منذ الإعلان عنه في 2017 كجزء من رؤية المملكة 2030، ارتبط اسم مشروع نيوم بصورة المستقبل بمدينة تقنية خطية بطول 170 كيلومتراً، تعِد بأنماط حياة خالية من السيارات والانبعاثات، وتعتمد على الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة.
لكن بحلول 2025 تبدو الرؤية أقل صرامةً من المخططات الأصلية؛ فمشروع “ذا لاين” الذي كان من المقرر أن يكون أيقونة نيوم، لم يتجاوز حتى الآن امتداداً تجريبياً محدوداً بطول 2.4 كيلومتر.
فيما أعاد صانعو القرار مراجعة الجداول الزمنية والميزانيات بعد إعلان رصد ميزانية أولية تُقَدَّر بنحو 500 مليار دولار للمشروع بكامله — رقمٌ يعكس كبر الطموح ويطرح في الوقت ذاته سؤالاً صريحاً عن الجدوى والواقعية.
ويؤكد المشهد الميداني ازدواجية الإنجاز، إذ على الأرض جرى إنجاز أعمال أساسية مثل تركيب آلاف ركائز الأساس—أكثر من 4,500 حتى الآن—وجاري استكمال 15 ألف ركيزة متوقعة، إلى جانب أعمال حفر ضخمة تُنقل خلالها أطنان التربة أسبوعياً لتجهيز القواعد.
كما أنجزت نيوم جزءاً من البنية التحتية الأولية: أنفاق، قنوات، وشبكات نقل قابلة لأن تكون العمود الفقري لمدينة خالية من السيارات.
وفي غضون ذلك، يتركز البناء الفعلي للسكن والتشغيل على ما سمّيت “المارينا الخفية” بطول 2.4 كلم، الذي يُخطط لاستيعاب نحو 200 ألف نسمة ويتضمن شققاً وفنادق ومساحات تجارية على أن يكتمل هذا الجزء بحلول 2030.
لكن رغم هذه النقاط الملموسة، فإن المؤشرات المالية والإدارية تثير قلقاً متزايداً. التقدير الإجمالي بنحو 500 مليار دولار يضع المشروع في مصاف أكبر المشاريع الحضرية عالمياً، لكنه أيضاً يعرّضه لمخاطر اقتصادية تتراوح بين تقلب أسعار الطاقة وتراجع الأصول السيادية، كما بدا من تقارير تشير إلى تآكل جزئي في أصول بعض صناديق الثروة.
وإعادة جدولة ملفات تمويلية وتأجيل أهداف تشغيلية حتى 2045 يعكسان حاجة النيوم إلى تمويل مستدام، ومرونة إدارية أعمق، وخيارات جذب استثمارات أجنبية أكبر من تلك المتوقعة في السنوات الأولى.
والتحدي التقني لا يقل عن التحدي المالي: تصميم مدينة خطية بطول مئات الكيلومترات يتطلب حلول بنيوية ونقلية غير مسبوقة، من أنفاق فائقة الكفاءة إلى أنظمة نقل داخلي آلي متقدمة، إلى جانب دمج شامل لأنظمة الذكاء الاصطناعي في إدارة المدن والمرافق.
كما تكمن صعوبة إضافية في استقطاب سكان فعليين إلى بيئة جديدة كلياً تتطلب نمط حياة مختلفاً وخدمات متطورة، خصوصاً إذا ما قيّست التجربة بتطلعات جذب ملايين السكان التي كانت تُروَّج لها سابقاً.
من زاوية اقتصادية واستراتيجية، لا يمكن اختزال نيوم في مشروع عمراني فحسب؛ فهو منصة اختبار لابتكارات الطاقة المتجددة، لإنتاج الهيدروجين الأخضر، ولنماذج حكم مدن ذكية.
لذلك فإن فشل نيوم جزئياً أو تأخره سيحمل دلالات أوسع تتعلق بكيفية إدارة دول غنية بالموارد الطبيعية لمشاريع التنويع الاقتصادي الجذرية. ومن جهة أخرى، فإن نجاحه يمكن أن يكون قصة تسويقية قوية للرياض في جذب الاستثمار والتقنية العالمية.
وتتبلور التوصية الأساسية حول ثلاثة محاور عملية: أولاً، شفافية مالية أكبر في آليات تمويل المشروع ومآلات الإنفاق لتقليل المخاطر على المال العام؛ ثانياً، استراتيجية مرحلية قابلة للقياس تركز على مشروعات نموذجية قابلة للتكرار بدل السعي لمدّ كامل في وقت واحد.
وثالثاً بحوار مجتمعي واستقطاب للسكان المحتملين عبر حوافز وضمانات معيارية للخدمات، لأن العنصر البشري هو الفيصل في تحويل بنية تحتية ضخمة إلى مجتمع مستدام وحيّ.
في النهاية، يبقى سؤال نيوم الأساسياً: هل هي رؤية ثورية سباقة تتطلب صبر العالم وموارده، أم اختبار باهظ لمفهوم المدينة المستدامة؟
الرقم 500 مليار دولار يجيب عن حجم الطموح، لكن لا يجيب وحده عما إذا كان هذا الطموح قابلًا للتحقق في زمن الاقتصاد المتقلب والتحديات التقنية والاجتماعية.
ونجاح أو فشل نيوم سيترك أثرًا بعيد المدى على كيفية تخطيط المدن الكبرى في القرن الحادي والعشرين.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73014