العراق يتجه لمحطات الطاقة العائمة لتخفيف أزمة الكهرباء

في محاولة للتعامل مع أزمة الكهرباء المتفاقمة التي تعصف بالبلاد منذ عقود، لجأ العراق مؤخرًا إلى حل سريع وعملي عبر استئجار محطات طاقة عائمة من شركة تركية متخصصة، في خطوة تهدف إلى تلبية جزء من الطلب الهائل على الكهرباء وتخفيف الضغوط على الشبكة الوطنية المتهالكة.
ووقّعت الحكومة العراقية اتفاقًا طارئًا مع شركة كارباورشيب التركية، وهي من أبرز مزوّدي حلول الطاقة العائمة في العالم، لنشر سفينتين قبالة سواحل محافظة البصرة على الخليج. السفن، التي تُعرف باسم “بواخر الطاقة”، عبارة عن محطات كهربائية متنقلة قادرة على توليد ما يصل إلى 590 ميغاواط.

وبحسب وزارة الكهرباء العراقية، فإن هذه السفن ستعمل لفترة أولية مدتها 71 يومًا باستخدام وقود متنوع، ما يمنح الشبكة الوطنية دفعة حيوية خلال أشهر الصيف التي يشهد فيها الاستهلاك ذروته. ورغم أن الشروط المالية للعقد لم تُكشف، فإن وزارة الكهرباء وصفت الاتفاقية بأنها “ضرورة ملحة” لمواجهة الانقطاعات المستمرة.

أولى السفن ترسو في أم قصر

أعلن وزير الكهرباء زياد علي فاضل أن السفينة الأولى، “كارادينيز أورهان علي خان”، رست في ميناء أم قصر يوم الخميس الماضي، بطاقة إنتاجية تبلغ نحو 125 ميغاواط. ومن المقرر أن تدخل الخدمة خلال أسبوع تقريبًا، فور استكمال التوصيلات وتوفير الوقود اللازم.

أما السفينة الثانية، “أوركا سلطان”، فقد وصلت السبت إلى ميناء خور الزبير. ووصفتها وزارة النقل بأنها “أطول سفينة” تستقبلها الموانئ العراقية حتى الآن، مؤكدة أن رسوّها يعكس “قدرات الموانئ الوطنية وجاهزيتها لتوفير حلول طاقة مبتكرة للعراق”.

وتوقع الوزير أن يرتفع اعتماد العراق على بواخر الطاقة في المستقبل، مشيرًا إلى خطط لإنتاج ما يصل إلى 1500 ميغاواط من خلال هذه المحطات خلال السنوات المقبلة، بما يساعد على تحقيق الاستقرار في شبكة البصرة والمحافظات الجنوبية.

أزمة ممتدة منذ ثلاثة عقود

تعكس هذه الخطوة عمق أزمة الكهرباء في العراق، التي بدأت منذ حرب الخليج عام 1991 حين دمّرت الغارات الجوية البنية التحتية للطاقة. ومنذ الغزو الأميركي عام 2003، عانى القطاع من سوء الإدارة والفساد المزمن.

في عام 2020، قدّر رئيس الوزراء الأسبق مصطفى الكاظمي أن الأموال التي أُنفقت على الكهرباء منذ 2003 تجاوزت 60 مليار دولار، من دون أن يحقق القطاع أي قفزة نوعية.

وبحسب بيانات 2024، بلغ إنتاج العراق من الكهرباء نحو 27 ألف ميغاواط، بينما يتجاوز الطلب في ذروة الصيف 45 ألف ميغاواط، ما يترك عجزًا يقارب 18 ألف ميغاواط. وزاد الطين بلة هذا العام تقليص إيران إمدادات الغاز الطبيعي للعراق إلى النصف، وهو ما أدى إلى فقدان 4 آلاف ميغاواط إضافية من الشبكة.

ويعتمد العراق، رغم كونه ثاني أكبر منتج للغاز في “أوبك”، بشكل كبير على إيران التي توفر نحو ثلث احتياجاته من الكهرباء والغاز. لكن العقوبات الأميركية الأخيرة ضيّقت الخناق أكثر. ففي مارس/آذار، أوقفت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجديد الإعفاء الذي يسمح للعراق بشراء الكهرباء من إيران، ما أفقد بغداد نحو 500 ميغاواط يوميًا.

هذه التطورات أدت إلى انقطاعات متكررة للتيار في الصيف، مع تجاوز درجات الحرارة 50 درجة مئوية في محافظات الجنوب. وأعادت الأزمة مشاهد الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد في أعوام 2018 و2021 رفضًا لانقطاع الكهرباء وتردي الخدمات.

حلول إسعافية من الجوار

بالتوازي مع بواخر الطاقة التركية، ضاعف العراق وارداته من الكهرباء من تركيا، لترتفع من 300 ميغاواط إلى 600 ميغاواط، وهو ما انعكس بشكل خاص على محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين شمالًا.

هذه الإجراءات السريعة ساعدت في تخفيف جزء من الأزمة، لكنها لا تزال حلولًا مؤقتة لا تعالج جذور المشكلة المتمثلة في ضعف البنية التحتية وعدم الاستثمار المستدام.

وعلى الصعيد البعيد، تتحرك بغداد نحو مشاريع كبرى لإصلاح القطاع جذريًا. ففي أبريل الماضي، وقّعت الحكومة اتفاقيتين مع شركتين أميركيتين، GE Vernova وUGT Renewables، لإنتاج ما يصل إلى 27 ألف ميغاواط من الكهرباء، في صفقات تبلغ قيمتها “مليارات الدولارات”.

كما أبرمت اتفاقًا ضخمًا مع توتال إنرجيز الفرنسية لمشروع متكامل للطاقة في الجنوب، إلى جانب صفقة أخرى مع سيمنز إنرجي الألمانية.

إضافةً إلى ذلك، يخطط العراق لتعزيز الربط الكهربائي مع الأردن ومجلس التعاون الخليجي، وزيادة التعاون مع تركيا. كما أعلن عن خطة لإضافة 7 آلاف ميغاواط من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.

وعليه تمثل محطات الطاقة العائمة خطوة إنقاذية مؤقتة للعراق، تعكس اعتماد البلاد على حلول سريعة لتلبية الطلب الفوري على الكهرباء. لكنها في الوقت نفسه تكشف هشاشة النظام الكهربائي الوطني وفشل عقود من الإنفاق في معالجة الخلل البنيوي.

وإذا كانت هذه البواخر قادرة على تهدئة الشارع مؤقتًا في مواجهة انقطاعات الصيف، فإن الاختبار الحقيقي سيكمن في قدرة بغداد على تنفيذ مشاريعها الكبرى، وتحقيق أمن طاقة مستدام بعيدًا عن الارتهان للموردين الخارجيين.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.