عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمام البرلمان الإسرائيلي هذا الشهر أن «الدول العربية والإسلامية» ستقدّم «مبالغ هائلة من المال» لإعادة إعمار غزة، بدا المبلغ المطلوب — حوالى 70 مليار دولار وفق الأمم المتحدة — أقرب إلى ضمان.
لكن تحقيقات وتقارير صحفية تظهر أن جمع هذه الأموال من دول الخليج ليس بالسهولة التي صوّرها ترمب، وأن رهانات سياسية وأمنية واقتصادية تجعل التحويل الفعلي للمليارات عملية معقّدة ومشحونة بشروط، بحسب ما أوردت وكالة بلومبيرغ.
وذكرت الوكالة أن الإمارات والسعودية وقطر أيدت بشكل مبدئي خطة إعادة الإعمار وشاركت في صياغتها، لكن كل دولة وضعت مطالب خاصة قبل أن تفتح خزائنها.
فأبوظبي، بحسب مسؤولين ومصادر مطلعة، تشترط «وضوحاً سياسياً» وترتيبات أمنية على الأرض وضمانات بعدم عودة حماس إلى دور قيادي في إدارة غزة، قبل أن تلتزم بتمويل واسع النطاق.
بالمقابل، الدوحة التي تملك علاقات طويلة مع قيادات حماس، تربط صرف الأموال بالتزام إسرائيل بتنفيذ تعهداتها وبآليات تشغيل واضحة للتمويل والمشاريع.
من جهتها السعودية تواجه قيودًا مالية وسياسية من جانبها. انخفاض أسعار النفط هذا العام وتأجيل مشاريع داخلية مرتبطة بخطط التحول الاقتصادي حدّ من قدرة الرياض على تقديم منح سخية كما في العقود السابقة، بحسب محللين ومصادر مطلعة.
علاوة على ذلك، تقول مصادر إن الرياض باتت أكثر تحفظًا في «كتابة الشيكات المفتوحة»؛ إذ تريد ضمانات ونتائج ملموسة قبل الانخراط المالي المكثف. هذا دفع دول الخليج إلى التفكير بتقاسم عبء التمويل أو الاعتماد على شراكات إقليمية ودولية بدلاً من التزامات منفردة.
وتأتي هذه التحفظات بينما تستعد القاهرة لاستضافة مؤتمر دولي للإعمار سيشارك فيه ممثلون خليجيون في وقت قريب، ما سيجعل قضايا الشروط والرقابة والآليات التشغيلية على رأس جدول الأعمال.
لكنها أيضًا مناسبة لطرح نماذج بديلة: القاهرة تسعى أن يكون لمصر دور قيادي في تنفيذ المشاريع واستفادة شركاتها، خاصة في قطاعات الطاقة والبنى التحتية — خطوة ترى فيها مصر سعيًا لتأمين مصالح جيوسياسية واقتصادية ضمن إطار إعادة الإعمار.
جانب آخر من التعقيد هو الخلاف على مصير حماس. الولايات المتحدة وإسرائيل تضعان شرط نزع السلاح ومشاركة محدودة أو استبعاد كامل لحماس من الحكم المؤقت كشرط لبدء الإعمار، وهو ما ترفضه حماس بشكل قاطع، بينما يرى بعض الوسطاء أن استبعادها نهائيًا قد يكون غير واقعي ويؤدي إلى فراغ سياسي يصعب ملؤه.
وهذا التباين يخلق معضلة بحيث أن الدول الحريصة على عدم تحمّل مخاطر مالية احترازية لن تمول مشاريع ضخمة قبل ضمانات واضحة بعدم تجدد القتال.
وفي كواليس واشنطن، تناقش أوساط مقربة من البيت الأبيض وخبراء استراتيجيون خيارات تقنية وسياسية، من بينها مقترحات لتقسيم مؤقت للقطاع أو بدء إعادة الإعمار في مناطق خاضعة لسيطرة إسرائيل فقط، بانتظار ترتيبات أمنية أوسع.
ولكن مثل هذه الخطوات قد تواجه معارضة محلية وإقليمية وتطرح أسئلة قانونية وإنسانية حول التجزئة والإدارة المؤقتة.
وخلاصة المشهد أن التعهدات السياسية المعلنة لا تعني تحويل الأموال تلقائيًا؛ دول الخليج تتطلّب ضمانات سياسية وأمنية ومحاسبة واضحة على كيفية إنفاق الأموال، بينما تحرص مصر على دور قيادي في التنفيذ، وتبقى مسألة دمج حماس أو استبعادها حجرَ عثرة مركزيًا.
وفي هذه الظروف، يشير المراقبون إلى أن مؤتمر القاهرة قد يصبح محطة حاسمة لمعرفة ما إذا كانت الوعود ستترجم إلى تمويل فعلي أم أنها ستظل تعهدات كلامية مرهونة بشروط يصعب تلبيتها.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73017