كشفت صحيفة واشنطن بوست أن قوات الدعم السريع السودانية دخلت وسط مدينة الفاشر، آخر مدينة رئيسية في إقليم دارفور كانت لا تزال تحت سيطرة الجيش السوداني، في خطوة أثارت مخاوف واسعة من وقوع مجزرة جديدة بحق المدنيين المحاصرين في المدينة.
وأكد مستشار في قوات الدعم السريع يُدعى بِش طبيق أن قواته سيطرت على مقر قيادة الجيش السوداني في الفاشر، فيما نشرت حسابات موالية للميليشيا صورًا من داخل المبنى. ونقلت الصحيفة عن ضابطين في الجيش داخل المدينة تأكيدهما أن القوات الحكومية أعادت انتشارها في مواقع أخرى بعد اختراق الدعم السريع لوسط المدينة.
وبينما لم يُعرف بعد ما إذا كانت المدينة بأكملها تحت سيطرة الدعم السريع، فإن المعلومات الواردة تشير إلى أن خطوط الاتصال انقطعت منذ بداية الصراع، ما يجعل من الصعب التحقق من أوضاع السكان الذين يعيشون منذ شهور في حصار خانق.
وتُعد السيطرة على الفاشر، إذا تأكدت، انتصارًا استراتيجيًا ضخمًا لقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بعد خسارتها مواقع حيوية في العاصمة الخرطوم في وقت سابق هذا العام. إذ يستعيد الجيش السوداني تدريجيًا سيطرته على الخرطوم والساحل الشرقي والشمال، بينما تبقى دارفور معقلًا رئيسيًا للدعم السريع.
ومنذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين الجيش والدعم السريع، انحدرت البلاد إلى ما تصفه الأمم المتحدة بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم. فقد فر أكثر من 12 مليون شخص من منازلهم، وتدهور النظام الصحي إلى درجة الانهيار الكامل، فيما يعاني نحو 30 مليون سوداني من نقص حاد في الغذاء والمياه والرعاية الطبية.
ويرى محللون أن السيطرة على الفاشر تعني أكثر من مجرد نصر ميداني؛ فهي تفتح طريق الإمداد نحو حقول النفط وتربط الدعم السريع بشبكات تهريب السلاح في ليبيا.
وقال آلان بوسويل، مدير مشروع القرن الأفريقي في مجموعة الأزمات الدولية، إن إحكام السيطرة على المدينة “سيجعل سيناريو التقسيم الفعلي للسودان أكثر وضوحاً”، مشيرًا إلى أن الوضع بات يشبه حالة الانقسام الليبي بين الشرق والغرب.
لكن وراء الصراع الميداني تتعمق شبكة من التدخلات الخارجية. إذ وجّهت تقارير دولية اتهامات إلى الإمارات وإيران بإرسال أسلحة وأموال إلى أطراف النزاع، ما أجّج الصراع وأطال أمد الحرب.
ووفقاً لدبلوماسيين غربيين، فقد استخدمت قوات الدعم السريع طرق تهريب تمر عبر تشاد وليبيا لتلقي الإمدادات العسكرية، في حين يتهم الجيش الإمارات بتزويد خصومه بطائرات مسيّرة ومعدات متطورة عبر وسطاء.
ومنذ أبريل 2024، فرضت قوات الدعم السريع حصارًا خانقًا على الفاشر، استهدفت خلاله المساجد ومطابخ الإغاثة والمستشفيات. وقالت الأمم المتحدة إن نحو 600 ألف شخص فرّوا من المدينة والمناطق المجاورة، بينما لا يزال أكثر من 260 ألفًا محاصرين وسط القصف ونقص الغذاء.
وتشير التقارير إلى أن السكان باتوا يأكلون علف الحيوانات والأعشاب للبقاء على قيد الحياة.
ونقلت الصحيفة عن عامل إغاثة قوله إنه شاهد نساءً وأطفالاً مرضى محتجزين مقابل فدية في قرى قريبة، بينهم طفل في الخامسة أصيب بطلق في رقبته. وأضاف أن مقاتلي الدعم السريع يفرضون على المدنيين دفع مبالغ باهظة للعبور الآمن، تصل أحيانًا إلى آلاف الدولارات، وهي مبالغ يستحيل على معظم العائلات دفعها.
وقال العامل، الذي طلب عدم كشف اسمه خوفاً من انتقام الميليشيا، إن “كل شخص تقريباً فقد أحد أقاربه أو اضطر لدفع رشوة للهرب”. وأوضح أن كثيرين يصلون إلى بلدة طويلة المجاورة، التي تحولت إلى مركز استقبال رئيسي للنازحين، لكنها تعاني هي الأخرى من الاكتظاظ ونقص الخدمات.
وفي بلدة طويلة، تحدثت الطبيبة جوليا شيوبريس من منظمة أطباء بلا حدود عن وصول 1300 نازح جديد خلال أسبوع واحد، ربعهم أطفال يعانون من سوء تغذية حاد. وأشارت إلى أن بعض الأمهات “يعانين من الجوع لدرجة أنهن غير قادرات على إدرار الحليب”، ما يضطرهن إلى إطعام أطفالهن خليطًا من الماء والسكر فقط.
وسردت شيوبريس قصة امرأة وصلت إلى المستشفى وهي تجرّ نفسها بعدما فقدت زوجها في القصف، مصابة بجرح خطير في ساقها، فيما كان طفلها الأكبر يحمل شقيقته الصغيرة التي تزن أقل من 6 كغ. وقالت الطبيبة إن الطفلة كانت على وشك الموت من سوء التغذية قبل أن تُنقَذ بأغذية طبية عالية السعرات.
في الوقت نفسه، تتحدث تقارير عن إغلاق متزايد لطرق الإغاثة المؤدية إلى الفاشر، حيث قُصفت قافلتان تابعتان للأمم المتحدة، فيما تُظهر صور الأقمار الصناعية أن قوات الدعم السريع أقامت حواجز ترابية لعزل المدينة تمامًا.
ويخشى السكان من أن يلقى مصير الفاشر مصير مدينة الجنينة، التي شهدت واحدة من أسوأ المذابح في الحرب، حيث قدّرت الأمم المتحدة عدد القتلى بين 10 آلاف و15 ألف شخص.
وقد تحوّل الصراع في السودان من مواجهة بين الجيش والدعم السريع إلى حرب ذات طابع عرقي، حيث تستعين الميليشيات بمقاتلين من مجموعات مختلفة، بعضها يوصف بأنه “عربي” وبعضها الآخر “إفريقي”.
ومع تزايد الانقسامات الداخلية والدعم الخارجي للميليشيات، يحذّر مراقبون من أن السودان يتجه نحو تفكك فعلي يشبه النموذج الليبي، بينما يقف ملايين المدنيين بين الجوع والموت في ظل صمت دولي متزايد.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73029