قراءة في حيثيات إنشاء منشأة تدريب لسلاح الجو القطري داخل قاعدة أمريكية

أثارت خطط إنشاء منشأة تدريب لسلاح الجو القطري داخل قاعدة ماونتن هوم الجوية في ولاية أيداهو نقاشًا واسعًا في الأوساط السياسية والعسكرية الأمريكية، وسلطت الضوء مجددًا على عمق وشكل التحالف الدفاعي بين الولايات المتحدة وقطر.

وأبرز شبكة فوكس نيوز الأمريكية صدور تصريحات رسمية من بعثة قطر في واشنطن وسجالات برلمانية محلية تؤكد أن الاتفاقية لا تنشئ “قاعدة قطرية” داخل الأراضي الأمريكية، بل هي شراكة تدريبية تمولها الدوحة وتبقى تحت السيطرة الأميركية.

إذ أكد حمد محمد المطفح، نائب رئيس البعثة القطرية في واشنطن، أن قطر ستمول بناء منشأة التدريب والثكنات المخصصة لطياريها بالكامل دون أن يترتّب على دافع الضرائب الأمريكي أي عبء مالي، مشيرًا إلى أن المشروع سيسهم في دعم الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل في أيداهو.

وتضع تصريحات المطفح الخطط في إطار علاقات تعاون متبعة بين الولايات المتحدة وحلفائها، وتربطها بسياق صفقات تسليح وتدريب طويلة الأمد، من بينها اتفاق 2017 لشراء طائرات F-15QA والذي مثّل خطوة مهمة في شراكة أمنية واستراتيجية بين البلدين.

ورغم هذه التطمينات، سرعان ما تصاعدت التكهنات داخل الكونغرس حول طبيعة التواجد وأهدافه. رسالة من حاكم أيداهو وعدد من أعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري طلبت توضيحات من وزارة الدفاع حول تفاصيل الاتفاق وخططه، مع طلب عقد إحاطة خاصة في بويزي لعرض المعطيات على ممثلي الولاية.

والمخاوف تبدو مزدوجة: حرص على الشفافية والإشراف الفدرالي–الولائي، ورد فعل جماهيري محتمل تجاه وجود قوات أجنبية تتدرب على تراب أمريكي، ولو كانت تلك المنشأة مموَلة من دولة شريكة.

الجانب الأمريكي أيضاً حاول التهدئة. تصريحات وزير الحرب الأمريكي أكدت أن المنشأة «ليست قاعدة قطرية»، وأن السيطرة على القاعدة ستبقى أمريكية كما هي الحال مع ترتيبات مماثلة مع شركاء دوليين آخرين.

ويبرز هذا التوازن بين استضافة عناصر تدريبية لحليف أجنبي واحتفاظ الولايات المتحدة بسيادتها التشغيلية واللوجستية كنمط متكرر في تحالفات واشنطن، لكنه لا يخلو من حساسية سياسية داخل الولايات التي تحتضن قواعد عسكرية.

من زاوية عسكرية بحتة، يقدّم التدريب المشترك لطياري F-15 فرصة لتعزيز interoperabilty — قدرة التشغيل المشترك — بين القوات الجوية للبلدين، ويمثل امتدادًا لصفقات تسليح واستثمارات أمنية سابقة.

أما من الناحية الاقتصادية المحلية فكما ألمح الدبلوماسي القطري فالمشروع قد يوفر عوائد تشغيلية ومنافع اقتصادية لمحيطه، ما يسهّل قبوله محليًا إذا ترافق مع شفافية في التفاصيل وتعهدات بالحفاظ على الأمن والخصوصية.

لكن البعد السياسي يظل حاسمًا: أي اتفاق طويل الأمد لاستضافة طيارين أجانب على أراضٍ أمريكية—حتى لو كان بتمويل أجنبي—يتطلب إدراكًا واضحًا لحساسيات الأمن القومي، والالتزامات التشريعية، وتنسيقًا بين السلطات الفدرالية والولائية. الطلبات الأخيرة من نواب أيداهو بخصوص إحاطة رسمية تعكس ذلك تمامًا.

 

في المحصلة، تبدو منشأة التدريب في أيداهو حلقة جديدة في شبكة تعاون دفاعي بين قطر والولايات المتحدة، تجمع بين مصالح تدريبية عملية ومنافع محلية واقتصادية، في مقابل تساؤلات دستورية وسياسية حول نوعية الترتيبات وحجم الشفافية المطلوبة.

وسيحدد كيفية تعامل البنتاغون والدوائر السياسية مع هذه التساؤلات خلال الأسابيع المقبلة ما إذا كان المشروع سيُنظر إليه كنموذج تعاون مُطمئن أم كمصدر لحساسيات محلية ووطنية متجددة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.