في لحظة تعيد التذكير بلعبة حافة الهاوية من دون أن ترقى إلى أزمة صواريخ كوبا، هدأت المواجهة الأميركية–الروسية هذا الأسبوع على وقع وعود بلقاء قريب بين الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في بودابست، من دون مؤشرات ملموسة على تنازلات متبادلة.
وبينما يرفع البيت الأبيض منسوب الدبلوماسية، تحذّر كييف من أن “سلامًا مُستعجلًا” قد يثبّت مكاسب موسكو الميدانية.
ووفق روايات مطّلعين على المشهد، درس ترمب خيار تزويد أوكرانيا بصواريخ “توماهوك” بعيدة المدى—خطوة وُصفت في موسكو بأنها تصعيد قد يقود إلى حافة مواجهة نووية—قبل أن يتراجع الخميس إثر مكالمة مع بوتين، أعلن بعدها عن اجتماع “قريب” في بودابست “لاستكشاف نهاية لهذه الحرب غير المجيدة”.
ويعكس هذا التبدّل السريع نهجًا بات مألوفًا لدى ترمب: تصعيدٌ لفظي يوظَّف لخلق رافعة تفاوضية، يعقبه عرض لقاء مباشر.
وقد زاد اللغط مع تصريحات للرئيس الأميركي السابق قال فيها إن مسؤولين سعوديين أبلغوه “حتى يوم أمس” باستعدادهم للانضمام إلى “الاتفاقات الإبراهيمية”، في سياق خطاب أوسع عن قدرته على إغلاق ملفات إقليمية متشابكة—من وقف إطلاق النار في غزة إلى تسوية ما بشأن أوكرانيا.
كييف: لا مؤشرات على تنازل روسي
في المقلب الأوكراني، تبدو الثقة متدنية. فبينما يستعد الرئيس فولوديمير زيلينسكي للقاء ترمب في البيت الأبيض الجمعة، تشير كييف إلى أن القمة السابقة في ألاسكا لم تُنتج سوى مزيد من الهجمات الروسية.
ولفتت السفيرة الأوكرانية في واشنطن، أولغا ستيفانيشينا، إلى واحدة من أكبر موجات القصف منذ بداية الحرب، شملت 37 صاروخًا و320 مسيّرة في ليلة واحدة، لتؤكد أن “موسكو تختار الصواريخ لا الحوار”، وأن الردّ الفعّال يمرّ عبر “مزيد من العقوبات، وتعزيز الدفاع الجوي، وتزويدنا بقدرات بعيدة المدى”.
وقد أثار تهديد “التوماهوك” ردودًا روسية حادّة. المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف وصف النقاش بأنه “دراماتيكي للغاية”، فيما لوّح ديمتري مدفيديف بأن التمييز بين النسخة التقليدية والنووية من الصاروخ “مستحيل أثناء الطيران”، في تحذير ضمني من مخاطر سوء التقدير.
على الضفة الغربية، يطرح خبراء دفاع—ومنهم رون واهيد، رئيس مجلس إدارة “أركانوم غلوبال”—خيارات أقل استفزازًا وأكثر فاعلية: صواريخ “توروس” الألمانية بعيدة المدى، “تحالف الراغبين” لفرض منطقة حظر طيران، واستهداف “الأسطول الخفي” الذي يساعد موسكو على الالتفاف على العقوبات النفطية ويُتهم بتنفيذ هجمات مسيّرة على أهداف أوروبية.
“جزرة” و“عصا”: اختبار للكونغرس والدبلوماسية
يعوّل البيت الأبيض على مراكمة أوراق ضغط قبل قمة بودابست. فإقرار الكونغرس مشروع عقوبات جديد على روسيا، الذي يدفع به السيناتور ليندسي غراهام، سيمنح وزير الخارجية ماركو روبيو—المكلّف لقاء المسؤولين الروس الأسبوع المقبل—حزمة “جزرة/عصا”: عروض تخفيف اقتصادي مقابل تقدّم تفاوضي، مع إبقاء أدوات الردع قائمة سواء عبر ترسانة العقوبات أو تحديث نوعية المساعدات العسكرية لكييف.
ويستند ترمب إلى زخم وقف إطلاق النار في غزة، الذي حظي بإشادات دولية—بما فيها رسالة تهنئة من بوتين—لتعزيز صورته كـ“صانع سلام عالمي”.
لكنه في أوكرانيا يواجه معادلات أعقد: خطوط تماس متحركة، بيئة تصعيد رمادية تشمل المسيّرات والحروب السيبرانية والضربات داخل العمق، وحلفاء أوروبيين يتوجسون من “اتفاق سريع” يشرعن الوقائع. وفي الوقت ذاته، يعترف حتى أشدّ داعمي كييف تشدّدًا بأن مسار الدعم العسكري الطويل غير خال من المخاطر المنزلقة.
نافذة بودابست: فرصة أم فخّ؟
عمليًا، تتكوّن “معادلة بودابست” من ثلاثة عناصر مترابطة:
رفع كلفة استمرار الحرب على بوتين عبر مزيج من العقوبات والضغط العسكري غير المفضي إلى حرب مباشرة؛
توفير سلّم نزول دبلوماسي يتيح لموسكو ادّعاء مكسب ما من دون تقويض سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها؛
طمأنة كييف وحلفائها بأن أيّ هدنة لا تتحول إلى تجميد صِرف للنزاع يمنح روسيا وقتًا لإعادة التموضع.
ونجاح هذه المعادلة يفترض تنسيقًا أميركيًا–أوروبيًا وثيقًا، وقدرة على إدارة التصعيد اللفظي الذي يستخدمه ترمب كأداة تفاوض—من دون الانزلاق إلى اختبار قوة لا يملك أحدٌ رفاهية نتائجه.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72952