجد عسكري صيني في المملكة.
وبصورة عامة، وبحسب مصدر مطلع، فأي صفقة أمريكية سعودية لتطوير العلاقات سيكون لها مكون اقتصادي رئيسي، حيث تريد الولايات المتحدة التأكد من أن مثل هذه الصفقة تجعل السعودية أقرب إلى الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالمنافسة مع الصين.
التنسيق بخصوص استقرار أسواق الطاقة وسياسات إنتاج النفط، خاصة بعد تزايد الخلافات مؤخرا بهذا الخصوص، وهو الأمر الذي قد يؤثر على مستوى التعاون بين السعودية وروسيا.
تسارع الإدارة الأمريكية خطواتها للوصول لصفقة تطبيع سعودية إسرائيلية قبل بداية حملة الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2024، حيث يسعى “بايدن” إلى تحقيق إنجاز كبير في السياسة الخارجية. كما تسعى واشنطن من وراء هذه الصفقة المحتملة، إلى إعادة ضبط العلاقات مع السعودية، والتي تكتسب أهمية جيوسياسية، وضمان انحيازها للمعسكر الغربي في ظل تصاعد التنافس الدولي، فضلا عن التوقع الأمريكي بأن يؤدي التطبيع السعودي الإسرائيلي بصورة خاصة إلى ترسيخ الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ومن ثم يتيح لواشنطن تركيز أولويتها نحو مواجهة الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وروسيا في شرق أوروبا.
ويشير التسلسل الزمني للزيارات المختلفة التي شهدتها الأسابيع القليلة الماضية إلى مستوى الجهود الأمريكية للوصول إلى الاتفاق في أقرب وقت ممكن؛ حيث تكررت زيارة كبير مستشاري “بايدن” للطاقة والبنية التحتية “آموس هوكستين” للمملكة مرتين في أقل من شهر، بينما سبق زيارة “جيك سوليفان” الأخيرة إلى الرياض بنحو أسبوع زيارة سرية لرئيس الموساد الإسرائيلي “ديفيد بارنيا” إلى واشنطن ولقاؤه مع “سوليفان” ضمن محادثات بين البلدين تتضمن ملف التطبيع السعودي الإسرائيلي.
طريق طويل مليء بالعقبات
التحدي الرئيسي العام الذي يواجه مساعي هذه الصفقة الواسعة يتمثل في تعقد العلاقات البينية بين الأطراف الثلاثة؛ فبالإضافة لرصيد عدم الثقة بين “بايدن” وولي العهد السعودي، فإن العلاقة الأمريكية الإسرائيلية تعاني من عجز كبير في الثقة، وينظر الكثيرون في إدارة بايدن وحزبه الديمقراطي إلى نتنياهو على أنه غير جدير بالثقة. ومن ثم؛ فإن هذه الأطراف قد تكون أقل رغبة في إظهار المرونة اللازمة تجاه بعضها البعض لتمرير تفاهمات كبرى من هذا النوع.
بالإضافة لذلك؛ يبدو الطريق إلى إتمام صفقة التطبيع مليئا بالعقبات والصعوبات، من جانب كل طرف من الأطراف الثلاثة: الولايات المتحدة، “إسرائيل”، وحتى السعودية نفسها، على النحو التالي:
التحديات من الجانب الأمريكي تتلخص في الآتي:
أولا: تتخوف واشنطن من أن وجود برنامج نووي في السعودية يشمل تخصيب اليورانيوم محليا سيدفع دول المنطقة إلى المطالبة بإنشاء برامج مماثلة مما يزيد من خطر الانتشار النووي في الشرق الأوسط المضطرب دائماً، وهو أمر يتعارض مع سياسة واشنطن الصارمة لمنع انتشار الأسلحة النووية. وليس من الوارد أن تقبل “إسرائيل” ببرنامج نووي سعودي دون قيود والتزامات واضحة. لذلك؛ فإن الأقرب هو أن تعمل واشنطن على إقناع الرياض باتفاقية يجري خلالها تخصيب اليورانيوم خارج المملكة، على غرار البرنامج الإماراتي السلمي.
ثانيا: تنطبق نفس المخاوف بشأن اتفاقية الدفاع المشترك والحصول على الأسلحة المتطورة التي تطلبها الرياض؛ فمن ناحية سيؤدي تلبية تلك المطالب إلى سباق تسلح إقليمي تشارك فيه كل من مصر والإمارات وقطر، والتي ستطالب واشنطن بالتزامات وامتيازات مماثلة، ومن ناحية أخرى ستزيد الأعباء على واشنطن التي ستكون ملزمة بزيادة تواجدها العسكري في المنطقة للوفاء بالتزاماتها الجديدة، بالإضافة لعدم الإخلال بالتزامها تجاه ضمان التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة، ما يتطلب زيادة الدعم أيضا لإسرائيل.
ثالثا: هناك صعوبات كبيرة لتمرير اتفاقية الدفاع المشترك في الكونغرس؛ إذ يتطلب ذلك موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، وهي موافقة مازالت محل شك؛ في ظل الانتقادات الموجهة للرياض، خصوصا إزاء علاقاتها المتنامية مع روسيا والصين، كما من المرجح أن يحرص الجمهوريون على حرمان “بايدن” من هذا النصر الدبلوماسي قبيل الانتخابات.
رابعا: المكاسب التي يسوقها مؤيدو الاتفاق داخل الإدارة الأمريكية قد لا تكون مسلما بها؛ فمن غير المؤكد أن تؤدي الصفقة إلى ابتعاد السعودية عن الصين وروسيا بمسافة ترضي واشنطن، في ظل العلاقات الاقتصادية والتجارية المهمة التي تهم المملكة. كما أن إتمام الصفقة لن يؤدي على الأرجح إلى تشكل حلف أمني سعودي إسرائيلي خاصة بعد اتفاقية تطبيع السعودية مع طهران.
أما التحديات من الجانب السعودي، فأبرزها ما يلي:
أولا: ليس من المتوقع أن تتخلى “إسرائيل” ببساطة عن خططها الرئيسية التي تنسف عمليا أي مسار محتمل لحل الدولتين مقابل التطبيع مع السعودية، وهو أمر يمثل تحديا للرياض التي لا يمكنها ببساطة القبول باتفاق يتجاهل القضية الفلسطينية نفسها، ويمثل تراجعا عن مسألة حل الدولتين؛ لأن هذا قد يثير المشاعر الداخلية في المملكة، كما يتعارض مع تمسك السعودية بتعزيز مكانتها كرائد للعالم السني في سياق منافستها مع إيران، وحتى مع مصر وتركيا.
ثانيا: مع أن للسعودية علاقات غير رسمية مع “إسرائيل” منذ سنوات، أمنية واقتصادية، فقد لا يكون الوقت الحالي هو الأنسب للتطبيع الرسمي؛ وذلك لأن سياسات حكومة الاحتلال المتطرفة قد تؤدي إلى موجات غضب عربية تسبب حرجا للسعودية، خاصة وأن الإمارات والبحرين مثلا تبديان انزعاجهما من تصرفات حكومة الاحتلال، والتي تقوّض مسار التطبيع والتعاون المشترك. وبصورة عامة، انعكست سياسات حكومة نتنياهو على تراجع وتيرة تعميق العلاقات مع دول اتفاقيات أبراهام، وهو ما يعزز من فرضية أن اتفاقيات التطبيع التي تتجاهل القضية الفلسطينية سيكون لها منافع محدودة للغاية.
ومع هذا؛ يجب النظر إلى الطلب الأساسي الموجه لحكومة الاحتلال، والمتعلق بعدم ضم أراضي الضفة وإبقاء حل الدولتين ممكنا، كمسألة يمكن التفاهم حولها؛ فبينما يقول المسؤولون السعوديون علنًا إنهم يصرون على اتخاذ خطوات نحو حل الدولتين، فإنهم يشيرون في جلساتهم الخاصة إلى أن الأمر ثانوي بالنسبة لطلباتهم الأخرى. لذلك؛ من المحتمل التوصل لصيغ شكلية، تحفظ للرياض موقفها السياسي المتمسك بحل الدولتين، دون أن تقيّد سياسات حكومات الاحتلال الفعلية في الضفة، والتي قطعت بالفعل شوطا كبيرا في مخطط ضم الضفة، وإنهاء أي أمل ممكن لحل الدولتين، رغم استمرار تمسك الإدارات الأمريكية وحلفاء “إسرائيل” العرب به سياسيا حتى الآن.
ومن منظور الجانب الإسرائيلي، تتمثل التحديات فيما يلي:
التحدي الرئيسي أمام نتنياهو هو تحقيق هذا الإنجاز الدبلوماسي دون تنازلات حقيقية تقوض تحالفه الحكومي. حيث تبدو تصريحات نتنياهو إيجابية تجاه صفقة التطبيع التي يرى أن لها الأولوية على القرارات الاستيطانية في الضفة الغربية، في ظل تداعياتها بعيدة المدى المتوقعة، خاصة علاقة إسرائيل بالدول الإسلامية، فضلا عن أن الصفقة ستمنحه إنجازا دبلوماسيا غير مسبوق وسط الأزمة الداخلية الحادة التي تتعرض لها حكومته.
الحكومة والمؤسسات الأمنية في “إسرائيل” سيكون عليهم ببساطة الموازنة بين المضي قدما في الأجندة الداخلية المتطرفة، أو إعطاء الأولوية لضم السعودية إلى اتفاقيات أبراهام وتعزيز الجبهة الإقليمية في مواجهة إيران. ورغم أن شركاء الائتلاف الحكومي من المرجح أن يرفضوا التراجع عن أجندتهم، إلا إنهم سيكونون تحت ضغوط محتملة من نخب أمنية وبيروقراطية إسرائيلية، ومن الإدارة الأمريكية لتقديم تنازلات من أجل التوصل لاتفاق تطبيع مع السعودية.
خاتمة: لا يمكن تقييم آفاق هذه الاتفاقية بمعزل عن المشهد الاستراتيجي العالمي الذي تم تأطيره بمنافسة قطبية بين الولايات المتحدة والصين، وأخرى بين الغرب وروسيا، فضلا عن عدد متزايد من القوى المتوسطة الصاعدة الأخرى.
أي إن أي خطوة دبلوماسية كبرى على الجبهة الإسرائيلية الفلسطينية والسعودية يجب أن تأخذ في الحسبان السياق الجيوسياسي الأوسع، أولا: من حيث تأثيره على حسابات الأطراف الفاعلة، وثانيا: من حيث تأثيرات الاتفاق المحتمل على التنافس الدولي الأوسع.
لذلك؛ فإن السعودية تبدو أكثر أطراف طاولة التفاوض استفادة من التوازنات الدولية باعتبارها محل سباق أمريكي صيني، وباعتبارها “الجائزة الكبرى” في مسار التطبيع، بينما ستحقق الولايات المتحدة تقدما مهما في سباقها الدولي إذا نجحت في ضمان التزام السعودية بمتطلبات احتواء صعود الصين دوليا.
الرسالة الأهم التي ترسلها السعودية إقليميا أنها ليست بصدد الثقة في إيران على المدى البعيد. سبق أن أشرنا إلى هذا الاستنتاج عقب توقيع اتفاقية تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية، مرجحين أن الاتفاقية لا تنهي الصراع مع إيران لكنّها تغير استراتيجيته.
لذلك؛ من المحتمل أن تجد الرياض صعوبة في موازنة المسارات الدبلوماسية المتزامنة مع منافسين إقليميين: إيران و”إسرائيل”، فإذا حدث تقدم كبير في أحد المسارين قد يؤدي إلى عرقلة أو تباطؤ المسار الآخر.
من الواضح أن السعودية تسعى لتفعيل مسارات متوازية والحفاظ على سياسة خارجية متنوعة، لكن تعقيد علاقات الأطراف، وحتى تفاقم العداء، خاصة إيران وإسرائيل، قد يبطئ وتيرة التقدم أو حتى يأتي بنتائج عكسية.
على الرغم من كل هذه التحديات والعقبات المحتملة، فإن التوصل لاتفاق من هذا النوع سيعيد رسم خريطة التوازنات في المنطقة بصورة استراتيجية، ستكون السعودية فيها في موقع أكثر حصانة ضد التهديدات الخارجية، وسيواجه نفوذ الصين في المنطقة قيودا أكبر.
بينما ستعزز إسرائيل من اندماجها في المنظومة الإقليمية أمنيا واقتصاديا، دون أن يعني هذا أنها ستكون أكثر أمنا، خاصة إزاء التهديدات الاستراتيجية داخليا إذا تجاهل الاتفاق معالجة جوهرية للقضية الفلسطينية نفسها.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=64773