مؤشرات على توتر العلاقات بين إيران وسوريا

استعرض مقال تحليلي مؤشرات على توتر العلاقات بين إيران وسوريا ما دفع طهران إلى أن تقوم بإعادة حساباتها ونهجها تجاه الحليف السوري.

وقال المقال الذي نشره المركز الخليجي للدراسات والنشر، إن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان صرح في زيارته للعاصمة السورية دمشق، في 11 فبراير من العام الجاري، بأن “طهران تعتبر سوريا على الخط الأمامي لمحور المقاومة”.

وأكد عبداللهيان على الدور المهم الذي تلعبه دمشق في “مواجهة الأعداء وإرساء الاستقرار والأمن في المنطقة”.

وعلق المركز “كانت هذه هي تصريحات العلن لكن في الخفاء، وخاصة بعد اندلاع الحرب في غزة، يبدو أن طهران تقوم بإعادة حساباتها ونهجها تجاه الحليف السوري”.

إذ منذ بدء حرب غزة بعد هجوم حماس على المستوطنات الإسرائيلية في 7 أكتوبر 2023، بدأت تل أبيب في كسر قواعد اللعبة مع كل من طهران ودمشق، وبعد أن كانت الهجمات الجوية الاسرائيلية تستهدف أهدافا غير مهمة للإيرانيين في سوريا، أصبحت الهجمات الاسرائيلية تستهدف كبار القادة الإيرانيين في دمشق.

في نهاية العام الماضي قتلت غارة جوية إسرائيلية سيد راضي موسوي أحد كبار قادة الحرس الثوري في سوريا ولبنان وعددًا من قادة الحرس الثوري.

كانت الضربة الأقوى مطلع أبريل حين استهدفت تل أبيب القنصلية الإيرانية في دمشق بغارة جوية، قُتل على إثرها واحد من أهم قادة الحرس الثوري في بلاد الشام، الجنرال محمد رضا زاهدي.

واستهداف القنصلية الإيرانية دفع طهران إلى التخلي عن صبرها الاستراتيجي لتشن هجومًا كبيرًا بطائرات مسيرة وصواريخ بالستية وكروز من الأراضي الإيرانية على أهداف عسكرية في إسرائيل، فردت تل أبيب على الهجوم الإيراني بمهاجمة قاعدة جوية عسكرية في مدينة اصفهان.

تصاعد التوتر بين طهران وتل ابيب، وضع سوريا في مأزق خاصة بعد أن اتهمتها طهران مباشرة بتسريب معلومات عن قادة الحرس الثوري في دمشق وخط سيرهم إلى الإسرائيليين لتسهيل استهدافهم.

لكن ما سبق ليس هو السبب الوحيد لتوتر العلاقات بين طهران ودمشق، فهناك عدد من الأسباب التي دفعت طهران للتفكير في اتخاذ خطوة جادة تجاه إعادة هيكلة علاقاتها بنظام الرئيس بشار الأسد.

ولكن قبل الدخول في تفاصيل هذه الأسباب لابد من المرور سريعًا على قوة العلاقة بين طهران ودمشق، والمكاسب التي حققتها إيران من دعمها لنظام الرئيس الأسد.

منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 كانت العلاقة بين إيران وسوريا وثيقة بشكل لا يمكن تجاهله، تعززت العلاقات منذ أن أصدرت طهران فتوى بأن الطائفة العلوية التي تُدين بها عائلة الأسد هي طائفة مقبولة لدى الشيعة الاثني عشرية.

ومع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ووصول الرئيس بشار الأسد إلى الحكم وقلقه من هذا الغزو واصل تعزيز علاقة دمشق بطهران، وما زاد قوة العلاقة بينهما دعم طهران للأسد في الحرب السورية التي اندلعت عام 2011.

طوال فترة الصراع السوري قدمت طهران لنظام الأسد دعمًا ماليًا وعسكريًا سخيًا، ونجحت إيران في جعل سوريا خطًا دفاعيًا لمحورها، وحققت أهدافها الاستراتيجية في الحفاظ على نظام الأسد الحليف، وتأسيس جبهة خاملة (الجولان) لتعقيد الحسابات الاسرائيلية اذا فكرت في مهاجمة إيران.

وأصبحت سوريا جبهة ناجحة لممارسة الضغط الإيراني على كل من الولايات المتحدة واسرائيل، بالإضافة إلى الممر البري الذي أنشأه الحرس الثوري وهو بمثابة عمود فقري لمحور المقاومة، حيث ترسل إيران من خلاله الأسلحة والمعدات إلى حزب الله في لبنان.

كما تنتشر القوات بسهولة على جانبي الحدود العراقية السورية، لتسهيل عمليات الشركاء في محور المقاومة.

وفي الآونة الأخيرة ظهرت العديد من العوامل القادرة على إعادة تشكيل ديناميكيات العلاقة بين إيران وسوريا، وهي كالاتي:

أولاً: رفض الرئيس بشار الأسد فتح جبهة الجولان أمام الإيرانيين وحزب الله لمساندة حماس في حربها مع تل أبيب. محاولة سوريا النأي بنفسها عن حرب غزة تركت القادة الايرانيين مستاءين من الموقف السلبي البارد للحكومة السورية.

ازدادت الأمور سوءا بعد اتهامات طهران لدمشق بوجود تسريب لمعلومات عن قادة الحرس الثوري لإسرائيل لاستهدافهم، كما اتهمت طهران دمشق بأنها لم تقم بمحاولة صد أي هجوم إسرائيلي على القادة الإيرانيين بالرغم من امتلاكها لدفاعات جوية فاعلة إلى حد ما وتحديدًا المنظومات الدفاعية التي زودتها بها روسيا خلال سنوات الحرب.

والموقف السوري كان سببًا في غضب الحليف الايراني، وفسر البعض داخل إيران موقف سوريا من الهجمات الاسرائيلية بأنه يهدف في حقيقة الأمر إلى إبعاد الإيرانيين عن دمشق.

وذهب البعض إلى حد اتهام دمشق بعقد صفقة مع واشنطن وتل أبيب، بتسريب معلومات تواجد القادة الإيرانيين، مقابل تخفيف واشنطن للعقوبات الاقتصادية المفروضة على نظام الأسد، وعدم استهداف إسرائيل لمناطق حيوية في سوريا.

ثانيًا: في الأشهر القليلة الماضية، قامت طهران بمحاولات لمطالبة دمشق بدفع فواتير الدعم الإيراني، خاصة بعد أن رأت إيران أن الحكومة السورية خصصت عقود الاستثمار في الفوسفات والنفط لصالح روسيا في محاولة واضحة لإبعاد إيران.

لذلك، زار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي دمشق ووقع العديد من الاتفاقيات التجارية الثنائية مع الحكومة السورية على أمل أن تفي سوريا بدينها المستحق لإيران.

يحاول الرئيس بشار الأسد المماطلة والتذرع بالتعقيدات البيروقراطية التي تعرقل إتمام الصفقات التجارية مع الشريك الإيراني.

يرى الأسد أن حصول إيران على التعاقدات التجارية لن يعود عليه بالفائدة، خاصة وأن أغلب أرباح هذه الصفقات ستذهب لتسديد ديون دمشق المستحقة لطهران عن صادرات الوقود الإيرانية.

لذلك يعرف الأسد أن الأفضل هو منح هذه الصفقات لروسيا أو للدول الخليجية إذا بدأت استثماراتها في سوريا.

ثالثا: يمثل تسارع خطوات التطبيع العربي السوري عاملاً من عوامل التوتر في العلاقات السورية الإيرانية، في مايو 2023 بعد تعليق دام 12 عامًا، عادت سوريا إلى جامعة الدول العربية.

رحبت طهران بقرار إعادة دمج سوريا في جامعة الدول العربية ورأت أنه انتصار لشرعية الرئيس بشار الأسد وتأكيد لأهمية محور المقاومة الذي تقوده إيران.

لكن في حقيقة الأمر كان قرار جامعة الدول العربية بإعادة دمج سوريا ليس تأييدا لنظام الأسد بقدر ما كان اعترافًا بالحقائق الجيوسياسية التي لا مفر منها والتي شكلتها قبضته على السلطة حتى اليوم.

وسط الترحيب الإيراني بالتطبيع العربي السوري، كانت هناك مخاوف بأن قبول الدول العربية وخاصة الخليجية للأسد سيكون مدفوعا بالرغبة في تقليص نفوذ إيران في سوريا.

ومع ذلك وجدت إيران في التطبيع العربي السوري فرصة وتحدٍ في نفس الوقت لطهران، هي فرصة لإنعاش الاقتصادي السوري المتدهور وهو ما سيوفر لإيران سبلاً للتعاون الاقتصادي مع بعض الدول العربية والاستفادة من مشاريع إعادة الإعمار في سوريا وجنى ثمار دعمها للأسد.

لكن التحدي يكمن في احتمال قيام الدول العربية بالتأثير على نظام الأسد للحد من النفوذ الإيراني في سوريا، وهو ما دفع القادة الإيرانيين إلى التفكير في إعادة ضبط استراتيجية طهران في سوريا لمواجهة هذا التحدي الجديد.

رابعًا: لا شك أن التطبيع العربي الإسرائيلي يحمل آثارًا على العلاقات السورية الإيرانية.

ترى إيران أنه من الممكن عندما تجد الدول العربية أن محاولة التحالف مع إسرائيل وسوريا في نفس الوقت محكومة بالفشل قد تحاول هذه الدول استدراج سوريا للتطبيع مع إسرائيل، قد يبدو هذا الأمر صعب التحقيق في الوقت الحالي، لكنه بالتأكيد، ورقة موجودة على الطاولة.

وتعتقد إيران أن التطبيع العربي مع إسرائيل وسوريا، يجعل الأخيرة في مكان استراتيجي أهم من أي وقت مضى، دمشق هي خط الدفاع الأهم لإيران أمام إسرائيل وسط موجة التطبيع العربي، ما يزيد من رغبة الإيرانيين في زيادة تعميق تواجدهم في سوريا.

كخاتمة، وعلى ضوء الخلفيات السابقة، تجد إيران في التطورات الأخيرة، أسبابًا عدة لتبني موقف أكثر حزمًا في سوريا.

لن تحرص إيران على الحفاظ على نفوذها في سوريا فحسب، بل ستعمل على توسيعه وتعزيزه.

إذا حدث ذلك، فستكون سوريا في مأزق أمام محاولة التخلص من النفوذ الإيراني واللجوء إلى دول الخليج العربية التي من الممكن أن تساهم في تعزيز حكم الرئيس بشار الأسد من خلال إنقاذه اقتصاديًا.

وإذا فشلت سوريا في تخفيف قبضة إيران سيكون مستقبل دمشق غير مضمون، ستبقى ساحة لصراعات القوى الاقليمية وهو ما يقوض احتمالات الاستقرار والتعافي.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.