الحرب اليمنية إلى أين؟

الرياض – خليج 24| توقع الخبير في الدراسات المستقبلية والعلاقات الدولية وليد عبد الحي أن تسعى المملكة العربية السعودية للخروج من الحرب في اليمن.

ونشر عبد الحي مقالا بعنوان الحرب اليمنية إلى أين؟، استعرض فيه ظروف انطلاق الحرب وما آلت إليه، وتأثيراتها على السعودية والإمارات.

وأشارت إلى أن نسبة غير قليلة من الدراسات الغربية –وكثير منها مرتبط بهيئات صنع القرار- ترى أن احتمالات الشقاق بين الحوثيين عالية حال وقف الحرب.

وتوقع بناء على هذه الدراسات أن تتوجه السعودية لذلك، للاستفادة من هذا الأمر.

وفيما يلي نص المقال:

بدأت الحرب اليمنية السعودية قبل ست سنوات ونحن على أعتاب بدء السنة السابعة لها، ورغم متابعتي الحثيثة طيلة هذه الفترة لمئات المقالات والدراسات والتقارير أو الرسائل الجامعية التي تتناول تطورات هذه الحرب من غربية (أمريكية وأوروبية) أو روسية أو صينية أو إسرائيلية فإنني أؤكد أنني لم أجد أي من كل ما ورد يتوقع انتصارًا سعوديًا في هذه الحرب.

ويمكن تلخيص أهم ما اتفقت عليه هذه الدراسات حول الحرب اليمنية في تفسير “استحالة الانتصار” هو:

أولا: الاستهانة السعودية والاماراتية بقدرة الخصم، وبلغت هذه الاستهانة بتقدير ولي العهد السعودي أن الأمر (الحرب) لن يستغرق أكثر من أسبوعين إلى ثلاثة للانتهاء من الحوثيين.

بينما نحن على أبواب الأسبوع الـ313 لبدء الحرب وميزان الحرب يميل حاليا لصالح “أنصار الله” (الحوثيين) كما يتضح في معارك مأرب.

أي أن نسبة الاستهانة هي 99.42%، علما أن المفكر الاستراتيجي الصيني لا تسو (Lao Tzu) وضع قاعدة تعتمدها كل المعاهد العسكرية وهي أن أول مبادئ الحرب “لا تستهن بعدوك”.

ثانيا: المعادلة الجبرية للقوة (algebraic factor) التي طرحها لورنس العرب قبل أكثر من قرن تقريبا.

وهي المعادلة القائمة على متغيرات عدة أهمها التناسب الرياضي بين عدد القوات ومساحة منطقة الصراع وطبيعة التضاريس ومعرفتها.

ولكي لا نغرق في تفاصيل تطبيق المعادلة في اليمن فإن تطبيقها يشير إلى أن المعادلة تعمل لصالح الحوثيين (انصار الله) أكثر منها لصالح السعوديين.

فحجم القوات في ميدان المعركة المركزي (اليمن الشمالي بشكل خاص) يشير إلى أن تطبيق المعادلة يشير إلى تفوق حوثي.

يصل إلى  حوالي 40%، وفي هذا المقام يجب الإشارة إلى أن الحوثيين يسيطرون حاليا على حوالي 60-62% من السكان (أي حوالي 18 الى 19  مليون نسمة).

وحوالي 32% من المساحة (حوالي 158 ألف كم2)، بينما يتوزع 10 مليون يمني على مساحة أكثر من 400 الف كم2 تحت سيطرة حكومة هادي.

ثالثا: الخبرة القتالية: رغم المشاركة الإماراتية في بعض معارك “الربيع العربي” فإن القوات السعودية لم تدخل في أي حرب.

وذلك منذ 1990، أي قبل حوالي ثلاثين سنة، ومعلوم أن مشاركتها في حرب الخليج كانت أقرب للتجميل السياسي.

وتشير إحدى الدراسات إلى نقص الخبرة لدى القوات السعودية وبشكل أقل الإماراتية التي تعتمد على قدر من المرتزقة من ذوي الكفاءات.

كما أن حرب العصابات أكثر تعقيدا من الحروب الكلاسيكية، وهي خبرات تفتقدها قوات كل دول الخليج.

وحتى الأفراد الخليجيون ممن شاركوا في أفغانستان أو التنظيمات الدينية لا ينخرطون تحت إمرة قادة سعوديين لأنهم موضع شك في ولائهم.

بينما يستفيد الحوثيين من خبرات إيران وحزب الله من ناحية ومن معرفتهم الدقيقة بتفاصيل المناطق الجبلية الوعرة.

للغاية التي تدور فيها رحى المعارك الكبرى من ناحية ثانية.

رابعا: ابتعاد الأمراء بشكل نهائي عن مسرح الدم والنار.

وتشير التقارير الغربية بخاصة أن مشاركة الأمراء محدودة للغاية ومقتصرة على قيادة بعض الطائرات الحربية.

وكثيرا ما طغى على هذا الدور دافع “الزهو الفردي”.

ومثل هذا الانكفاء للأمراء عن القيادات الميدانية يجعل الحافز القتالي عند الجندي أكثر ضعفا.

لا سيما أن المبررات التي سيقت لتبرير الحرب فيها ثقوب كثيرة.

فلو أخذنا على سبيل المثال أحد أهم الوحدات القتالية الإماراتية وهي وحدة “الحرس الرئاسي”.

نجد أن من يقودها هو الجنرال الاسترالي مايك هندمارش ( Mike Hindmarsh)، وهو ما يعزز فكرة عدم وجود الكفاءات المحلية من الخبرات العسكرية.

خامسا: ظهور بعض التشقق في جدران التحالف السعودي الإماراتي.

وهذا التشقق أخذ منحيين هما شقاق سعودي إماراتي صامت حول دور المجلس الانتقالي الجنوبي وحدود عمله وعلاقاته مع حكومة هادي.

وظهور تذمر داخل العائلات الحاكمة، وهو ما اتضح في انتقاد الشيخ راشد بن حمد الشارقي أحد أبناء أمير الفجيرة (الاكثر فقرا بين الامارات السبعة)) للحرب في اليمن.

وانتهى به الأمر إلى طلب اللجوء السياسي إلى قطر.

أما في السعودية فإن ضرب أعمدة الدولة الثلاثة خلخل البنية إلى حد بعيد (تمزيق العائلة الحاكمة، وضرب القاعدة الوهابية، وتراجع الريع البترولي).

وهو أمر يجعل العلاقة بين الجبهة الداخلية والجبهة العسكرية أقل تناغما.

سادسا: مؤشر المسافة السياسية (Power Distance index) وهو المؤشر الذي وضعه عالم النفس الاجتماعي الهولندي هوفستيد(Hofstede).

ويقيس هذا المؤشر درجات قبول المجتمع بتراتبية توزيع المواقع الفردية على سلم الثروة (عدالة توزيع الثروة).

وعلى سلم السلطة (تراتبية السلطة والقدرة على مناقشتها في إدارتها لشئون البلاد).

وفي حالة الحرب يجب أن يشارك أصحاب الخبرات في تحديد مصفوفة البدائل وحساباتها في القرار السياسي والعسكري.

وكلما كان ذلك أعلى (قبول التراتبية) كانت احتمالات الهزيمة أعلى.

فإذا علمنا أن أفضل دولة في هذا المقياس في دول العالم هي النمسا بمعدل 11، وقارناها مع كل من السعودية والإمارات سنكتشف الخطورة.

فكل من الدولتين العربيتين حصلتا على معدل 80 بخاصة في التراتبية.

وهو ما يؤدي إلى عدم المرونة في اتخاذ القرار وتباطؤ تسارعه بموازاة تسارع إيقاع وتيرة الحرب.

سابعا: اتساع قاعدة الجبهة الدبلوماسية الاقليمية والدولية الأقل حماسا لاستمرار الحرب، ويعود ذلك لأسباب عدة:

أ‌- البعد الانساني بخاصة أعداد القتلى من المدنيين وأعداد المرضى والجرحى وأعداد المهجرين من بيوتهم.

وكل ذلك أصبح يقدم صورة مشوهة عن الحرب غير مقنعة في أسبابها للكثير من دول العالم

ب‌- انضمام الولايات المتحدة مؤخرا إلى نقد هذه الحرب والعمل على وقفها، ورفع اسم “أنصار الله” من قائمة الإرهاب.

وهذا مؤشر كبير على اتساع الفتق الدبلوماسي على الراتق السعودي.

ت‌- التساؤلات التي بدأت تظهر حول حجم الخسائر البشرية السعودية الإماراتية.

ولعل عدم الإعلان الصريح يجعل باب التأويل والإشاعة مفتوحًا على مصراعيه.

8- بالمقابل، فإن نسبة غير قليلة من الدراسات الغربية –وكثير منها مرتبط بهيئات صنع القرار- ترى أن احتمالات الشقاق بين الحوثيين عالية في حالة وقف الحرب.

ولعل اتساع القناعة بهذا الأمر قد يدفع السعودية إلى التوجه نحو وقف الحرب بدافع استثمار الاحتمال المشار له لاحقا.

9- أخيرا.. السؤال: إن  استمرار الحرب يعني أن صانع قرار إشعال هذه الحرب لا يعتبر ما أوردناه كافيا لوقفها.

وهو ما قد يزيد حجم الخسارة بل قد يدفع لتذكر القصة العربية “يداك أوكتا وفوك نفخ”.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.