سيطرة الإمارات في اليمن تمتد إلى جزر وموانئ ساحلية ومرافق لوجستية

واصلت دولة الإمارات منذ 2015 تكثيف حضورها في اليمن عبر منظومة من التحركات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي امتدت إلى جزر وموانئ ساحلية ومرافق لوجستية حسّنت قدراتها على النفوذ والتحكم في موارد وممرّات استراتيجية.

وقد أثار التحرك الإماراتي الأخير في محافظة سقطرى تساؤلات حول أهداف هذه السياسة وآثارها على سيادة الدولة اليمنية وسلامة الممرات البحرية الإقليمية.

إذ أفادت تقارير محلية أن ضباطاً إماراتيين افتتحوا مؤخراً مبنى باسم «التمكين» في مدينة سقطرى، تُشرف عليه شركة إماراتية وتديره أجهزة محلية موالية للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً. ويضم المبنى، بحسب المصادر، فروع مكاتب إيرادية وبنكاً خاصاً يُدير نشاطه أحد مسؤولي شركة المثلث الشرقي الإماراتية، في خطوة تُجبر موظفي المحافظة على فتح حسابات لدى هذه الكيانات، ما يمنح أبوظبي قدرة مباشرة على التحكم بالإيرادات المحلية والتحويلات المالية.

كما رصدت صور فضائية وبرامج رصد نشاطاً إنشائياً واسع النطاق في أرخبيل سقطرى وجزر أخرى مثل ميون وزقر وحنيش، شمل بناء مدارج للطائرات ومرافق لوجستية ومباني إدارية، إضافة إلى مشاريع بنى تحتية بحرية.

وفي جزيرة ميون، تحديداً، تواصلت أعمال بناء مدرج طائرات بطول يقدّر بالكيلومترات، ما يطرح احتمال استخدام الموقع لأغراض مراقبة فضلاً عن الاستخدام المدني المزعوم.

ويرى خبراء عسكريون واستراتيجيون في هذه التحركات مشروعاً جيوعسكرياً متكاملاً يهدف إلى تأمين القدرة على مراقبة الملاحة عبر مضيق باب المندب والسيطرة على نقاط اتصال بحرية تربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي.

ويعني التحكم في هذه النقاط نفوذاً مباشراً على خطوط التجارة والطاقة الدولية، وهو ما يجعل من الوجود الإماراتي في هذه المحاور ذا بعد إقليمي طويل الأمد.

وإلى جانب البنى التحتية، اتبعت أبوظبي منذ سنوات سياسة بناء شبكات نفوذ محلية من خلال دعم شخصيات انفصالية وتشكيل قوى مسلحة خارج الإطار الرسمي للدولة اليمنية.

وسمح هذا الأسلوب لأبوظبي بفرض نفوذ فعلي دون الحاجة إلى وجود عسكري معلن واسع النطاق، عبر وكلاء محليين يضمنون مصالحها ويسهّلون إدارة المشاريع الاقتصادية والأمنية على الأرض.

ومنذ 2018 شهدت سقطرى تصعيداً ميدانياً حين سيطرت قوات إماراتية على مرافِق حيوية ورفعت أعلاماً، ما أثار توتراً مع الحكومة اليمنية.

ورغم اتفاقات وساطة، استمر الوجود الإماراتي عملياً، وحوّل الجزيرة إلى مركز لوجستي ضمن حلقة قواعد تمتد عبر البحر الأحمر وخليج عدن وصولاً إلى أرخبيل زقر وميون.

ولا تقتصر المخاوف على البعد العسكري فقط؛ فالتحكم بالإيرادات عبر بنوك محلية وقنوات مالية تثير قلقاً حول استنزاف موارد المحافظات وعدم إيصال عوائدها لخزينة الدولة. متابعون يرون أن هذه الممارسات تُضعف مؤسسات الدولة وتُعزّز انفصالاً إدارياً واقتصادياً يواكب التمدد الأمني.

الحكومة اليمنية وأطراف التحالف الإقليمي لم تصدرا حتى الآن رداً واضحاً أو خطوات عملية لردع هذا النوع من التمدد. في المقابل، تؤكد أبوظبي في مراجعها الرسمية أن حضورها في الساحل والجزر يخدم الاستقرار والتنمية، وأن مشاريعها بنّاءة ومدنية الطابع.

لكن واقع الأرض يشير إلى أن الخطط الإماراتية تتضمّن أدوات نفوذ متعددة الأوجه: عسكرية ولوجستية واقتصادية وسياسية.

ويحذّر باحثون يمنيون ودوليون من أن استمرار هذا النمط سيؤدي إلى تشظٍّ في الجغرافيا اليمنية وإضعاف القدرة المركزية على إدارة الموارد والموانئ، ما سيعقّد جهود إعادة بناء دولة يمنية موحدة بعد انتهاء النزاع.

واستعادة سيطرة الدولة على مواردها وممرّاتها البحرية، بحسب هؤلاء، تبقى المفتاح الوحيد لضمان الأمن والسلام في اليمن والمنطقة، ولمنع تحويل الممرات الاستراتيجية إلى أدوات نفوذ إقليمية.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.