عمان – خليجي 24 :
طرح برفسور علم المستقبليات الدكتور وليد عبد الحي ستة أسباب لما وصفه الصدمة البترولية الكبرى، أهمها أزمة جائحة انتشار فايروس كورونا، وختم بتساؤل مهم “هل سنصل الى مرحلة يحرق فيها منتجو النفط بعضا من نفطهم ليكبحوا ضمور الاسعار على غرار ما جرى مع ” شاي بوسطن” ليمنعوا بريطانيا من زيادة الضرائب..ربما”.
وعن أسباب الصدمة النفطية القائمة التي جعلت اسعار البترول تصل الى حد السالب في بعض الاسواق النفطية، سرد عالم المستقبليات سبعة أسباب ونتيجتين.
ويعني أن يُباع البرميل النفطي بالسالب، أن تاجر البترول الذي يخزنه عنده للبيع سيدفع لك مبلغا (لنقل ربع دولار للبرميل) لكي تخلصه منه (أي ان البائع يدفع للمشتري ).
وعدد عبد الحي الأسباب بدءا من الكورونا وتسببه في توقف المصانع والمكاتب وكافة وسائل النقل البرية والبحرية والجوية مما ادى الى انخفاض متصاعد ومتسارع في الطلب على البترول، فقد انخفض الطلب على البترول بحوالي 10 مليون برميل يوميا، وهو ما خلق تخمة بترولية ، ونظرا للغموض في تقدير المدة التي يمكن للعالم فيها ان يسيطر على فيروس الكورونا، فان هذا الطلب سيتواصل بمعدل انخفاض جديد يصل الى ثلاثة ارباع المليون برميل للمعدل اليومي خلال عام 2020.
وعليه، يقول عبد الحي، فان الفائض في البترول المعروض ناتج عن الكورونا ولكنه ايضا ناتج عن تراجع في الطلب العالمي قبل الكورونا بحوالي 3 سنوات، ففي عام 2017 بدأ الانخفاض على الطلب وبشكل خطي من حوالي 96 مليون برميل الى حوالي 87 مليون برميل مما خلق نواة تخمة ثم جاء الكورونا ليلفها بغلاف سميك، فالتخمة سابقة على الكورونا ولكنه اعطاها دفعة قوية.
والسبب الثاني هو تراجع نصيب البترول من مصادر الطاقة، من المعلوم انه قبل الكورونا ومنذ عقود ، فان اعتماد العالم على مصادر طاقة بديلة كان يتزايد ، وهو ما جعل نصيب البترول يتراجع في اجمالي الاستهلاك العالمي، فاذا قارنا متوسط التغير السنوي العالمي في إنتاج الطاقة حسب مصادر الطاقة المختلفة(الفحم، الغاز، الطاقة النووية، الطاقة الشمسية، تدوير النفايات وتحويلها لمصادر طاقة، نجد انه خلال الفترة من 1971-2019 كان اقل تغير هو في البترول بينما المصادر الاخرى تفوقه في زيادة نصيبها من قطاع الطاقة العالمي، وهو ما يساهم في زيادة وفرته وبالتالي تعزيز العرض على حساب الطلب، مما يعزز من الميل نحو تخفيض الاسعار.
والسبب الثالث لصدمة البترول، كما يراه عبد الحي، هو اتساع دائرة الدول المنتجة للنفط ( حوالي عشرين دولة) مما جعل التنسيق اكثر صعوبة، اذ هناك 7 دول منتجة ومصدرة للبترول خارج منظمة الاوبك وهي تمتلك حوالي 21% من احتياطيات النفط المؤكدة، لكن نصيب دول اوبك لا يزيد عن 30% من امدادات النفط العالمية، بينما تغطي الدول من خارج الأوبك النسبة المتبقية ( مثل الولايات المتحدة وروسيا وكندا والبرازيل وكازاخستان والنرويج والمكسيك..الخ) الى جانب الدول التي لا تصدر ولكنها تغطي نسبة من احتياجاتها من انتاجها المحلي مثل الصين.
ورأى عبد الحي أن هذا يعني أن ضبط السوق النفطي عبر الاوبك لم يعد فاعلا في جانبي كميات الانتاج وتحديد السعر، ناهيك عن الصراعات الداخلية داخل الاوبيك لا سيما بين ايران وفنزويلا مع السعودية او الصراعات التاريخية الأخرى حول العضوية في المنظمة ، فهناك دول جمدت عضويتها ثم عادت او انسحبت لاسباب مختلفة لتعود ثانية( كما جرى مع الاكوادور و واندونيسيا والغابون وقطر..الخ)،و وعليه فخلافات الاوبك ادت الى انفلات العرض دون مراعاة الطلب.
واعتبر عالم المستقبليات أن تباطؤ معدلات النمو لا سيما في الدول الاكثر استهلاكا للنفط، هو السبب الرابع، نظرا لانخفاض معدلات النمو لا سيما في الدول الاكثر طلبا مثل الصين حيث بدأت التخمة في السوق الدولي النفطي تتزايد، فكلما تراجعت معدلات النمو الاقتصادي تتراجع معه معدلات الطلب على الطاقة ، واتى فيروس الكورنا ليزيد الامور تعقيدا فتنتفخ التخمة من جديد.
والسبب الخامس، هو التخزين الذي قامت به الدول المركزية في الاستهلاك من خلال اعادة حقن الآبار البترولية الفارغة، وملء الحاويات العملاقة وابقائها في المياه الدولية، بل ان العديد من مصافي العالم الكبرى بدات تعاني من عدم القدرة على استيعاب الفائض وتكريره، أي انها تعمل بكل طاقتها لامتصاص الوفرة البترولية وهو ما يزيد المعروض منه ويزيد الامور صعوبة، أي ان العرض يتزايد والمخزون الاحتياطي الاستراتيجي للدول الاكثر طلبا يتزايد..فازداد الوضع انفلاتا جديدا.
واعتبر عبد الحي أن المماحكات السياسية السعودية الروسية، تعد السبب السادس لهذه الصدمة النفطية، حيث أدى تحول الولايات المتحدة الى مصدرة للبترول من خلال استخراجها للزيت الصخري لإثارة المخاوف الروسية من ان ذلك سيقود على المدى البعيد الي التأثير على الاسواق المعتمدة على الطاقة الروسية لا سيما في اوروبا والصين بشكل خاص، وللجم ذلك رأت روسيا ان زيادة الانتاج وتخفيض السعر دون مستوى نفقات استخراج الزيت الصخري (العالي التكلفة في الانتاج الأمريكي ) سيقود لضرب الشركات الامريكية التي يكلفها الانتاج الصخري مبالغ تفوق السعر الذي تبيع به لمجاراة اسعار روسيا والاوبك، فتهجر هذا القطاع مما يضمن بقاء العلاقة الروسية الاوروبية بشكل خاص في القطاع النفطي على حالها، اما المملكة السعودية فدوافعها السياسية تجاه روسيا كانت هي المحرك لتحللها من التزامات الاوبك ولتزيد الضغط على ثلاث دول تعاني من الحصار بخاصة الامريكي وهي روسيا وايران وفنزويلا، أي ان القاعدة هي روسيا ضد امريكا والسعودية ضد روسيا، فوصلت التخمة ذروتها وهو ما يفسر الحاح الرئيس ترامب بميركنتيليته البراغماتية على ضرورة التوافق الروسي السعودي
كما أضاف عبد الحي بدء الدفء في اوروبا ومناطق اخرى مع اطلالة الصيف كسبب سابع لأزمة النفط، حيث يساهم هذا العامل ايضا في مزيد من تقليص الطلب ، فتزداد الامور حدة مرة أخرى.
وتوقع عالم المستقبليات نقطتين مركزيتين كنتائج للوضع الحالي، قائلا اذا قارنا الوضع الحالي بالكساد الكبير في 1929-1933، نشير الى ان القدرة على الخروج من عنق الزجاجة سيتفاوت من بلد لآخر طبقا لامكانيات كل طرف، فقد بدأ خروج بعض الدول من هذا العنق في الكساد الكبير بعد خمس سنوات، وبعضها بقي يئن حتى بدايات الحرب العالمية الثانية، لكن الامر يقتضي الاخذ في الاعتبار ان الكساد الكبير كان نتيجة لهيكلية الاقتصاد العالمي في تلك الفترة، بينما الان هو ضحية لما تسميه الدراسات المستقبلية ” المتغير قليل الاحتمال عظيم التأثير “(Low Probability-High Impact)( الكورونا) ، وهو ما يعني ان التعافي من الازمة مرهون بعمر الكورونا بشكل كبير ليبدأ التعافي خلال سنة الى اثنتين بعدها، مع التنبه الى ان اضرار الازمة ضربت المركز وشبه المحيط ولا بد من وصولها لشواطئ المحيط طبقا لتقسيمات والرستاين…لكن استمرار التخمة النفطية سيبدأ في التراجع بشكل يتناسب تدريجيا مع نسبة دوران موتورات المصاتع والطائرات والسيارات…الخ.
ومن جانب أخر، لفت عبد الحي إلى أن البعض رأى ان الحرب العالمية الثانية كانت ضمن تداعيات الكساد الكبير ، حيث عرفت قطاعات الانتاج الحربي تطورا كبيرا وساهمت بقدر كاف في تنشيط آليات النمو الاقتصادي ، وهو ما يعتبره هذا التيار احتمالا لعودة المشهد العسكري من جديد بين القوى الكبرى..واظن ان هذه المقاربه فيها وثوب غير رشيق عن الظروف الذاتية والموضوعية لكل من مرحلة الكساد الكبير والمرحلة الحالية، لكن قد تدار بعض التنافسات الدولية عبر انماط حروب جديدة بالوكالة( Proxy War ) قد يكون شرقنا بعضا من حلباته، ما لم يطل علينا ” قليل الاحتمال عظيم التأثير” مرة اخرى.
وختم متسائلا: هل سنصل الى مرحلة يحرق فيها منتجو النفط بعضا من نفطهم ليكبحوا ضمور الاسعار على غرار ما جرى مع ” شاي بوسطن” ليمنعوا بريطانيا من زيادة الضرائب..ربما.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=1427