تتسارع التحولات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، ومع تزايد التوترات الإقليمية، يظهر التقارب التونسي مع إيران كأحد التحولات الأكثر إثارة للجدل في السياسة الخارجية التونسية.
ففي سياق الأحداث الدراماتيكية التي شهدتها المنطقة، كان من أبرزها سقوط نظام بشار الأسد في سوريا في ديسمبر 2024، مما قد يترك تداعيات على علاقات تونس مع إيران. ورغم هذه التطورات، يبدو أن تونس، بقيادة الرئيس قيس سعيد، ماضية في سياستها التي تهدف إلى كسر التحالفات التقليدية مع القوى الغربية والعربية، وتعزيز علاقاتها مع دول جديدة، بما في ذلك إيران، مما يعكس تحولاً كبيراً في السياسة التونسية مقارنةً بالعقود الماضية التي تميزت بالاعتدال.
الرئيس قيس سعيد، الذي أظهر منذ بداية ولايته في 2019 تفضيله لنماذج حكم بعيدة عن النفوذ الغربي، قد سار خطوة أبعد بتعزيز علاقاته مع إيران. زيارة سعيد إلى طهران في يونيو 2024 كانت بمثابة نقطة تحول في العلاقات بين البلدين، حيث التقى بالمرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، في زيارة تعد الثانية لرئيس تونسي إلى إيران منذ 1965، ورغم الرفض الغربي لهذا التقارب، أكدت تونس مراراً أنها تمثل إرادة شعبها في اتخاذ خيارات سيادية لا تخضع للضغط الخارجي، وهو ما أغضب الاتحاد الأوروبي واعتبره “تطورًا مقلقًا”.
ويسعى الرئيس سعيد إلى تعزيز موقف تونس في الساحة الدولية عبر تكثيف العلاقات مع دول مثل إيران وروسيا والصين، وذلك في إطار سعيه لخلق توازنات جديدة بعيدًا عن الهيمنة الغربية.
كما أن تقارب تونس مع إيران يمثل بالنسبة له وسيلة لكسر ما يراه “الاحتكار الغربي” على علاقات تونس الدولية. وفي المقابل، إيران ترى في هذا التقارب فرصة لتعزيز وجودها في المنطقة العربية من خلال بوابة تونس، خاصة في ظل موقعها الاستراتيجي في شمال إفريقيا.
اقتصاديًا، تأمل إيران في الاستفادة من تونس كمنصة للدخول إلى السوق الإفريقية، نظرًا لأن تونس عضو في السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا وعضو مراقب في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا. في المقابل، ترغب تونس في جذب استثمارات إيرانية، لا سيما في مجالات صناعية مثل تجميع السيارات وصناعة الجرارات، وهي مجالات تفتقر فيها تونس إلى الاستثمارات الكبيرة.
ورغم هذا التقارب، تواجه تونس تحديات داخلية متزايدة. فمن جهة، هناك المخاوف من أن هذا التحالف قد يعزز النفوذ الشيعي في البلاد، وهي قضية حساسة في بلد يتسم بتنوع ديني ومذهبي. وعلى الرغم من أن التشيع في تونس ليس واسع الانتشار، إلا أن هناك تخوفات من أن دعم إيران قد يؤدي إلى تصاعد هذه الظاهرة، خاصة في بعض المناطق الجنوبية.
كما أن التحديات الاقتصادية التي تمر بها تونس في الوقت الحالي، بما في ذلك الأزمة الاقتصادية وتراجع الدعم المالي من الدول الغربية، قد تدفعها إلى البحث عن مصادر تمويل بديلة. وبذلك، فإن العلاقات مع إيران قد تمثل فرصة اقتصادية أكثر منها سياسية في هذا السياق.
وتسعى تونس الآن إلى تبني سياسة تعدد الأقطاب، وهو ما يميز توجهاتها الخارجية الجديدة، هذه السياسة تتسم بمحاولة توسيع علاقاتها مع القوى العالمية الكبرى مثل الصين وروسيا، مع الإبقاء على روابطها التقليدية مع الدول العربية الكبرى مثل السعودية. ومن خلال هذه السياسة، يسعى الرئيس قيس سعيد إلى تقليل الاعتماد على القوى الغربية التي لطالما فرضت شروطًا اقتصادية وسياسية على تونس.
علاوة على ذلك، يعكس التقارب بين تونس وإيران تطورًا ثقافيًا يمكن أن يكون له دور في تعزيز العلاقات بين البلدين. فإيران، التي تتمتع بثقافة غنية في مجالات الأدب والفنون، لا تزال تحظى باهتمام في تونس، حيث تعتبر السينما الإيرانية والموسيقى الفارسية جزءًا من التبادل الثقافي المستمر بين البلدين. ويُعد الأسبوع الثقافي الإيراني في تونس تقليدًا سنويًا ظل يتمتع بشعبية كبيرة، وهو أحد أوجه التقارب الثقافي بين الشعبين.
إلا أن هذا التقارب يحمل أيضًا مخاطر سياسية، لا سيما في ظل التوترات المستمرة بين إيران وإسرائيل، مما قد يضع تونس في موقف صعب في حال تصاعدت الأزمات الإقليمية. بالإضافة إلى ذلك، قد تؤثر ضغوط القوى الغربية على تونس للانخراط في عملية تطبيع مع إسرائيل، وهو أمر مرفوض شعبيًا في البلاد.
وفي خضم هذه التحولات، يظل التساؤل قائمًا حول مدى قدرة تونس على الحفاظ على استقلال قرارها السياسي في وجه الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=70049